Uncategorized

ملف الزيارة الرسولية إلى منغوليا.. لقاء البابا مع الأساقفة والكهنة والمرسلين في كاتدرائية أولانباتار

بعد لقائه مع السلطات المدنية وأعضاء السلك الدبلوماسي توجه البابا فرنسيس عصر السبت إلى كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في أولانباتار، حيث كان له لقاء مع الأساقفة والكهنة والمرسلين والمكرسين والمكرسات والعاملين الرعويين ووجه لهم خطابا أكد فيه أن يسوع هو يسوع هو الخبر السار الموجَّه إلى جميع الشعوب، هو النبأ الذي لا يمكن للكنيسة أن تتوقف عن نشره.

استهل البابا كلمته متوقفا عند الآية التاسعة من المرموز الرابع والثلاثين “ذُوقُوا وَانظُرُوا مَا أَطيَبَ الرَّبَّ”، وقال إن فرح الرّبّ وصلاحه ليسا شيئًا عابرًا، بل يظلَّان في الداخل، ويعطيان معنى وطعمًا للحياة، ويُظهِران الأشياء بطريقة جديدة. أريد إذًا أن أتذوَّق طعم الإيمان في هذه الأرض، بالتّذكير بقصص ووجوه وحياة بُذِلَتْ هنا من أجل الإنجيل، بَذلُ الحياة من أجل الإنجيل: إنّه تعريف جميل لدعوة المــُرسَلين المسيحيّين، ولا سيّما الحياة التي يعيشها المسيحيّون هنا.

وذكّر البابا هنا بالأسقف وينشسلاوس سيلجا باديلا، قائلا إنه كان أوّل مدبر رسوليّ، ورائد المرحلة المعاصرة للكنيسة في منغوليا وهو باني هذه الكاتدرائيّة. ومع ذلك، فإنّ الإيمان هنا لا يعود فقط إلى التّسعينيات من القرن الماضي، بل له جذور قديمة جدًّا، هناك خبرات الألفيّة الأولى، التي بدأت بالحركة التّبشيرية للكنيسة ذات التّقليد السّرياني التي انتشرت على طول طريق الحرير، ثمّ أعقبها جهد إرسالي كبير.

بعدها أكد البابا أن حب الإنجيل عاد إلى الظّهور من جديد بطريقة خارقة في عام 1992، مع وصول المرسلين الأوائل من جمعية قلب مريم الطّاهر، ثمّ انضمّ إليهم ممثّلون لمؤسّسات أخرى، من الإكليروس الأبرشي والمتطوعين العلمانيّين. وقال: بين جميع هؤلاء، أريد أن أذكر العامل النّشيط والغيور، الأب ستيفانو كيم سيونغ هيون. ونذكر خدَّامًا أمناء كثيرين للإنجيل في منغوليا، وبعضهم معنا هنا الآن، وبعد أن قضوا حياتهم من أجل المسيح، يرون الآن ويتذوَّقون أعاجيب الله المستمرّة والعاملة فيكم ومن خلالكم.

هذا ثم تساءل البابا قائلا: لماذا تقضون الحياة من أجل الإنجيل؟ من أجل ما يقوله المزمور الرابع والثلاثون، لأنكم تذوَّقْتُم وأحسَسْتُم رائحة الرّبّ الطّيبة، واختبرتم في حياتكم حنان محبّة الله. الله الذي جعل نفسه مرئيًا وملموسًا والذي نلاقيه في يسوع. نَعَم، هو الخبر السّارّ الموجَّه إلى جميع الشّعوب، هو النّبأ الذي لا يمكن للكنيسة أن تتوقَّف عن نشره، والذي تجسِّدُه في الحياة وتهمسه في قلب الأفراد والثّقافات، اختبار محبّة الله في المسيح هو النّور النّقي الذي يبدِّل الوجه ويجعله هو أيضًا مُشِعًّا بالنّور، ولفت فرنسيس إلى أن الحياة المسيحيّة تولد من التّأمل في هذا الوجه. إنّها مسألة حبّ، ولقاء يومي مع الرّبّ في الكلمة وفي خبز الحياة، وفي وجه الآخر، وفي المحتاجين، الذين يكون يسوع حاضرًا فيهم.

تابع البابا خطابه متوجها إلى الحاضرين وقال: بحضوركم مدّة ثلاثين سنة في منغوليا، أنتم، أيّها الكهنة الأعزاء، والمكرّسون والعاملون الرّعويّون، قمتم بنشاطات كثيرة مختلفة في مجال أعمال المحبّة، التي تستنفد معظم طاقاتكم وتعكس وجه المسيح الصّالح، والسّامري الرّحيم. إنّه مثل بطاقتكم الشّخصيّة، التي جعلتكم محترمين ومقدَّرِين، بسبب الإحسانات الكثيرة التي صنعتموها لكثير من الناس في مختلف المجالات: المساعدة الاجتماعيّة، والتّربية، والرّعايّة الصّحية وتعزيز الثّقافة، أشجعكم للاستمرار في هذا الطّريق الخصب والمفيد للشّعب المنغولي الحبيب.

وفي الوقت نفسه، مضى البابا يقول، أدعوكم إلى أن تذوقوا وتنظروا الرّبّ، وأن تعودوا دائمًا ومن جديد إلى تلك النّظرة الأولى التي وُلِدَ منها كلّ شيء، بدون هذه النّظرة، تضعف القِوى، ويوشك الالتزام الرّعوي أن يصير تقديم خدمات عقيم، وسلسلة من الإجراءات الواجبة التي تنتهي في نهاية المطاف بأنّها لا تعطي شيئًا إلّا التّعب والإحباط، أمّا إن بقينا على اتصال بوجه المسيح، والبحث في الكتاب المقدس والتّأمل فيه في سجود وصمت أمام بيت القربان، سوف تتعرفون عليه في وجوه الذين تخدمونهم، وستشعرون بالفرح الحميم والذي يملأ قلوبكم بالسّلام حتّى في الأوقات الصّعبة، هذا ما نحتاج إليه، لا إلى أشخاص منشغلين ومشتتين ينفِّذون المشاريع، ويوشكون أحيانًا أن يشعروا بالمرارة لحياة ليست سهلة بالتّأكيد، يجب أن نعود إلى الينبوع، إلى وجه يسوع، وأن نتذوَّق حضوره: إنّه كنزنا، واللؤلؤة الثّمينة التي تستحق أن نبيع كلّ شيء من أجلها.

توقف البابا بعدها عند كلمة “شركة” وقال إن الكنيسة لا تُفهم على أساس أنّها هيئة لها أداء وظيفي، والأسقف يقوم بإدارة مكوِّناتها المختلفة، بناءً على مبدأ الأكثريّة، بل يديرها وفقًا لمبدأ روحي، به يكون يسوع نفسه حاضرًا في شخص الأسقف، حتّى يضمن الشّركة في جسده السّرّي. ومن المهمّ أن تتحدّ جميع المكوِّنات الكنسية حول الأسقف الذي يمثّل المسيح الحيّ وسط شعبه، وكذلك تُبنَى الشّركة السّينوديّة التي هي بالفعل إعلان، وتساعد كثيرًا على غرس الإيمان.

ثم توجه البابا إلى المرسلين والمرسلات وقال لهم: ذوقوا وانظروا الموهبة التي هي أنتم، وجمال عطائكم أنفسكم عطاء كاملًا للمسيح الذي دعاكم لتشهدوا لحُبِّهِ الخاصّ هنا في منغوليا. استمروا في شهادتكم له، بتقوية الشّركة بينكم. اشهدوا ببساطة حياة قانعة، مقتدين بالمسيح، وكونوا دائمًا قريبين من النّاس، اعتنوا بهم شخصيًّا، وتعلَّموا لغتهم، احترموا وأحِبُّوا ثقافتهم، ولا تسمحوا لأنفسكم بالانجرار إلى البحث عن ضمانات دنيويّة، بل ظلُّوا ثابتين في الإنجيل، بحياة روحيّة وأخلاقيّة مستقيمة ومثالية.

ختاماً قال البابا: أنا معكم ومن كلّ قلبي أقول لكم: شكرًا. أشكركم على شهادتكم، شكرًا على حياتكم التي تقضونها من أجل الإنجيل. استمِرّوا على هذا النحو، ثابتين في الصّلاة، وخلَّاقين في المحبّة، راسخين في الشّركة، فرحين وودعاء في كلّ شيء ومع الجميع. ثم منح الحاضرين بركته الرسولية طالباً منهم أن يصلوا من أجله.

(راديو الفاتيكان)

البابا فرنسيس يشارك في لقاء مسكوني بين الأديان مع القادة الدينيين.. ويُبدي انبهاره بالمنازل التقليدية في منغوليا

شارك البابا فرنسيس في لقاء مسكوني وما بين الأديان مع جميع القادة الدينيين في منغوليا، وشدد البابا في كلمته قائلًا: أود أن أؤكد لكم أن الكنيسة الكاثوليكية مؤمنة إيمانًا راسخًا بالحوار المسكوني وما بين الأديان والثقافات، ويقوم إيمانها على الحوار الأبدي بين الله والبشرية إذ تجسّد في شخص يسوع المسيح، بالتواضع وبروح الخدمة التي حرّكت حياة المعلم، الذي جاء إلى العالم لا “ليُخدم، بل ليَخدم”، تقدم الكنيسة الكنز الذي نالته لكل شخص وثقافة، فيما تحافظ على موقف الانفتاح والإصغاء لما تقدمه التقاليد الدينية الأخرى، وإن الحوار لا يتناقض مع الإعلان، فهو لا يوحّد الاختلافات، بل يساعد على فهمها، ويحفظها في أصالتها، ويمكِّنها من مواجهة بعضها البعض من أجل إثراء صريح ومتبادل، وهكذا يمكننا أن نجد مجدّدًا في البشرية المباركة من السماء المفتاح لكي نسير على الأرض، نحن نملك أصلاً مشتركاً يمنح الجميع الكرامة عينها، ومسيرة مشتركة لا يمكننا أن نسيرها إلا معًا، فيما نقيم تحت السماء عينها التي تنيرنا وتغمرنا.

وعُقد اللقاء في أولانباتار، وقال البابا في كلمته: يمكننا أن نشبه البشرية، في شوقها الديني، إلى جماعة من الرُّحَّل الذين يسيرون على الأرض وأعينهم متجهة نحو السماء، ومن المهم في هذا الصدد ما قاله مؤمن جاء من بعيد عن منغوليا، فكتب أنه سافر إليها “ولم يكن يرى سوى السماء والأرض”، السماء الصافية والزرقاء، تعانق هنا الأرض الشاسعة والمهيبة، مستحضرة البعدين الأساسيين للحياة البشرية: البعد الأرضي، الذي يتكون من العلاقات مع الآخرين، والبعد السماوي، الذي يتكون من البحث عن الآخر، الذي يتخطانا. باختصار، تذكرنا منغوليا بضرورة أن ننظر جميعًا، حجاجًا ورحَّلاً، إلى الأعلى لكي نجد مسار المسيرة على الأرض.

