Uncategorized

نوبل وهيباكوشا – الأب رفيق جريش

إعلان جائزة نوبل للسلام لهذا العام جاء كذكرى لواقعة تاريخية مريرة هي عندما أسقطت الولايات المتحدة قنبلتها النووية الأولى على هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس عام 1945، لتقتل 80 ألف شخص بشكل فوري. وبعد مرور ثلاثة أيام. عاودت الكرة وأسقطت الطائرات الأمريكية القنبلة الذرية الثانية على نجازاكي، لتقتل حوالي 70 ألف شخص آخرين، وذلك لتركيع اليابان وجعلها تستسلم وبعد أن هددت القوى العظمى التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن أعداد ضحايا القنبلتين زادوا على مدى الأعوام التالية، إذ سقط عشرات الآلاف في المدينتين اليابانيتين ضحايا لآثار الإشعاع النووي الذي خلفه الاعتداءان وواصل خنق المدينتين.

ومن مفارقات السياسة، أنه في ذكرى إلقاء القنبلتين، لم يُدعى السفير الإسرائيلي لدي طوكيو، فقاطع سفيري الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الاحتفال، ربما تأكيداً على موافقتهما على مجازر غزة ولبنان التي تقوم بها إسرائيل، وكيف لا، إذا أن أمريكا هي ذاتها التي ألقت القنبلتين على اليابان وتسببت بكل هذه الإصابات؟

ومنحت لجنة جائزة نوبل جائزتها للسلام لعام 2024 إلى منظمة نيهون هيدانكيو اليابانية المعنية بتوثيق شهادات الناجين من القنبلتين النوويتين اللتين استهدفتا المدينتين اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية. وتعرف المنظمة الأهلية التي تعرف أيضا بمسمى “هيباكوشا” بنشاطها في مناهضة انتشار هذه الأسلحة النووية.

ومسمى “هيباكوشا” يعنى في اللغة اليابانية الأشخاص المتأثرين بالقنبلة، والذين من أجلهم تم تشكيل عدة مجموعات تجتمع منذ عام 1956 وتعمل سويا تحت مظلة المنظمة التي فازت بجائزة نوبل في السلام. وطوال عقود، عملت المنظمة على جمع شهادات ووثائق وصور، فضلا عن إرسالها وفود بشكل سنوي إلى اجتماعات الأمم المتحدة ومؤتمرات السلام حول العالم في مناهضة دائمة وتحذير من التسليح النووي.

وفي بيان إعلان الجائزة، مدحت اللجنة النرويجية المنظمة اليابانية لدورها الكبير في التأكيد، عبر الشهادات الحية، لضرورة عدم اللجوء للسلاح النووي مرة ثانية. ويستطرد البيان: يوما ما، لن يكون الناجون من هيروشيما وناجازاكي بيننا كشهود على التاريخ، ولكن مع حضور ثقافة قوية للتذكر واستمرار الالتزام، فإن الأجيال الشابة في اليابان ستواصل نقل خبرات الناجين ورسالتهم.

كما أشادت اللجنة بمساعدتها الدائمة في تكريس التابو النووي، والذي اعتبرته شرطا أساسيا لضمان مستقبل سالم للإنسانية. وذكرت اللجنة أن قرارها يعد احتفاء بحقيقة إيجابية، وهي أنه لم يتم استخدام أي أسلحة نووية في الحروب خلال الثمانية عقود الأخيرة، وأنه شددت أن منح جائزة هذا العام يأتي في وقت يخضع فيه التابو ضد استخدام الأسلحة النووية للضغوط، وذلك في إشارة إلى التلويح من جانب عدد من أطراف الصراعات حول العالم بإمكانية اللجوء إلى السلاح النووي.

وكان معهد إستكهولم قد أكد في تقديراته السنوية للحالة التسليحية للعالم أن الدول النووية التسع، وهي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، تواصل تحديث ترسانتها النووية، كذلك هناك أكثر من 12 ألف رأس نووي في أنحاء متفرقة من العالم، وقرابة عشرة آلاف رأس تقع ضمن الترسانات العسكرية، وهى معدة للاستخدام، وأن عددا من هذه القوى قامت بالفعل بنشر أنظمة تسليح، إما نووية أو مؤهلة لأن تكون نووية خلال عام 2023. وللأسف فإن هناك زيادة من عام إلى عام في عدد الرؤوس النووية الجاهزة للاستخدام.

ومن مفارقات القدر أيضا، أن السيد توشياكي ميماكي المسؤول عن منظمة هيباكوشا قال وهو يبكي، بعد إعلان منظمته كفائزة بجائزة نوبل، أنه توقع أن تأخذ غزة الجائزة، لما تحملته من دمار يشبه الدمار الذي لحق بالمدينتين هيروشيما ونجازكي منذ قرابة ثمانين عاماً. وهو موقف نبيل بكل المقاييس، ويرسل رسالة سلام لغزة وكأن لسان حاله يقول “نحن معكم ولوقف النار والسلام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى