الولايات المتحدة الأمريكية هي بحق بلد التناقضات الحادة، ففي هذه الأيام الحاضرة أنقسم المجتمع الأمريكي حول موضوع “الحق في الإجهاض” فتقريباً نصف المجتمع مع هذا الحق بدعوى أن الجسد هو ملك للمرأة ومن حقها تعمل فيه ما تريده وطبعاً لهم الحجج الاجتماعية والطبية والنظريات الفلسفية والاجتماعية الحديثة وذلك بقيادة الحزب الديمقراطي الذي يقوده الرئيس بايدن.
أما القسم الثاني من الشعب هو ” من أجل الحياة ” يرفض تماماً هذا المنطق والإقدام على الإجهاض إلا لأسباب شديدة الأهمية مستندين إلى تعاليم الكنيسة في هذا الشأن وفي مقدمتها الكنيسة الكاثوليكية (70 مليون أمريكي) وذلك بقيادة الحزب الجمهوري الذي يقوده في الخلفية الرئيس السابق دونالد ترامب ومناسبة هذا الانقسام هو حكم المحكمة الأمريكية العليا أكبر درجة تقاضي الذي صدر الأسبوع الماضي وهي محكمة تفصل بين السلطات قد ألغت حكم سابق صادر منذ خمسون عاماً والتي أعطت الحرية للمرأة في الإجهاض. واليوم ألغت هذا الحكم. وجرى الانقسام.
لا يخفي على أحد أن في الخمسين عاماً حصل تقدماً علمياً كبيراً معضدة بالصور عن الجنين الذي أكتمل نموه وبقلب ينبض وهذا التقدم العلمي والأدبي والأخلاقي هو الذي أفسح المجال لمعرفة أوسع عن حياة الجنين وبالتالي حكمت المحكمة الأمريكية العليا بحقه في الحياة وأن إجهاضه هو اعتداء على حق من حقوق الإنسان الذي من حقه أن يعيش.
وللأسف “حق الحياة” أصبح موضوع صراع سياسي بين الشعب الأمريكي وأحزابه وسياسيه بل تعدى الاهتمام الأمريكي في أن زعماء آخرين من العالم الذي يصف ذاته بـ “العالم الحر” وصفوا حكم المحكمة الأمريكية على أنه عودة إلى الوراء منهم بوريس جونسون رئيس وزراء إنجلترا والرئيس إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا وجوستان ترودو رئيس وزراء كندا وهو خرقاً للأعراف الدبلوماسية التي من المفترض ألا يعلق زعيم أجنبي على أحكام قضائية في بلاد أخرى ولكنها ألاعيب السياسة إذ يعضدون زميلهم وتاج رأسهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا المعسكر الديمقراطي ذاته يذرف الدموع على أطفال المدارس والشباب الذين يقتلون في هجمات مسلحة على مدارسهم من قبل معتلين عقلياً وبعد يدعون بسن قوانين تنظم بيع السلاح وبعض أنواعه للمراهقين ويفشلون في وسائل الضغط (اللوبي) لصالح بيع السلاح فهو أقوى من الحكومة وآلام الشعب والأخلاق ولا تسمح بتمرير هذه القوانين، فهكذا السياسة الأمريكية التي تعمل لصالح المال والنفوذ ولا تعمل لصالح الشعب.
هذه الحكومة عينها هي التي انسحبت انسحاب الخزي من أفغانستان بدعوى عودة شبابها لذويهم ثم أعادت بعد شهرين عودتهم إلى مناطق أخرى في أوروبا للدفاع عن القارة العجوز من الغزو الروسي لأوكرانيا.
وهذه الحكومة والحكومات الديمقراطية الأخرى لا تستحمي في التدخل في شئون الدول الأخرى بدعوى الحرية وحقوق الإنسان وهو أنفسهم لا يريدون سن قوانين لصالح الحياة، بل باسم الحريات يروجون لحضارة الموت وعلينا خاصة إعلامنا وشبابنا ألا يتلقف مثل هذا الطعم بدعوى الحداثة والروشنة والتقدم، فهذه الأفكار ضد عقائدنا مسيحية كانت أو إسلامية وضد طبيعة الإنسانية.