Uncategorized

نهاية عزلة سورية من منظور الكرسي الرسولي

يرى الكرسي الرسولي أن وضع حد لعزلة سورية على الصعيد الدولي والعربي ضرورة ملحة، خصوصا في أعقاب الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد ونتائج الهزة الأرضية الأخيرة. وهي مسألة تطرق إليها السفير البابوي في سورية الكاردينال ماريو زيناري. كما أن النشاط الدبلوماسي الذي يقوم به الكرسي الرسولي يندرج حتما في إطار ثقافة التلاقي التي يتحدث عنها دوما البابا فرنسيس.

تعاني سورية من حرب دامية منذ أكثر من عقد، هذا بالإضافة إلى الفقر وقد جاءت الجائحة لتزيد من الأزمة في العام ٢٠٢٠، وكأن كل هذا لم يكن كافياً، فقد تعرض شمال غرب البلاد لزلزال مدمر في السادس من فبراير الماضي، ولم تسلم منه مدينة حلب، التي عانت الأمرين بسبب الحرب، وهي تُعتبر مركزاً هاماً بالنسبة للمسيحية في المنطقة.

هذه الكارثة الطبيعية جعلت من سورية مجددا محط اهتمام لدى الكثير من الدول، لاسيما جيرانها العرب وبنوع خاص المملكة العربية السعودية التي اتهمها نظام دمشق بدعم وتسليح الثوار السوريين. وكنتيجة مباشرة للأزمة الإنسانية التي تعاني منها سورية، قررت جامعة الدول العربية أن تضع حدا لعزلة هذا البلاد على الصعيد الإقليمي. فقد شارك الرئيس السوري بشار الأسد في قمة الجامعة العربية الأخيرة في جدة، في أيار مايو الفائت، بعد أن كانت الجامعة قد قررت تعليق عضوية سورية لاثنتي عشرة سنة خلت.

منذ سنوات يطالب الكرسي الرسولي، بالإضافة إلى كنائس الشرق الأوسط، بوضع حد للعزلة التي فُرضت على سورية. السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري تحدث عن الأوضاع الصعبة التي تواجهها البلاد، وقال إن سورية تشهد أخطر أزمة إنسانية سببها الإنسان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وندد نيافته بعدم اهتمام الجماعة الدولية بقضية السلام وبعملية إعادة الإعمار في سورية.

هذا ما قال نيافته في مؤتمر نظمه في دمشق مجمع الكنائس الشرقية وشهد مشاركة ممثلين عن المنظمات الإنسانية الكاثوليكية والكنائس المحلية. وفي ختام المؤتمر التقى المشاركون بالرئيس بشار الأسد الذي أشاد بنشاطهم، خصوصا وأنه موجه إلى جميع السوريين بغض النظر عن الانتماءات الدينية. مع العلم أن المعايير التي تتبعها هذه المنظمات الخيرية الكاثوليكية تندرج في سياق نشاط الكرسي الرسولي الذي يعتبر أن الحوار مهم دائماً وفي كل مكان.

وقبل شهر على بداية حبرية البابا فرنسيس قام البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بزيارة إلى دمشق، في فبراير ٢٠١٣، الأولى من نوعها لبطريرك ماروني منذ سبعين عاما، حيث شارك في احتفال تنصيب البطريرك الجديد لكنيسة أنطاكيا للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، وأظهر هذا الاحتفال وحدة بين قادة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية إزاء التطرف المتنامي في المنطقة. وخلال الأشهر الثمانية التالية لانتخابه حرص البابا فرنسيس على لقاء جميع بطاركة الكنائس التي تتبع الطقس الشرقي، وعبر عن قربه منهم ومن مواقفهم التي اختلفت عن المواقف الغربية التي كانت تدعم تغيير النظام.

قرار جامعة الدول العربية بشأن عودة سورية مجددا إلى حضنها في أعقاب الزلزال المدمر الأخير يعكس المبادئ التي تتبعها الدبلوماسية الفاتيكانية. فقد بدأت هذه المسيرة بمشاورات شخصية مباشرة. وهذا الموضوع يوليه البابا فرنسيس أهمية كبيرة إذ يتحدث دائماً عن أهمية اللقاء بين الأشخاص، وجهاً لوجه، لأن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تغيير القلوب ووجهات النظر. والمعروف عن الحبر الأعظم أنه ما فتئ يسلط الضوء على ثقافة التلاقي وحاجتنا الماسة إليها اليوم. وهو يؤكد أن ثقافة التلاقي هي عبارة عن لقاءات بين أشخاص واقعيين، وهي برنامج عمل، وليست نظرية مجردة.

إن عملية إنهاء العزلة تحققت خطوة تلو الأخرى. فقد تعاونت البلدان مع بعضها البعض من أجل التوصل إلى نتائج ملموسة، وهو أمر يزيد من حجم الثقة المتبادلة. ومما لا شك فيه أن التحول الذي شهدته العلاقات بين الخصمين الإقليميين، المملكة العربية السعودية وإيران في العاشر من مارس الماضي، أعطى دفعاً قوياً لعملية عودة سورية إلى حضن جامعة الدول العربية، مع العلم أن الخصومة التي كانت قائمة بين طهران والرياض ساهمت في تأجيج عدد من الصراعات الإقليمية، لاسيما في سورية ولبنان واليمن.

كما أن تطبيع علاقات الدول العربية مع سورية يعكس مبدأ الدعم والمساعدة، وفكرة أن المشاكل السياسية ينبغي أن تُحل على المستوى المحلي والإقليمي من خلال إشراك مختلف الأطراف المعنية بتلك المشاكل. مبدأ الدعم والمساعدة هذا سبق أن تحدث عنه البابا فرنسيس في إحدى مقابلاته العامة، قائلا إنه يسمح لكل شخص بالقيام بدوره وبالاهتمام بالمجتمع وبتحديد مصير هذا المجتمع الذي يعيش فيه.

(المصدر راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى