
احتفل العالم الغربي الأسبوع الماضي بمرور 80 سنة على المحرقة النازية ضد اليهود وذلك في احتفال قاتم في معسكر أوشفيتز ببولندا الذي شهد المحرقة، بحضور عدد كبير من قادة العالم الغربي من ملوك ورؤساء وعلية القوم، من أمثال ملك إنجلترا، رغم مرضه، والرئيس الفرنسي ماكرون وغيرهم. وبينما هم يستمعون لشهادات حياة من بعض الناجين من المحرقة ويشعلون الشموع ويضعون أكاليل الزهور ويذرفون الدموع… وبينما هذا المشهد التراجيدي يُنقل على شاشات العالم، كان هناك مشهداً آخر أكثر تراجيديا، وهو مشهد الألوف المؤلفة من الشعب الفلسطيني الغزاوي الزاحف، وهو يسير على الشاطئ نحو شمال قطاع غزة، ليرجع إلى بيوته المهدومة والجثث المتناثرة في وسط الركام ويواجه حياة قاسية ومعيشة صعبة.
مشهدين لمأساتين: مشهد أوشفيتز ومشهد غزة، ولكن متناقضتين. فقد اتفق الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية ألا تتكرر المحرقة التي طالت اليهود وغير اليهود، ولكن يبدو أنها كانت أماني عاطفية، سرعان ما ذابت. فبعد مرور ثلاث سنوات من الحرب العالمية الثانية، احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية. وبعد 76 سنة أعادت ما هو أبشع من المحرقة، وهو ضرب وحرق وهدم للمدنيين الغزاويين العزل بأطفالهم ونساءهم وكهولهم وقتل 600 الف منهم وإصابة 150 ألف جريح بدون رحمة أو إنسانية.
والسؤال هو كيف لهذا الشعب الإسرائيلي الذي ذاق أبائه وأجداده ويلات المحرقة النازية يقوم بما هو أبشع؟ كيف يذرف الدموع على ماضيه، فيكرره في غيرهم في حاضرهم؟ كيف يستمر في تذكير العالم، خاصة الدول الغربية بالمحرقة ويحملونه ذنبها بشتى الطرق في الأدبيات والسينما والمسلسلات والمحاضرات العامة والخاصة ويتلاعب بالتاريخ، ويفعله في الفلسطينيين ما هو أبشع؟ وكيف أن العالم الغربي يتسابق في إبداء الحزن والذنب والتعزية جراء المحرقة، وفي ذات الوقت يظل صامتاً هزيلاً، بل مشجعاً لإبادة للشعب الفلسطيني؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات من أطباء نفسيين بجانب السياسيين والمؤرخين: فنحن نشهد ظلماً لا يستوعبه العقل، بل يفوق الإدراك، ومع ذلك، هناك من يريد أن يجهز تماماً على هذا الشعب بتفتيته وتهجيره وتوزيعه على دول العالم حتى لا يظل له أثراً. ولكننا في مصر، وبحكمة القيادة السياسية، نعي هذه المخططات الشيطانية ولن نسمح بها، فحضارتنا ستكون لهم بالمرصاد، وأخوّتنا للشعب الفلسطيني فوق كل المؤامرات.
لذلك كان الرفض الشعبي المصري لتلك المؤامرات جلياً أمام القاصي والداني، مساندين ومؤازرين ومصطفين خلف قيادتنا السياسية.