رغم نغم التشاؤم النشاز التي تُصدره لنا الأخبار العالمية وتتبعها أجهزة الإعلام عن سوء الأحوال الاقتصادية، وشحاحة الدولار، وغلاء المعيشة الذي أصبح لا يطاق، والحرب الروسية الأمريكية (الأوكرانية بالوكالة) والمجاعات، وسوء الأحوال الجوية وتردي سياسات المناخ في معظم دول العالم، في وسط كل هذا وغيره من أخبار يحتفل المصريون بعيد الميلاد المجيد المسمي حسب لغات الغرب الكريسماس، وعندما أقول المصريين، أعني المسلمين والمسيحيين معاً، فبجانب تهنئة المسلمين للمسيحيين بحلول عيد الميلاد. والذي يمتد من 25 ديسمبر إلى 7 يناير وتكرار عبارة “كل سنة وأنت طيب” وكلمات طيبة أخرى تنم عن محبة حقيقية بين الشعب المصري الواحد، شاهدنا مظاهر احتفالية غير معتادة، فلم يكن من المعتاد كثيراً أن نرى شجرة عيد الميلاد في الميادين العامة والمحال التجارية الصغيرة (بجانب المولات) وحتى في المنازل بجوارها مجسم لمغارة بيت لحم حيث ولد المسيح يسوع، ولم يكن من المعتاد أن تتزين الأبنية العادية بجوار الأبنية الأثرية احتفاء بهذه المناسبة، ولم يكن من المعتاد أن تطل بعض الفرق الموسيقية من شرفات العمارات ترتل وتغني أغاني الكريسماس العالمية والمعروفة للجميع، ولم يكن معتاداً أن يكون كل ذلك في الأحياء البسيطة كما في الأحياء الراقية، رغم غلو الديكورات هذا العام إلا أن الجميع ضحى ليفَرح ويُفرحَ.
ففي وسط الظلمة هناك اشتياق لدى المصريين للفرح والابتهاج وكيف لا وهم يعرفون ان العائلة المقدسة هجرت إلى مصر بعد الميلاد مباشرة ومكثت ثلاث سنوات ونيف، ومصر الدولة تهيء مسار العائلة المقدسة ليكون مسار حج للأجانب والمصريين الذين يريدون السير على خطى هذه العائلة المباركة.
وتكلل هذا الفرح بتهنئة الإمام الأكبر الدكتور الشيخ أحمد الطيب أمام جامع الأزهر الشريف بتهنئة أخوته البابا فرنسيس بابا روما والبابا تواضروس الثاني وجيستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري والبطريرك برتلماوس بطريرك القسطنطينية في الشرق والغرب ورؤساء الكنائس الأخرى بهذا العيد ليعطي مثلاً وقدوة صالحة لتعايش الأديان بين بعضها البعض داعياً ان يكون صوت الأخوة والسلام هو الأعلى بين البشر وهكذا يجب أن يكون. كما ينتظر المسيحيون بشغف زيارة السيد الرئيس السيسي للكاتدرائية المرقسية للتهنئة للعيد والذي يدخلها وسط الألحان الكنسية ليضيف لحناً متناغماً مفرحاً آخر في وسط الألحان المفرحة.
هذه الشواهد هي دليل أن هناك نمو إيجابي في التفكير المصري والمعايشة الاجتماعية بعد أن عشنا عصور من التحجر والانغلاق بين أبناء الوطن الواحد، هذه الشواهد مشجعة وتقول للعالم مصر أم الدنيا بحق لأن الجميع مهما كانت ديانته أو لونه أو جنسه أو طبقته الاجتماعية له نصيب فيها.