أهم الاخبار

البطريرك يونان يفتتح أعمال السينودس العادي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية

افتتح البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك، السينودس السنوي العادي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، والمنعقد في دير سيّدة النجاة البطريركي – الشرفة، درعون – حريصا، لبنان، خلال الفترة ما بين 20 إلى 25 يوينو 2022.

وفي كلمته قال: نفتتح في مقرّنا البطريركي الصيفي، في دير سيّدة النجاة – الشرفة، السينودس الأسقفي السنوي العادي لكنيستنا، والذي كنّا قد دعوناكم للمشاركة فيه، بعد أن رفعنا معاً مساء البارحة ذبيحة القداس، واضعين همومنا وآمالنا بين يدي الرب. قلوبنا تلهج بالشكر لله، أبي الأنوار وينبوع المراحم، لِما أنعم علينا وعلى جماعاتنا الكنسية من بركات وخيرات خلال العام المنصرم. وفي الوقت عينه، لا ننسى الصعوبات والتحدّيات والمعاناة التي واجهَتْنا جميعاً، في بلادنا عامةً، ومع جماعاتنا الكنسية بشكل خاص.

مع افتتاح هذا السينودس، لا تغيب عن بالنا الأوضاع المؤلمة التي تشهدها منطقتنا وتعصف ببلداننا المشرقية، والتي ستنال حيّزاً مهماً من البحث والتحليل خلال جلسات سينودسنا، لا سيّما وأنّ كنيستنا قد نُكِبت بها بشراً وحجراً، وقد لا نلمّ بنتائجها الوخيمة إلّا بعد جيلين أو ثلاثة. لكنّنا نبقى شعب الرجاء بالرب يسوع وبكلمته المحيية، ورجاؤنا به لا يخيب. “لا بل نفتخر بشدائدنا نفسها، لعلمنا أنّ الشدّة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الاختبار، وفضيلة الاختبار تلد الرجاء، والرجاء لا يخيِّب صاحبه، لأنّ محبّة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا…” كما يعلّمنا رسول الأمم (روم 5: 3 ـ 5).

وبالروح المجمعية (السينودسية) المعروفة ب “الشركة الأسقفية” التي تتميّز بها الكنائس الشرقية، نجتمع لكي نتحمّل سويةً أعباء مسؤولياتنا في خدمة كنيستنا السريانية، متضامنين ومتّحدين حسب وصية المعلّم الإلهي، راعينا ومثالنا، فنتبعه بأمانة، ونشهد له بمصداقية الرسل الحقيقيين الذين يرون في الدعوة الأسقفية قبل “الكرامة” واجبَ الخدمة بالتواضع وبذل الذات، وفوق كلّ ذلك بالمحبّة المتبادلة التي جسّدها معلّمنا الإلهي، وتغنّى بها آباؤنا السريان إذ قالوا: “ما ألذّكِ أيّتها المحبّة، وما أجمل شجرتكِ. كلّ مكان تحلّين فيه (أيّتها المحبّة) يمتلأ أماناً” (من صلاة رتبة المسامحة في بداية الصوم الكبير).

أيّها الإخوة الأعزّاء، يأتي اجتماعنا هذا في ظلّ صعوباتٍ جمّة وأوضاعٍ عصيبة يعيشها العالم عامّةً، ولا سيّما شرقنا الغالي. وتأتي في طليعة هذه الصعوبات، الأزمات الاقتصادية الخانقة، لذا سعينا ولا نزال نسعى للقيام بمسؤولياتنا في النطاق البطريركي، على صعيد الأبرشيات والرعايا والمؤسّسات الكنسية، رغم عجزنا في تلبية كامل الحاجات للآلاف من العائلات التي تعاني من الفاقة، وقد أضحت ضروريةً مرافقةُ الشباب والطلاب الذين يجابهون مستقبلاً غامضاً في بلداننا المشرقية، لا سيّما في لبنان وسوريا والعراق.

