روحانيات مسيحـية

كلنا نبحث عن ملكوت مبني على القوة لنشعر بأننا في أمان.. رسالة المطران حنا جلوف لعيد الميلاد المجيد 2023

من النائب الرسولي إلى الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين وأبناء أبرشية اللاتين في سوريا؛ إنها رسالتي الأولى إليكم بعد أن تسلمت مهامي الأسقفية بعد اختياري من الرب يسوع لأكون خادمًا للكلمة، ولكي أقود قطيع الرب إلى المراعي الخصبة، لقد اخترت شعار خدمتي الأسقفية كالآتي: الصليب المقدس الذي يعلو كل شيء، هو درب الخلاص وخشبة النجاة ورمز افتخارنا، إشارة إلى الكرامة الأسقفية، في أعلى اليمين شعار رهبنة الأخوة الأصاغر الفرنسيسكانية التي أنتمي إليها، حيث نرى ذراعي السيد المسيح والقديس فرنسيس المتقاطعين أمام الصليب، في إشارة واضحة إلى الدعوة الفرنسيسكانية، وفي أعلى اليسار صليب أورشليم الكوني المخمَّس رمز حراسة الأراضي المقدسة الذي يرمز إلى جراح المسيح الخمسة.

في يمين الجزء السفلي من الدرع، رسم للخارطة الجغرافية لسورية، حيث ولدت وترعرعت وأكرمني الرب بأن جعلني أسقفا عليها، وفي وسط الشعار، حمامة تحمل غصن الزيتون رمزا للسلام الذي أرجوه لهذا البلد المتألم من حرب طاحنة ما زال يعاني من آثارها، والى اليسار شجرة زيتون، ترمز إلى محافظة إدلب الخضراء التي انحدر منها كي تذكرني بأن أصلي من أجل أهلنا هناك، لينعموا، هم أيضاً، بالأمن والسلام والاستقرار. وعند تقاطع الدرع، تم إدراج الشعار المريمي مع تاج مخصص للسيدة العذراء، أمي وأم الكنيسة، التي وضعت خدمتي الأسقفية تحت حمايتها. وتحت الشعار وضعت شعار أسقفيتي: “أنا بينكم كالذي يخدم” ليكون الرب قدوتي في المحبة والخدمة.

واليوم بمناسبة الأعياد الميلادية المجيدة، أدعو أبنائي المؤمنين إلى شحذ الهمم ونفض غبار الرتابة عن الإيمان، ليتسنى للذين أثقلتهم ظروف الحياة الصعبة أن يحافظوا على اتزانهم النفسي والعاطفي حيال تفاقم الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي تجلت عواقبه من خلال غلاء الأسعار وشبح العنف والفقر الذي أثقل كاهل المجتمع السوري، جل ما أخشاه في هذه الأيام المباركة أن يفرغ عيد الميلاد من معناه، فيتحول اهتمامنا بالميلاد من صاحب العيد إلى شجرة ومغارة ولباس جديد. فالميلاد أكبر من مجرد ذكرى، انه تحقيق لوعد الله بالخلاص لشعبه. فالميلاد هو دعوة لنا إلى اتباع نهج جديد في الحياة حتى وإن كان عكس التيار، لطالما حلم الصغير أن يكبر، والضعيف أن يقوى، والفقير أن يغتني، فتلك سمة الحياة البشرية؛ فالصراع مستمر فينا وبيننا وحولنا، وهيرودس العصر يذكي الحرب كل يوم وتحت كل سماء، والكل بدوره يصارع ليصبح أكبر ليحتل مساحة أكبر، مدافعا عن مواقع وعن حدود احتلها، مع الأسف، هذا هو التاريخ في هذه الأيام، كلنا نبحث عن ملكوت مبني على القوة، لنشعر بأننا في أمان، بينما الميلاد يقدم لنا مولوداً جديداً أعزل بلا حماية، يقول لنا أنه يجب أن نتحلى بالتواضع بدل الكبرياء وبالمحبة بدل التسلط وبالعطاء بدل الجشع، حينها نكون في الميلاد.

اليوم نحن أمام قوى تتصارع، ونحن ضحية استراتيجيات أكبر منا، لكن الميلاد يظهر لنا عمل الله، ويبين لنا من نحن وماذا يجب أن نكون كمسيحيين، يجب أن نكون علامة متواضعة لقدرة المحبة وبداية سلام وحقيقة. في الميلاد نقدر أن نقول مع بولس: عندما أكون ضعيفاً أكون قوياً، عندما أكون صغيراً إذ ذاك أكون كبيراً، عندما أكون فقيراً إذ ذاك أكون غنياً على مثال كلمة الله الذي افتقر من أجلنا وهو الغني، إننا أقوياء بذاك الذي قوانا، الذي انحدر من الأعالي ليتخذ جسداً ويصير واحداً مثلنا، أراد أن يولد فقيراً في مذود كي يقول لنا بأن الحياة ليست فقط بالمادة والمال وإنما بالبذل والعطاء والإخلاص للأُسس التي تربينا عليها، أتمنى للجميع سنة مباركة وأعيادًا مجيدة.

(أبونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى