البطريرك الراعي: المقاومة اللبنانيّة لا تقتصر على السلاح دفاعًا عن الوطن وشعبه
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي القداس السنوي لراحة أنفس “شهداء المقاومة اللبنانيّة”، الذي أقامته “رابطة سيدة ايليج”، في المقر البطريركي في كنيسة سيدة ايليج، بمشاركة عدد من الأساقفة والكهنة، وحضور لفيف من الشخصيات السياسيّة وأهالي الشهداء وحشد من المؤمنين.
وأوضح غبطته أنّ “شهداء المقاومة اللبنانيّة الذين نذكرهم اليوم، واستشهدوا في سبيل لبنان فحفظوه وحموه من الزوال يقولون لنا اليوم في ظرفنا العصيب والشديد الخطورة: ’لم أنتم خائفون هكذا؟ أين إيمانكم؟‘ ويدعون الجميع للتشدّد في الإيمان، ولتوحيد المقاومة اللبنانيّة حفاظًا على لبنان الواحد ولحمايته من أي تعدٍّ خارجيّ، ولبناء وحدة شعبه ومكوّناته المتعدّدة”.
واعتبر البطريرك الراعي أنّ المقاومة اللبنانيّة “لا تقتصر على السلاح دفاعًا عن الوطن وشعبه، بل تشمل بنوع خاص الصمود في الوحدة الداخليّة، وفي الولاء الكلّي للبنان-الوطن، وفي التحلّي بالأخلاقيّة والقيم، وفي المحافظة على ميزات دولة لبنان، وفي تعزيز رسالته ونموذجيّته”.
وتحدّث عن مسيرة البطاركة عبر التاريخ في الدفاع عن لبنان وشعبه، والصمود في وجه الصعاب، فذكر البطريرك دانيال الحدشيتي الذي تصدّى للمماليك سنة 1300، والبطريرك جبرائيل بن حجولا الذي استشهد حرقًا في النار في ساحة طرابلس، في عهد المماليك المظلم والظالم.
وذكر البطاركة موسى العكاري الذي بدأت معه مسيرة التطلّع إلى الإستتقلال الكامل. وتلاه في النهج نفسه البطاركة الثلاثة من آل الرزي. وجاء البطريركان يوحنّا مخلوف وجرجس عميره وتعاونًا مع الأمير فخر الدين الثاني الكبير على توحيد البلاد وتحقيق الإستقلال النسبيّ، مع السعي إلى الإستقلال النهائيّ عند نضوج الظروف الدوليّة. كما عاونا الأمير في انفتاحه على الغرب عبر إيطاليا.
وكان المكرّم البطريرك الكبير إسطفان الدويهي الذي رسم خريطة الطريق إلى الإستقلال ماديًّا وروحيًّا وتاريخيًّا، وإلى بناء الدولة العتيدة. لقد كان دوره محوريًّا في مسيرة الموارنة بخاصّة واللبنانيّين بعامّة. وخلفه البطريرك يوسف إسطفان الذي فتح في عين ورقة تاريخ التربية في لبنان، كما فتح أسلافه تاريخ إستقلاله. وقد لُقّبت عين ورقة “بأمّ المعاهد في لبنان”، لما أدّت من دور في الحقول الثلاثة: الديني والوطني والثقافيّ.
وجاء البطريرك يوسف ضرغام الخازن الذي في عهده التأم المجمع اللبناني الشهير في دير سيدة اللويزة في زوق مصبح 1736 الذي نظم أوضاع الكنيسة المارونيّة في كل جوانبها فظل مرجعها الدائم. ثمّ جاء البطريرك يوسف حبيش فامتاز بحسٍّ عالٍ من المسؤوليّة في الأمور الكنسيّة التنظيميّة والروحيّة، وفي الشؤون التربويّة الإجتماعيّة، وفي المجالات السياسيّة والوطنيّة. وخَلفه البطريرك بولس مسعد صاحب الدورين الكنسيّ والوطنيّ. وكان دوره المتّصف بالحكمة والصبر تجاه ثورة الفلّاحين وحركة يوسف بك كرم والحرب الأهليّة سنة 1860 التي تبعها إقرار نظام لبنان الأساسيّ.
وجاء أخيرًا البطريرك الياس الحويّك الملقّب بـ”عرّاب لبنان الكبير” الذي له الفضل في إعادة الأقضية الأربعة والمدن الساحليّة التي كان قد سلخها عنه الحكم العثمانيّ. وتميّز بدعوته الدائمة إلى العيش المشترك بين جميع اللبنانيّين، وتعزيز انفتاح الموارنة على محيطهم العربيّ، وباهتمامه بالموارنة المنتشرين في العالم، وعُرف بنداءاته العديدة للتضامن الإجتماعيّ ومقاومة أخطار الحرب العالميّة الأولى والمجاعة. وهكذا وضع الأساس لفلسفة لبنان السياسيّة بقوله الانتماء الى لبنان يكون بالمواطنة لا عبر الدين، وهكذا فصل بين الدين والدولة منذ العام 1920.
وأكد غبطته على أنّ “كلّ البطاركة الذين توالوا على كرسيّ أنطاكية وسائر المشرق بعد البطريرك المكرّم الياس الحويّك إلى اليوم، واصلوا السهر على حماية لبنان في جوهر كيانه ودعوته التاريخيّة ورسالته، وباتوا لشعب لبنان علامة رجاء وصمود، وبيت ملاذ”.
من هذا المنطلق، قال البطريرك الراعي: “نحن نواصل رفع صوتهم من أجل قيام دولة لبنان على أسسها الدستوريّة والميثاقيّة، المؤهلة لتأمين خير جميع اللبنانيّين وكلّ لبنانّي. واليوم نرفع معكم الصوت عاليًا مطالبين تشكيل حكومة جديدة قادرة، وبانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل نهاية عهد فخامة الرئيس أي قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل المقبل، يكون رئيسًا متمكّنًا من كلّ المواصفات التي يجمع عليها كلّ اللبنانيّين. ونطالب بحماية القضاء من كلّ تسييس أو مساومة او ارتهانٍ للناقذين ومن أيّ قرار يمسّ بمبادئه الجوهريّة، ونصب أعيننا حماية التحقيق العدليّ في جريمة تفجير المرفأ. هذه الحرية الكبرى في التاريخ”.
(المصدر ابونا)