ولكي نقوى على نشر الرجاء، فوق كلّ رجاء، بين المؤمنين، وإقناع الأجيال الصاعدة على الثبات في أرض الآباء والأجداد، علينا أن نتذكّر جوهر خدمتنا الأسقفية، فنشهد للوحدة والشراكة فيما بيننا، بالروح السينودسية الحقّة، ونحن نتواكب مع الكنيسة الجامعة لإعداد السينودس الروماني القادم لعام 2023، وموضوعه، كما تعلمون: “كنيسة سينودسية: شركة وشراكة ورسالة”.

كما يتوجّب علينا عيش المصداقية وتفعيل الأمانة للرب وللكنيسة، بالشركة الروحية التي تجمعنا رغم تنوّع الإنتماءات الوطنية واختلاف الجغرافيا، كي نقدّم الشهادة الحقيقية للنفوس الموكَلة إلى خدمتنا، بأنّنا كنيسة واحدة في الإيمان والتراث والشهادة. علينا أن نُبدع بالمحبّة الفاعلة، ولا نكتفي بتبادُل التحيّة من باب اللياقة، بل علينا أن نكسر حواجز قد تعيقنا في الانفتاح الأخوي الصادق، واحدنا على الآخر، في هذه المرحلة الخطيرة التي تجتازها كنيستنا. لنشعر مع إخوتنا الأساقفة الذين تحمّلوا الكثير في السنوات الماضية وما زالوا، ونكتشف احتياجات أبرشياتهم ورعاياهم، إكليروساً وشعباً، ونتجاوب معهم بقدر ما أولانا الرب من مواهب وإمكانيات.

وهنا أحثّ الجميع على تقاسُم الهموم والآمال الرعوية بزيارات متبادلة، بعد أن زالت الحواجز بين بلداننا، لا سيّما سوريا والعراق البلدين المنهكَين لسنين طويلة! هلمّوا ننطلق بفيضٍ من الروح القدوس، نحمل أثقال بعضنا بعضاً، ونكرز بكلمة الرب المحيية والمانحة العزاء.

لذا لا يغيب عن بالنا الوضع الاقتصادي المتردّي في سوريا، والذي يزيد من الفقر والمعاناة. ونأمل أن تتضافر جهود المسؤولين للنهوض بسوريا وإعادة بنائها وازدهارها. وقد لمسنا الجهود التي تُبذَل لمساعدة أبنائنا على الصمود خلال زيارتنا الأخيرة إلى دمشق، حيث شاركْنا في مؤتمر للمنظّمات الكنسية المانحة.

أمّا العراق، فإنّنا نتطلّع إلى المزيد من اللحمة الوطنية بين مختلف مكوّناته، كي تتشكّل السلطات فيه، وتستقيم أمور الإدارة، لما فيه خير المواطنين. ونحن نتذكّر بفرح زيارتنا الأبوية الأخيرة إليه، حيث احتفلنا مع أبنائنا في قره قوش (بغديدي) بمسيرة الشعانين، والتي شارك فيها ما يقرب من عشرين ألف شخص. يا له من مصدر عزاء وفخر عظيم لكنيستنا! واحتفلنا بالقداس الإلهي في كنيسة البشارة، وهي الكنيسة الأولى التي أعيد بناؤها في الموصل المدمَّرة، وأحيينا رتبة النهيرة في برطلّة.

لا ننسى أحوال أبنائنا في بلدان الشرق، من مصر التي تنعم بالأمان بسبب حكمة قيادتها ومسؤوليها، والأردن الذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والطمأنينة بين جميع أبنائه، والأراضي المقدسة التي تنشد السلام والمسامحة وقبول الآخر، وتركيا التي يعمل فيها أبناؤنا للمحافظة على حضورهم، وهم يجهدون لمتابعة شهادتهم للرب في أرض الآباء.

أمّا لبنان، فلا نستطيع إلّا أن نتكلّم عن الكارثة التي حلّت بهذا البلد، منذ ثلاث سنوات. لبنان الرسالة وموئل الحضارات ومنبت الحرّيات، والذي يئنّ رازحاً تحت وطأة أزمات مخيفة، من سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية. إنّنا إذ نستبشر خيراً بانتخاب المجلس النيابي الجديد، نناشد جميع المعنيين للعمل السريع والجدّي على تشكيل حكومة جديدة، علّها تخفّف من آلام الشعب ومحنة المواطنين الذين باتوا بأغلبيتهم تحت خط الفقر، وتتمكّن من القيام بالإصلاحات الواجبة، وإنجاز خطّة التعافي الاقتصادي مع المساعدات المتوخّاة من صندوق النقد الدولي وسواه من الهيئات والجهات المانحة. وندعو للبنان بالعودة إلى سابق عهده من التطوّر والازدهار، وذلك بتكاتُف مواطنيه ونزاهة المسؤولين واستقلالية القضاء، فيصلوا إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، رافضين الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري وتدخُّل المُغرضين.

كما نطالب المسؤولين بالعمل على كشف مصير أموال المودعين في المصارف وإعادتها إلى أصحابها، وكذلك متابعة التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت بمعزل عن أيّ حصانة أو حماية.  ولا ننسى الدور الهامّ الذي يؤدّيه الجيش اللبناني والقوى الأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ونحثّ المسؤولين كي يترفّعوا عن المصالح الشخصية والفئوية الضيّقة في سبيل الخير العام وتأمين مصلحة الوطن.

أمّا في بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، حيث يعيش أبناؤنا حقوقهم الإنسانية الوطنية، لكنّهم يجابهون تحدّي المحافظة على إيمانهم وتراث آبائهم وأجدادهم، فإنّنا نشعر بمسؤوليتنا المشتركة وبالضرورة الملحّة لمتابعة خدمة المهجَّرين روحياً ورعوياً واجتماعياً. علينا أن نتدارس الحاجة إلى رفدهم بالكهنة المُرسَلين، وإعداد الإكليريكيين للخدمة، في الأبرشيات الخاصّة بنا في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا وفنزويلا، أو حيث ما زالت رعايانا تحت إشراف الأسقف المحلّي في أوروبا.

سنعالج في هذا السينودس المواضيع التي أدرجناها على جدول الأعمال، فضلاً مع ما قد تقترحونه من مواضيع أخرى، ولعلّ أبرزها: تقارير عما استُجِدّ في كلّ أبرشية وأكسرخوسية ونيابة وزيارة بطريركية ورسولية، روحيًا ورعويًا واجتماعيًا وثقافيًا، المراجعة النهائية لليتورجية القداس الإلهي قبل تقديمها إلى الكرسي الرسولي، الاستعدادات لسينودس الأساقفة الروماني 2023، الكنيسة في بلاد الانتشار: آفاق الخدمة وتحدّياتها، تقارير عن الإكليريكية البطريركية والرهبانيات، مواضيع عن الخدمة الكهنوتية، والتنشئة الإكليريكية.

وفي ختام كلمتي، يطيب لي أن أقتبس هذه الكلمات من موعظة قداسة البابا فرنسيس في عيد العنصرة (5/6/2022) عن أهمّية الروح القدس ومفاعيله في حياتنا: “إنّ الروح القدس يحملنا لكي نحبّ هنا والآن: لا عالماً مثالياً وكنيسة مثالية، إنّما ما هو موجود، في الشفافية والبساطة. ما أكبر الفرق مع الشرير الذي يثير الأشياء التي تُقال من وراء ظهرنا والشائعات والثرثرة! إنّ الروح القدس يريدنا معاً، يؤسّسنا ككنيسة، واليوم يعلّم الكنيسة كيف تسير. لنضعْ أنفسنا في مدرسة الروح القدس، لكي يعلّمنا جميع الأشياء. لنستدعِهِ يومياً، لكي يذكّرنا أن ننطلق على الدوام من نظرة الله لنا، وأن نتحرّك في خياراتنا من خلال الإصغاء إلى صوته، ونسير معاً، ككنيسة، بالطاعة له والإنفتاح على العالم”.

(المصدر ابونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى