Uncategorized

كونوا رحماء.. الأب رفيق جريش

كم مرة نعيد يارب ارحم في القداس وصلواتنا؟ كثيرًا، ولكن لماذا؟ لكي يذكرنا بهذه الكلمة “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم” (لو6: 36 )، هذا التكرار الذي نطلب فيه رحمة الله لنا هو لكي يذكرنا نحن أيضًا أن نكون رحماء مع الآخرين، وكيف نكون رحماء ونحن نُدين الأخرين ونحكم عليهم وننم عليهم؟ ولذلك نحن أمام نص في منتهي الصعوبة في تطبيقه لأن الطبيعة البشرية تعرف الحقد والغيرة والإدانة  والأنانية.. إلى آخره.

النص في ذاته يكلمنا عن المحبة ولكن أيضًا تطبيق هذه المحبة في حياتنا تكون بالرحمة، إذًا المحبة التي لا تترجم إلى عمل فعلاً ورحمة للآخرين تكون هذه المحبة أو الحب باطل.

يقول المفكر الكبيرPaul Valery  إن “الإنسان عرف الحب منذ بدء الخليقة ولكن بعد المسيح ارتبط  الحب بالله”، لأنها المحبة الباذلة، لأن المحبة التي علمها لنا المسيح هي المحبة التي تأخذ طابع الله، المحبة الباذلة حتى الصليب، وليس طابع البشر، المحبة لا تُدين ولا تحكم، المحبة تُعطي ولا تأخذ، المحبة تغفر وترحم، ولكن المحبة فعل وفعل المحبة هو الرحمة  “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم” (لو6: 36).

كلمة رحمة تعبير عبري “رحميم”  تأتي من كلمة رحم، أي رحم الأم، والرحم هو الذي يحمل ويتحنن ويُطعم ويدفئ ويُعطي الحياة، دائما نتذكر أن الله أب، ولكن الله أم، ويقول: “كمن تعزيه أمه أعزيكم أنا” (اش 66: 5)، من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك” (مز110 :3)، ويقول المسيح “كم مرة أردت أن أجمع شعبي كما تجمع الدجاجة صغارها” (مت23 : 37)، كم مرة وتحركت أحشائه أمام آلام الناس، مثل السامري الصالح عمل رحمة دون تميز للون ولا لجنس ولا لدين، ولكي يكون الإنسان رحيم عليه أن يتذكر كلمة الإنجيل “كما تريدون أن يفعل الناس بكم.. كذلك أفعلوا أنتم أيضًا بهم” (مت 7: 12)، أي ضع نفسك مكان الأخر، نتذكر مثل العبد المديون والذي رحمه صاحب الدين وهو لم يرحم زميله (متى 18: 21-35)، الله رحم الإنسان رغم السقوط في الخطيئة بل بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك، بل أعطاه فرصة الرجوع إليه (مثل الابن الضال)، نَفَس الله طويل معنا يجب أن نكون نحن أيضًا نفسنا طويل مع بعضنا البعض .

أعمال الرحمة تتعدى حدود الأعمال الخيرية والظاهرية، يجب أن تصل إلى الشعور بالتضامن مع الأخر والمشاركة في آلامه والإحساس به ومساعدته، مع الشخص الذي أعرفه والذي لا أعرفه دون تمييز، مرة أخرى هذا النص صعب التطبيق ولكن ليس مستحيل، علينا تذكر “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم”، لأن إذا أردنا الرحمة لنا علينا أن نقدمها للأخر بكل إرادة روحية منفتحة على نعمة الله ورحمته نطلب رحمة الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى