
نحتفل اليوم بأحد الشعانين، والذي يحمل فيه المؤمنون أغصان الزيتون وسعف النخيل رمز الانتصار الذي حمله أطفال أورشليم القدس عندما دخل يسوع إلى هذه المدينة وغزا بالجحش والأطفال والمجتمعين حوله هذه المدينة الشديدة الخصوصية والصارمة دينياً والمحتلة من الجيش الروماني، يحكمها قائدهم بيلاطس البنطي الذي وافق على صلب يسوع المسيح إرضاءً لليهود وتخلصاً من ضغطهم وتهديدهم له.
أحد الشعانين هو بوابة أسبوع الألآم الذي هو قمة حياة يسوع: ها هو يصعد نحو أورشليم لتتميم الكتب، ونحن معه، لكي يُصلب على العرش الذي منه سيجذب إليه الجميع (يو 14). ويحكي لنا القديس مرقس (10: 46) أن منذ خروج يسوع من أريحا، كان مع التلاميذ وجمعٌ كثير. وأخذتهم الحماسة عندما اقتربوا من أورشليم، فبسط كثير من الناس أرديتهم على الطريق ورتلوا هذه الترتيلة القديمة من المزمور المسياني 118 “هوشعنا، مبارك الاتي باسم الرب”، “هوشعنا لابن داوود مبارك الآتي باسم الرب”. هذه الترتيلة الفرحة التي نجدها في أناجيل العهد الجديد هي صراخ يبارك فيه الإنسان الرب وتُعبر عن إيمان بأن يسوع هو الله الذي افتقد شعبه وأن المسيا أخيراً جاء.
ركوب الحمار وإلقاء الملابس أمام يسوع لها تقليدها في إسرائيل (2 ملوك 9: 13) فما فعلوه التلاميذ والجموع والمتحمسون له هي “تجليس” للملك في التقليد الملوكي الداودي ورجاء مسيحاني مع كلمات من مزمور 118، صلاة الحجاج: هوشعنا. مبارك الذي يأتي باسم الرب مبارك المملكة الآتية، مملكة داود” هوشعنا في الأعالي (مر 11: 9)، (مز 118: 25).
ماذا يوحي لنا هذا النشيد؟
يوحي لنا بفكرتين: الأولى أن ننظر إلى الإنسانية كلها، على الثقافات والحضارات والأديان المختلفة نظرة بركة وحكمة ومحبة، نظرة ترى الجمال، نظرة الله على الإنسان والإنسانية على الخليقة، التي هي “عمل يديه” (تك 1: 27).
“لكنك يا رب ترحم الجميع لأنك قادرٌ على كل شيء تتغاضى عن خطايا الناس لتمهلهم حتى يتوبوا. وأنت يا رب تحب الوجود كله ولا تبغض شيئاً منه، وإلا لما كنت أوجدته” (حكمة 11: 23)
الفكرة الثانية: من هو الملك المنتظر؟ من هو يسوع الناصري؟ بالنسبة لنا ما هي الفكرة التي كوناها عن الله؟ هذا سؤال مركزي بالنسبة لإيماننا. نحن مدعوون أن نتبع ملِكنا الذي اختار الصليب كعرش. نحن نتبع مسيح لا يعدنا بسعادة أرضية سهلة، ولكن بفرح السماء. نحن علينا أن نتخذ قراراً، وهو أن نستقبل ملك الكل وأن نتبعه إلى المنتهى، إلى الصليب، لا إلى الجاه والمال والنفوذ، وأن نجعل من موته وقيامته معنى لحياتنا وإيماننا المسيحي هذا هو القرار الذي يقود إلى الحياة الحقة لنكون في فرح الرب (فيلبي 4: 4) فعلينا أن نكون فى حالة دائمة من التسبيح كما فعل الذين استقبلوا يسوع “هوشعنا” والشكر. فهذا هو أسبوع الشكر بامتياز. سيعطينا جسده ودمه حباً لنا وعلينا أن نتجاوب معه وان نبذل ذاتنا ونبذل وقتنا صلواتنا في شركة دائمة معه ومع الأخرين مثل الجموع الذين تبعوا يسوع يقول القديس أندراوس الكريتي: “لنصلي ونسجد أمام ملكنا الحقيقي”. الأراضي المقدسة أرض يسوع المسيح التي حملته تئن اليوم مع شعبها. فالدماء على الأغصان، ودماء الأطفال والنساء والمرضى في غزة والضفة الغربية. نرجو من ملك السلام أن يضفي سلاماً على أرض السلام لنرتل بفرح هوشعنا في الأعالي. مبارك ملك السلام.