واستكمل: حقيقة أن نكون معًا في المكان عينه هي رسالة بالفعل، لأن التقاليد الدينية، في أصالتها وتنوعها، تمثّل إمكانيات هائلة للخير في خدمة المجتمع، إذا اختار المسئولون عن الأمم درب اللقاء والحوار مع الآخرين، فسيساهمون بشكل حاسم في إنهاء الصراعات التي لا تزال تسبب الآلام للعديد من الشعوب.

أضاف البابا: من قدرتنا على الانسجام مع الحجاج الآخرين على الأرض، ومن قدرتنا على نشر الانسجام حيث نعيش، تقاس القيمة الاجتماعية لتديننا، في الواقع على كل حياة إنسانية، لا بل على كل ديانة، “أن تقيس نفسها” على أساس الإيثار: لا إيثارًا مجردًا، بل إيثارًا ملموسًا، يُترجم إلى بحث عن الآخر وتعاون سخي مع الآخر، لأن “الرجل الحكيم يفرح بالعطاء، وبهذا فقط يسعد”، تقول صلاة مستوحاة من القديس فرنسيس الأسيزي: “أعطني أن أضع الحبَ حيثُ البُغض، والمغفرةَ حيثُ الإساءَة، والاتفاق حيث الخلاف”، إنّ الإيثار يبني الانسجام وحيثما يوجد الانسجام يوجد التفاهم والرخاء والجمال. لا بل ربما يكون الانسجام هو المرادف الأكثر ملائمة للجمال، أما الانغلاق والفرض الأحادي الجانب والأصولية والقمع الإيديولوجي فيدمرون الأخوَّة ويغذون التوترات ويعرضون السلام للخطر، إنّ جمال الحياة هو ثمرة الانسجام: إنه جماعي، وينمو باللطف والإصغاء والتواضع، ويتنبّه له صاحب القلب النقي، لأن “الجمال الحقيقي، في نهاية المطاف، يكمن في نقاوة القلب”.

لدى آسيا الكثير لتقدمه في هذا الصدد، ومنغوليا، التي تقع في قلب هذه القارة، تحافظ على إرث عظيم من الحكمة التي ساعدت الأديان المنتشرة هنا في خلقها والتي أود أن أدعو الجميع لاكتشافها وتقديرها، وأكتفي بأن أذكر، دون أن أتعمَّق فيها، عشرة جوانب من هذا الإرث الحكيم؛ العلاقة الجيدة مع التقاليد، رغم إغراءات النزعة الاستهلاكية؛ احترام المسنين والأجداد – ما أحوجنا اليوم إلى تحالف أجيال بينهم وبين الشباب! ومن ثم العناية بالبيئة، بيتنا المشترك، وهي ضرورة آنيّة بقوّة، وكذلك: قيمة الصمت والحياة الداخلية، الترياق الروحي للعديد من أمراض عالم اليوم، وأيضًا حسٌّ سليم بالاعتدال؛ قيمة الضيافة؛ القدرة على مقاومة التعلق بالأشياء؛ والتضامن الذي يولد من ثقافة الروابط بين الأشخاص؛ تقدير البساطة، وأخيرًا، هناك نوع من البراغماتية الوجودية التي تسعى بإصرار إلى تحقيق خير الفرد والجماعة. إنها بعض عناصر إرث الحكمة الذي يمكن لهذا البلد أن يقدمه للعالم.

أما فيما يتعلّق بالوقائع البيتية، فقد تحدثت عن مدى انبهاري، خلال استعدادي لهذه الزيارة، بالمنازل التقليدية التي يكشف من خلالها الشعب المنغولي عن حكمة متجذرة في آلاف السنين من التاريخ، في الواقع، تشكل الـ Ger فسحة بشرية: تتم في داخلها حياة العائلة، إنها مكان للألفة واللقاء والحوار حيث، حتى عندما تكونون كثيرين، تعرفون كيف تفسحون المجال لشخص آخر. ومن ثم فهي نقطة مرجعية ملموسة، يمكن التعرف عليها بسهولة في المساحات الشاسعة من الأراضي المنغولية؛ إنها دافع رجاء للذين ضلوا طريقهم: إذا كان هناك Ger فهناك حياة. نجدها مفتوحة على الدوام ومستعدّة لاستقبال الصديق وإنما عابر السبيل أيضًا وحتى الغريب، لكي تقدموا له الشاي الساخن الذي يعيد إليه قواه في برد الشتاء أو الحليب المخمر البارد الذي ينعش في أيام الصيف الحارة، هذه هي أيضًا خبرة المرسلين الكاثوليك، القادمين من بلدان أخرى، والذين تمَّ استقبالهم هنا كحجاج وضيوف، ويدخلون بتحفُّظ هذا العالم الثقافي، لكي يقدموا شهادة متواضعة لإنجيل يسوع المسيح.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن البشرية المتصالحة والمزدهرة، التي كدعاة لديانات مختلفة نساهم في تعزيزها، تتمثل رمزيًا في هذا اللقاء معًا المتناغم المنفتح على المتعالي، والذي يجد فيه الالتزام لصالح العدالة والسلام الإلهام والأساس في العلاقة مع الإلهي، هنا مسؤوليتنا كبيرة، لاسيما في هذه الساعة من التاريخ، لأن سلوكنا مدعو لكي يؤكِّد في الأفعال على التعاليم التي نعلنها؛ ولا يمكنه أن يناقضها ليصبح سبب عثرة، فلا يخلطنَّ أحد إذن بين الإيمان والعنف، بين المقدس والفرض، بين المسار الديني والطائفية. لتمنحنا ذكرى الآلام التي تحملناها في الماضي – أفكر بشكل خاص في الجماعات البوذية – القوة لكي نحوِّل الجراح المظلمة إلى مصادر نور، وجهل العنف إلى حكمة حياة، والشر الذي يدمر إلى خير يبني، فليكن كذلك بالنسبة لنا، نحن التلاميذ المتحمسين لمعلمينا الروحيين والخدام الواعين لتعاليمهم، والمستعدين لتقديم جمالها للذين نرافقهم، كرفاق درب ودودين نعم، لأنه في المجتمعات التعددية التي تؤمن بالقيم الديمقراطية، مثل منغوليا، كل مؤسسة دينية، معترف بها من قبل السلطة المدنية، لديها الواجب وأولاً الحق في أن تقدّم ما هي عليه وما تؤمن به، في احترام ضمير الآخرين وبهدف تحقيق الخير الأكبر للجميع.

(راديو الفاتيكان)

البابا فرنسيس: وحده الحب هو الذي يروي عطشنا حقًا

في إطار زيارته الرسولية إلى منغوليا ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي في الـ Steppe Arena في أولانباتار وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها بكلمات المزمور صلينا: “عطشت إليك نفسي يا الله، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء”، هذا الابتهال الرائع يرافق مسيرة حياتنا، في وسط صحاري نحن مدعوون لكي نعبرها، وفي هذه الأرض القاحلة بالتحديد يبلغنا خبر سار: نحن لسنا وحدنا في مسيرتنا؛ وليس لجفافنا القدرة لأن يجعل حياتنا عقيمة إلى الأبد؛ وصرخة عطشنا لا تبقى غير مسموعة. لقد أرسل الله الآب ابنه لكي يعطينا الماء الحي ليروي نفوسنا. ويسوع – وقد سمعنا ذلك للتو في الإنجيل – يظهر لنا الدرب لكي نروي عطشنا: إنه درب الحب، الذي سار عليه حتى الصليب، والذي يدعونا إلى اتباعه باذلين عليه حياتنا لكي نجدها مجددًا جديدة.

تابع البابا فرنسيس يقول لنتوقف معًا عند هذين الجانبين: العطش الذي يسكننا والحب الذي يروي عطشنا. أولاً، نحن مدعوون إلى نعترف بالعطش الذي يسكننا، إن صاحب المزمور يصرخ إلى الله عطشه، لأن حياته تشبه الصحراء، وكلماته لها صدى خاص في أرض مثل منغوليا: أرض شاسعة، غنية بالتاريخ والثقافة، وإنما مطبوعة أيضًا بعزلة السهوب وصحاري قاحلة، لقد اعتاد الكثير منكم على جمال السير وتعبه، حركة تذكرنا بجانب أساسي من الروحانية البيبليّة، المتمثلة في شخصية إبراهيم، وبشكل عام، بشعب إسرائيل وبكل تلميذ للرب: في الواقع، نحن جميعًا “رُحَّل لله”، حجاج يبحثون عن السعادة، عابرو سبيل متعطشون للحب. وبالتالي فالصحراء التي يذكّر بها صاحب المزمور تشير إلى حياتنا: نحن تلك الأرض القاحلة العطشى إلى الماء الصافي، ماء يروي عطشنا في العمق؛ وقلبنا هو الذي يرغب في اكتشاف سر الفرح الحقيقي، الذي يمكنه أن يرافقنا ويعضدنا حتى في وسط الجفاف الوجودي. نعم، نحن نحمل في داخلنا عطشًا للسعادة لا يرتوي؛ نحن نبحث عن معنى ووجهة لحياتنا، ولدافع للنشاطات التي نقوم يوميًّا؛ ولاسيما، نحن متعطشون للحب، لأن الحب وحده هو الذي يرضينا حقًا، ويجعلنا نشعر بالرضا، ويفتحنا على الثقة، ويجعلنا نتذوق جمال الحياة. أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إنّ الإيمان المسيحي يجيب على هذا العطش؛ ويأخذه على محمل الجد؛ فلا يزيله، ولا يحاول تخفيفه بمسكنات أو بدائل، لأن في هذا العطش يكمن سرنا الكبير: هو يفتحنا على اللقاء مع الله الحي، إله المحبة الذي يأتي للقائنا لكي يجعلنا أبناءه وإخوة وأخوات فيما بيننا

أضاف الحبر الأعظم يقول وهكذا نأتي إلى الجانب الثاني: الحب الذي يروي عطشنا. هذا هو مضمون الإيمان المسيحي: الله، الذي هو محبة، أصبح قريبًا منك في ابنه يسوع، ويريد أن يشاركك حياتك، وتعبك، وأحلامك، وعطشك للسعادة. صحيح، أننا أحيانًا نشعر وكأننا أرض مهجورة، قاحلة وبلا ماء، ولكن صحيح أيضًا أن الله يعتني بنا ويقدم لنا الماء الصافي الذي يروي عطشنا، الماء الحي الذي وإذ يتدفق في داخلنا يجددنا ويحررنا من خطر الجفاف، هذا الماء، يمنحنا إياه يسوع وكما يقول القديس أوغسطينوس: “إذا رأينا أنفسنا في العطشان، فسوف نتعرف أيضًا على أنفسنا في الشخص الذي ارتوى”. في الواقع، إذا كنا غالبًا قد اختبرنا الصحراء والوحدة والتعب والعقم في حياتنا، إلا أنه لا يجب أن ننسى هذا: “لكي لا نضعف في هذه الصحراء – يضيف أوغسطينوس – يرشنا الله بندى كلمته” نعم، هو يجعلنا نشعر بالعطش ولكنه يأتي بعد ذلك لكي يرويه. لقد ترأف الله بنا وفتح لنا دربًا في الصحراء: ربنا يسوع المسيح. وأعطانا تعزية في الصحراء: الكارزين بكلمته. لقد قدم لنا الماء في الصحراء، وأفاض الروح القدس على الكارزين به، ليتكون فيهم ينبوع ماء يصل إلى الحياة الأبدية”.

تابع الأب الأقدس يقول هذه الكلمات، أيها الأصدقاء الأعزاء، تذكر بتاريخكم: في صحاري الحياة وفي تعب كونكم جماعة صغيرة، لا يترككم الرب تفتقرون إلى ماء كلمته، لاسيما من خلال الكارزين والمرسلين الذين وإذ مسحهم الروح القدس يزرعون جمالها. والكلمة تعيدنا دائمًا إلى جوهر الإيمان: فنسمح لله بأن يحبنا لكي نجعل من حياتنا تقدمة حب، لأن وحده الحب هو الذي يروي عطشنا حقًا. وهذا ما يقوله يسوع في إنجيل اليوم بلهجة قوية للرسول بطرس، فهو لا يقبل حقيقة أنه على يسوع أن يتألم، وأن يُتَّهمَ من قبل قادة الشعب، وأن يعبر في الآلام ويموت بعدها على الصليب. أبدى بطرس ردّة فعلٍ واحتجّ، وأراد أن يقنع يسوع بأنه مخطئ، لأنه وفقًا له – ونحن أيضًا كنا سنفكر بالطريقة عينها – لا يمكن أن ينتهي الأمر بالمسيح مهزومًا، ولا يمكنه مطلقًا أن يموت على صليب، مثل مجرم تركه الله. لكن الرب يوبِّخ بطرس لأن طريقة تفكيره هذه هي “بحسب العالم” وليس بحسب الله. فإذا اعتقدنا أن النجاح والقوة والأشياء المادية كافية لكي تروي عطش حياتنا، فهذه ذهنية دنيوية، لا تقود إلى أي شيء جيد، لا بل تتركنا أكثر جفافًا من ذي قبل. أما يسوع فيُظهر لنا الدرب: ” إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإن من أراد أن يُخلِّص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها”. أيها الإخوة والأخوات، إن الدرب الأفضل على الإطلاق هي هذه: أن نعانق صليب المسيح. في صميم المسيحية نجد هذا الخبر الصادم والرائع: عندما تفقد حياتك، وعندما تقدمها بسخاء، وعندما تخاطر بها من خلال إلزامها بالحب، وعندما تجعل منها عطية مجانية للآخرين، عندها تعود إليك بوفرة، وتسكب فيك فرحًا لا ينقضي، وسلام قلب، وقوة داخلية تعضدك.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول هذه هي الحقيقة التي يدعونا يسوع إلى اكتشافها، والتي يريد يسوع أن يكشفها لكم جميعًا، لأرض منغوليا هذه: لا نحتاج إلى أن تكون عظماء أو أغنياء أو أقوياء لكي نكون سعداء. وحده الحب يروي قلوبنا، وحده الحب يشفي جراحنا، وحده الحب يمنحنا الفرح الحقيقي. وهذا هو الدرب الذي علمنا إياه يسوع وفتحه لنا. لنصغِ نحن أيضًا إلى الكلمة التي قالها الرب لبطرس: “اذهب عني”، أي: كن تلميذًا لي، وسر في الطريق عينه الذي أسلكه، ولا تفكر بحسب العالم بعد اليوم. عندها، بنعمة المسيح والروح القدس، سنتمكن من أن نسير على درب الحب. حتى عندما يعني الحب أن ننكر ذواتنا، ونحارب الأنانية الشخصية والدنيوية، ونخاطر في عيش الأخوّة، لأنه إذا كان صحيحًا أن كل ذلك يكلِّف جهدًا وتضحية ويعني أحيانًا أن نُضطر أن نصعد على الصليب، فصحيح أكثر أنه عندما نخسر حياتنا في سبيل الإنجيل، سيمنحنا الرب إياها بوفرة، مملوءة بالحب والفرح، وللأبد.

(راديو الفاتيكان)

البابا فرنسيس: لنستمر في النمو معًا في الأخوَّة، مثل بذار سلام!

“سيروا قدمًا بوداعة وبدون خوف، شاعرين بقرب الكنيسة جمعاء وتشجيعها، ولا سيما بالنظرة الحنونة للرب، الذي لا ينسى أحدًا وينظر بمحبة إلى كل واحد من أبنائه”.. هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته في ختام القداس الإلهي الذي ترأسه في الـ “Steppe Arena” في أولانباتار.

وقال البابا في كلمته: لقد انطلقت في رحلة الحج هذه بانتظارات كبيرة، ورغبة في لقائكم والتعرف عليكم، والآن أشكر الله عليكم، لأنه من خلالكم هو يحب أن يصنع العظائم في الصغر. أشكركم، لأنكم مسيحيون صالحون ومواطنون صادقون، سيروا قدمًا بوداعة وبدون خوف، شاعرين بقرب الكنيسة جمعاء وتشجيعها، ولاسيما بالنظرة الحنونة للرب، الذي لا ينسى أحدًا وينظر بمحبة إلى كل واحد من أبنائه.

تابع البابا فرنسيس يقول أحيي الإخوة الأساقفة والكهنة والمكرسين والمكرسات وجميع الأصدقاء الذين أتوا إلى هنا من بلدان مختلفة، ولاسيما من مختلف مناطق القارة الآسيوية الشاسعة، التي يشرفني أن أكون فيها وأعانقها بمودة، أعرب عن امتنان خاص للذين يساعدون الكنيسة المحلية ويعضدونها روحيًا وماديًا.

أضاف الأب الأقدس يقول لقد ذكّرتمونا يا صاحب النيافة بأن كلمة “شكرًا” في اللغة المنغولية تأتي من الفعل “ابتهج”، وبالتالي يتطابق شكري مع هذه الرؤية الرائعة للغة المحلية، لأنّه مُفعم بالفرح، إنه شكر جزيل لك، أيها الشعب المنغولي، على عطيّة الصداقة التي نلتها في هذه الأيام، وعلى قدرتكم الحقيقية على تقدير حتى أبسط جوانب الحياة، وعلى الحفاظ على العلاقات والتقاليد بحكمة، وتعزيز الحياة اليومية برعاية واهتمام.

تابع الحبر الأعظم يقول القداس هو فعل شكر، “إفخارستيا”، والاحتفال به في هذه الأرض ذكّرني بصلاة الأب اليسوعي بيار تيار دو شاردان، التي رفعها إلى الله لمائة سنة خلت، في صحراء أوردوس، ليس بعيدًا عن هنا، وتقول: “أسجد يا رب، أمام حضورك في الكون الذي أصبح مُشتعلاً، وتحت شكل كل ما سألتقي به، وكل ما سيحدث لي، وكل ما سأحققه في هذا اليوم، أن أرغب فيك وأنتظرك”، لقد كان الأب تيار ملتزمًا في أبحاث جيولوجية، وكان يرغب بشدة في أن يحتفل بالقداس الإلهي، لكن لم يكن معه خبز ولا خمر. وهنا ألَّف “قداسه عن العالم”، معبرًا هكذا عن تقدمته: “اقبل يا رب هذا القربان الكامل الذي تقدمه لك الخليقة في الفجر الجديد، يحرّكها الانجذاب إليك”، كذلك ولدت فيه صلاة مماثلة عندما كان على الجبهة خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كان يعمل كحامل نقالة. كان هذا الكاهن، الذي أسيء فهمه في كثير من الأحيان، قد أدرك أن “الإفخارستيا يتم الاحتفال بها دائمًا، بمعنى ما، على مذبح العالم” وأنها “المركز الحيوي للكون، المركز الذي يفيض بالحب والحياة التي لا تنضب”، حتى في زمن مثل زمننا من التوترات والحروب، لنصلِّ اليوم إذًا بكلمات الأب تيار: “أيها الكلمة المتلألئة، والقوة المتقدة، يا من تصوغ المادة لكي تبعث فيها حياتك، انزل علينا، أتوسل إليك، يديك القديرتين، ويديك الحنونتين، ويديك الحاضرتين في كل مكان”.

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الإخوة والأخوات المنغوليين، شكرًا لكم على شهادتكم! ليبارككم الله. أنتم في قلبي وستبقون في قلبي. أذكروني من فضلكم في صلواتكم وأفكاركم.

(راديو الفاتيكان)

البابا فرنسيس يلتقي السلطات وممثلي المجتمع المدني وأعضاء السلك الدبلوماسي في منغوليا

عقب مراسم استقبال الأب الأقدس في منغوليا صباح اليوم السبت بالتوقيت المحلي التقى قداسة البابا فرنسيس السلطات وممثلي المجتمع المدني وأعضاء السلك الدبلوماسي في منغوليا وتطرق إلى ميزات هذا البلد وشعبه وما يمكنه أن يقدم من إسهام. كما وتوقف عند إسهام الجماعة الكاثوليكية في منغوليا.

في إطار زيارته الرسولية إلى منغوليا التقى البابا فرنسيس صباح السبت ٢ أيلول سبتمبر بالتوقيت المحلي ممثلي السلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي. وأعرب الأب الأقدس في بداية كلمته عن الشكر لرئيس البلاد على استقباله وعلى كلمة الترحيب كما ووجه تحية قلبية إلى الجميع. وتابع مشيرا إلى أنه يتشرف بالتواجد هنا ويسعده القيام بزيارة هذه الأرض الجذابة والواسعة وهذا الشعب الذي عرف جيدا معنى السير وقيمته. وواصل البابا مشيرا إلى أن هذا ما تبرزه البيوت التقليدية في هذا البلد المعروفة باسم غير (ger) أي تلك البيوت الجميلة القابلة للنقل، وأضاف أنه يتخيل دخوله للمرة الأولى باحترام وتأثر إحدى هذه الخيام الدائرية للقائكم والتعرف عليكم بشكل أفضل، قال قداسته، وتابع أنه ها هو في المدخل كحاج صداقة يرغب في الاغتناء إنسانيا.

تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن جمال تبادل الهدايا عند دخول بيت الأصدقاء، هدايا ترافقها كلمات تسترجع فرص اللقاء السابقة. وقال قداسته في هذا السياق إن العلاقات الدبلوماسية بين منغوليا والكرسي الرسولي وإن كانت حديثة، حيث يمر هذا العام ٣٠ سنة على توقيع رسالة لتعزيز العلاقات الثنائية، إلا أنه قبل ذلك، وتحديدا ٧٧٧ سنة مضت بين نهاية آب أغسطس وبداية أيلول سبتمبر من عام ١٢٤٦، قام الراهب الأب جوفاني دي بيان ديل كاربيني كموفد بابوي بزيارة الإمبراطور المنغولي الثالث جيوك وسلمه رسالة من البابا إينوشنسيوس الرابع، وتم بعد ذلك بقليل صياغة رسالة إجابة تُرجمت إلى لغات عديدة وخُتمت بختم الخان الأعظم بالحروف المنغولية التقليدية. وأضاف الأب الأقدس أن هذه الرسالة تُحفظ في المكتبة الفاتيكانية وأنه يشرفه أن يحمل اليوم نسخة طبق الأصل منها نُفذت باستخدام أكثر التقنيات تطورا لضمان أفضل جودة ممكنة. وأعرب قداسته عن الرجاء في أن تكون هذه علامة صداقة قديمة تنمو وتتجدد.

وعاد البابا فرنسيس إلى تلك البيوت المنغولية التقليدية فقال إنه عرف أن الأطفال في المناطق الريفية في هذا البلد كانوا يطلون من أبوابها ليَعدوا في الأفق البعيد رؤوس المواشي ليخبروا الوالدين بأعدادها. وتابع قداسته انه من المفيد لنا نحن أيضا أن نعانق بأنظارنا الأفق الواسع المحيط بنا متجاوزين النظرات الضيقة ومنفتحين على عقلية شاملة البعد. وتوقف البابا في حديثه عند المساحات الشاسعة في منغوليا والتي تبدو من الأعلى مثل زخارف مرهفة على قماش قديم ثمين، وأضاف أنها تعكس عظمة وجمال الكوكب بأسره والمدعو إلى أن يكون حديقة مضيافة. ثم تحدث عن حكمة شعب هذه الأرض التي تكونت عبر أجيال من المربين والمزارعين المتنبهين دائما إلى عدم إفساد التوازنات الحساسة للمنظومة البيئية، وقال إن هذه الحكمة يمكنها أن تُعلِّم الكثير لمن لا يريد الانغلاق في السعي إلى مصالح خاصة قصيرة النظر بل يتطلع إلى أن يسلِّم مَن سيخلفونه أرضا لا تزال مضيافة وخصبة. وأضاف الأب الأقدس أن الخليقة، والتي هي بالنسبة لنا نحن المسيحيين ثمرة تصميم الله الخيِّر، تساعدوننا أنتم على التعرف عليها وتعزيزها برقة بمكافحة تبعات ما يسبب الإنسان من تدمير، من خلال ثقافة رعاية وعناية تَظهر في سياسات إيكولوجية مسؤولة. وقال الأب الأقدس في هذا السياق أن تلك البيوت التقليدية الـ “غير” يمكن تعريفها اليوم بمساكن ذكية وخضراء لأنها تتميز بالمرونة وتعدد الوظائف وعدم تأثيرها على البيئة. وأضاف قداسته أن الرؤية الكلية للتقاليد الشامانية المنغولية واحترام كل كائن حي انطلاقا من الفلسفة البوذية يشكلان إسهاما مفيدا في الالتزام العاجل الذي لا يمكن تأجيله من أجل حماية كوكب الأرض.

وانطلاقا من تواجد البيوت التقليدية في منغوليا في كلٍّ من المناطق الريفية والحضرية تحدث البابا فرنسيس عن المزج الثمين بين التقاليد والحداثة، وقال إن هذه البيوت تجمع بين حياة المسنين والشباب وتشير إلى استمرارية الشعب المنغولي والذي عرف من القِدم وحتى الحاضر أن يحمي جذوره، وذلك مع انفتاحه، وخاصة خلال العقود الأخيرة، على التحديات العالمية الكبيرة للتنمية والديمقراطية. وتوقف الأب الأقدس عند منغوليا اليوم والتي، وبفضل شبكات علاقاتها الدبلوماسية الواسعة وانضمامها الفاعل إلى الأمم المتحدة والتزامها من أجل الحقوق الإنسانية والسلام، تكتسب دورا هاما في قلب القارة الآسيوية الكبيرة وفي المشهد الدولي. وأراد البابا تسليط الضوء أيضا على عزم منغوليا على إيقاف انتشار الأسلحة النووية وأن تكون بلدا خاليا من هذه الأسلحة، وتابع أن منغوليا ليست فقط بلدا ديمقراطيا لديه سياسة خارجية سلمية بل يمكنه أن يلعب دورا هاما من أجل السلام العالمي. كمل وأشار الأب الأقدس إلى أمر إيجابي آخر ألا وهو أن الحكم بالإعدام لم يعد له وجود في النظام القضائي في هذا البلد.

ومن البيوت التقليدية انطلق البابا فرنسيس مجددا ليشير إلى تكيفها مع الظروف المناخية القصوى ما يمَكن من العيش في أراضٍ متنوعة. وأشار البابا إلى الإمبراطورية المنغولية وتاريخها ثم عاد إلى الحاضر وتحدث عن سماء اليوم التي تغطيها غيوم الحرب الداكنة راجيا أن تزيح رغبةٌ قوية في أخوِّة عالمية هذه الغيوم، أخوَّة تُحّل فيها التوترات انطلاقا من اللقاء والحوار وتُضمن فيها للجميع الحقوق الأساسية، ودعا البابا إلى العمل معا من أجل بناء مستقبل سلام. وفي سياق الحديث عن السماء ذكَّر قداسته بمثل منغولي يقول: الغيوم تمر أما السماء فتبقى.

ثم واصل الأب الأقدس حديثه عن السماء مشيرا إلى أن مَن يدخل هذه البيوت التقليدية يرفع أنظاره إلى الأعلى حيث هناك نافذة، وقال قداسته إن التقاليد المنغولية يمكنها أن تساعدنا في إعادة اكتشاف هذا التصرف، أي إبقاء الأعين موجَّهة إلى الأعلى، وتابع البابا فرنسيس أن رفع الأعين إلى السماء يعني البقاء في حالة انفتاح مطيع على التعاليم الدينية. وتحدث في هذا السياق عن بعد روحي في نسيج الهوية الثقافية. ثم أشار إلى كون منغوليا رمزا للحرية الدينية وتوقف عند القيمة التي يمنحها هذا الشعب للصمت وللحياة الداخلية، كما وتحدث عن شعور الانبهار أمام أرض هذا البلد بظواهرها الطبيعية الكثيرة، شعور يدعو إلى التواضع والاعتدال واختيار ما هو أساسي والقدرة على الابتعاد عما هو غير أساسي. وتابع قداسته مشيرا بالتالي إلى النزعة الاستهلاكية لزمننا والتي وإلى جانب تسببها في الكثير من الظلم تقود إلى الفردانية ونسيان الآخرين والتقاليد الجيدة المتوارثة. وأضاف البابا أن الأديان حين تكون أمينة لإرثها الروحي الأصلي تصبح دعما يمكن الاعتماد عليه لبناء مجتمع صحي ينعم بالرخاء ويعمل فيه المؤمنون كي يكون التعايش المدني والتخطيط السياسي في خدمة الخير العام، كما ويمكن للأديان أن تكون أيضا حاجزا أمام خطر الفساد الذي هو تهديد لتنمية أية جماعة بشرية ومؤشر على نظرة تبتعد عن السماء وتهرب من آفاق الأخوّة، منغلقة على ذاتها وتضع مصالحها الخاصة قبل كل شيء.

هذا وتحدث البابا فرنسيس في كلمته أيضا عن احترام التقاليد الدينية الكثيرة في منغوليا وهو ما تشهد عليه أماكن العبادة العديدة المحفوظة في العاصمة القديمة، ومن بينها مكان عبادة مسيحي. كما وأشار البابا إلى بلوغ منغوليا حرية التعبير والحرية الدينية، وإلى تجاوز البلاد، بدون سفك دماء، إيديولوجية ملحدة كانت تعتقد أن بالإمكان القضاء على الحس الديني، وتحدث أيضا عن التناغم بين مؤمني ديانات عديدة في منغوليا. وواصل البابا فرنسيس أن الجماعة الكاثوليكية في منغوليا يسعدها من هذا المنطلق مواصلة تقديم إسهامها، وأضاف أن هذه الجماعة قد بدأت ثلاثين عاما مضت ممارسة إيمانها داخل بيت تقليدي “غير”، وحتى الكاتدرائية الحالية في العاصمة تُذكِّر بشكل هذه البيوت، وهذه علامة على رغبة الجماعة في التقاسم بروح خدمة مسؤولة وأخوية مع الشعب المنغولي، شعبها. وأعرب الأب الأقدس هنا عن سعادته لمشاركة الجماعة الكاثوليكية بحماسة ونشاط، رغم صغرها، في مسيرة نمو هذا البلد ناشرةً ثقافة التضامن واحترام الجميع والحوار بين الأديان، وناشطة من أجل العدالة والسلام والتوافق الاجتماعي. كما وأعرب البابا عن الرجاء في أن يستمر الكاثوليك المنغوليون، بفضل تشريعات بعيدة النظر متنبهة إلى الاحتياجات الملموسة وبمساعدة المكرسين والمكرسات، في أن يقدموا بدون مصاعب إسهامهم الإنساني والروحي لصالح شعب منغوليا، وأضاف الأب الأقدس أن المحادثات الحالية لصياغة اتفاق بين منغوليا والكرسي الرسولي تشكل قناة هامة لبلوغ الظروف الأساسية للقيام بالنشاطات الاعتيادية التي تقوم بها الكنيسة الكاثوليكية في هذا البلد. وأشار البابا هنا إلى الطقوس وأيضا إلى المبادرات الكثيرة لصالح التنمية البشرية المتكاملة والتي تشمل أيضا قطاعات التربية والصحة والخدمات والأبحاث والتعزيز الثقافي. وأضاف الأب الأقدس أن هذا يشهد لروح إنجيل يسوع الأخوية والتضامنية التي هي الطريق الذي يُدعى المسيحيون إلى السير عليه في المسيرة التي يتقاسمونها مع كل شعب.

وفي ختام كلمته قال البابا فرنسيس إن شعار هذه الزيارة “الرجاء معًا” يشير إلى الإمكانيات الناتجة عن السير معا في احترام متبادل وتعاون من أجل الخير العام. وأعرب الأب الأقدس عن ثقته في استعداد كاثوليك منغوليا للإسهام في بناء مجتمع مزدهر وآمن في حوار وتعاون مع جميع مكونات هذه الأرض التي تعانقها السماء.

(راديو الفاتيكان)

“فرنسيس” أول بابا يزور منغوليا في التاريخ

قال الكرسي الرسولي، إن البابا فرنسيس هو أول بابا في التاريخ يزور منغوليا، بعد أن هبطت طائرته في مطار جنكيز خان الدولي بالعاصمة أولان باتور.

وأضاف بيان فاتيكاني؛ أنه “كان في استقبال البابا لدى وصوله إلى المطار، وزير خارجية منغوليا باتمونخ باتسيتسيج”، وأنه “بعد تحية حرس الشرف والوفود الحاضرة، وصل قداسته برفقة وزير الخارجية إلى صالة كبار الشخصيات في المطار لإجراء محادثة قصيرة”.

وأشار البيان إلى أنه “في الختام، توجه البابا بالسيارة إلى مقر الممثلية الرسولية في أولان باتور، التي سيبقى فيها حتى الاثنين المقبل، وقد كان في استقباله هناك الموظفون والمؤمنون”. وأوضح أن “بيرغوليو وصل إلى منغوليا باعتباره أخ للجميع، لهذه الدولة ذات الأغلبية البوذية (يمثل الكاثوليك فيها قطيعاً صغيراً من 1500 شخص) والتي تقع بين روسيا والصين”.

وذكّر بيان الكرسي الرسولي، بأن شعار الرحلة هو “دعونا نأمل معاً”، وأنه “سيتم تفعيل جدول أعمال البابا اعتباراً من يوم غد، إذ لا توجد التزامات أخرى مقررة اليوم للسماح له بالتعافي من فارق التوقيت”، واختتم بالقول؛ إن “هذه هي الرحلة الدولية الثالثة والأربعين للبابا”.

(وكالة آكي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى