افتتاحية العدد

أسبوع الوحدة: بين الإيمان والعقيدة – الأب رفيق جريش

ستصلي الكنائس المصرية في الأسبوع المقبل بدءً من 17 فبراير من أجل وحدة المسيحيين. وهذا يجعلنا نتأمل بعمق في قانون الإيمان الذي تردده كل الكنائس كل يوم. ويقول المطران سليم بسترس في هذا الشأن إن قانون الإيمان هذا يدعى “قانون الإيمان النيقاوي – القسطنطيني”، وقد أقره المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية سنة 325 قبل عبارة “وبالروح القدس”، ثم أكمله المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381.

ومنذ تلك السنة، تعترف به جميع الكنائس في الشرق والغرب. وهو مؤلف من ستة أقسام: الأول يتعلق بالله الآب، “بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، كل ما يرى وما لا يرى”. الثاني الإيمان “برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد”، الثالث “بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد، الناطق بالأنبياء”. الرابع “بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية”. الخامس يعلن “الاعتراف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا”. السادس “يترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي.

تشكل هذه الأقسام الستة أساس الإيمان المسيحي، وهو مشترك بين كل الكنائس، ما يجعل من كل الكنائس “كنائس شقيقة”، حسب التعبير الذي أصبح متداولاً في الشرق والغرب، ويجعل من جميع المسيحيين إخوة وأخوات في الإيمان الواحد، التي من خلالها يصير كل مسيحي من أي كنيسة عضوا في جسد المسيح الواحد. ثم إن بنود الإيمان هذه ترد كلها تحت عنوان “من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد وصلب وقام”. ولا تهدف عقائد الإيمان إلى كشف سر الله الذي يبقى “غير مدرك” على العقل البشري، بقدر ما تهدف إلى منح الإنسان الخلاص. وأعني الاتحاد بحياة الله في هذا الدهر وفي الدهر الاتي. إذن جميع المسيحيين، مهما اختلفوا في أمور العقيدة، أي في محاولة التعبير بلغة بشرية عن السر الإلهي الذي لا يستطيع إدراكه أي عقل بشري، فهم متحدين بعضهم ببعض من خلال اتحادهم بحياة الله الآب الواحد والمسيح المخلص الواحد والروح القدس الواحد. وهذا الاتحاد بحياة الله الذي هو أمر مشترك بين مختلف الكنائس المنفصلة بعضها عن بعض، هو أساس وجود قديسين وشهداء في مختلف هذه الكنائس. فالقداسة واحدة والشهادة واحدة، أما الأمور التي تختلف فيها الكنائس بعضها عن بعض، فتبقى موضوع الحوار المسكوني وتشمل كل عقائد الإيمان واللاهوت وإدارة الكنيسة. لذا فإنه في هذا الحوار اللاهوتي بين الكنائس، أعتقد من الخطأ التركيز على الخلافات في التعبير عن عقائد الإيمان وإهمال ما هو مشترك بين المتحاورين. وكان مثلث الرحمات البابا بولس السادس ومن بعده البابوات، يرددون “ما يجمعنا هو أكثر بكثير مما يفرقنا”، أي الاتحاد بالله، وهو في النهاية ما تهدف إليه هذه العقائد.

ولا بد في هذا السياق من التذكير بالمبدأ الأساسي في تفسير العقائد، والذي يعود إلى القديس توما الأكويني الذي يقول “إن موضوع الإيمان بأي عقيدة إيمانية ليس التعبير عينه الذي ترد فيه العقيدة، بل ما يهدف إليه هذا التعبير. فالتعابير تبقى دوما محدودة وقاصرة، وقد تأتي العقيدة الواحدة في صيغ مختلفة. فلا ينبغي التوقف عند الصيغة وإهمال جوهر العقيدة. فنحن لا نؤمن بالصيغ اللاهوتية بل نؤمن بما تهدف إليه هذه الصيغ”.

لذلك يسعى الحوار اللاهوتي بنوع خاص إلى توضيح الجوهر الذي تهدف إليه الصيغ المختلفة، لاسيما أن الخلافات في التعابير عن سر الإيمان تعود معظمها إلى الاختلاف بين المتحاورين في الثقافة واللغة والمفاهيم الفلسفية التي كثيرا ما تكون وراء التعابير عن العقيدة. كما أن ثمة عوامل تاريخية متنوعة أسهمت في حدوث خلافات بين الكنائس.

ونقرأ في وثيقة أعدتها حلقة القديس إيريناوس الأرثوذكسية-الكاثوليكية: “إن البحث ضروري لنستطيع أن نقيم بشكل أفضل دور العوامل التاريخية والاجتماعية والثقافية في تطور علم اللاهوت، ولا سيما بالنظر إلى القضايا المسببة الانقسام. فالبحث المشترك والعرض التاريخي المشترك الناتج منه قادران على توفير إطار صالح لفهم مسائل لاهوتية خلافية”. وأخيرا، فإن المبدأ الأساسي في كل الحوارات يجب أن يكون ما قاله القديس أوغسطينوس: “في الأمور الجوهرية اتفاق، وفي الأمور الثانوية حرية، وفي كل شيء المحبة”.

فلنبحث إخوتي الأحباء عما هو مشترك، ونترك للاهوتيين المتخصصين البحث في الاختلافات، حتى لا تكون الكنائس وبعض قادتها سبباً لعثرة شعب الله، ويكون أسبوع الصلاة خاو من معناه الأصلي، وهو المحبة أولاً التي لا تسقط أبداً. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى