أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول لقد زرت الأسبوع الماضي بلدين أفريقيين: جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، أشكر الله الذي سمح لي بالقيام بهذه الرحلة التي طال انتظارها. “حلمان”: زيارة الشعب الكونغولي، الأوصياء على بلد شاسع، الرئة الخضراء لأفريقيا، أرض غنية بالموارد أدمتها حرب لا تنتهي لأن هناك دائمًا من يغذي النار، وزيارة شعب جنوب السودان، في حجِّ سلام مع رئيس أساقفة كانتربري جوستين ويلبي والمُنسِّق العام لكنيسة إسكتلندا، إيان جرينشيلدز لقد ذهبنا معًا لكي نشهد أنه من الممكن والضروري أن نتعاون في التنوع، لاسيما إذا كنا نتشارك الإيمان بالمسيح.
تابع البابا فرنسيس يقول كنت في الأيام الثلاثة الأولى في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، أجدد امتناني للرئيس والسلطات الأخرى في البلاد على الاستقبال الذي حفظوه لي، فور وصولي في القصر الرئاسي، تمكنت من أن أوجِّه الرسالة إلى الأمة: الكونغو هو مثل الماسة، بطبيعته، بموارده، ولاسيما بشعبه؛ لكن هذه الماسة أصبحت سبب خلاف وعنف وللمفارقة لإفقار الشعب. إنها ديناميكية نجدها أيضًا في مناطق أفريقية أخرى، وهي صالحة بشكل عام لتلك القارة: قارة مستعمرة، مستغلة ومنهوبة. وإزاء كل هذا قلت كلمتين: الأولى سلبية: “كفى!”، كفو استغلالاً لإفريقيا! والثانية إيجابية: معًا، معًا بكرامة واحترام متبادل، معًا باسم المسيح، رجاءنا. وباسم المسيح اجتمعنا في الاحتفال الإفخارستي الكبير.
أضاف الحبر الأعظم يقول ثم عُقدت في كينشاسا أيضًا اللقاءات الأخرى. أولاً اللقاء مع ضحايا العنف في شرق البلاد، المنطقة التي تمزقها منذ سنوات الحرب بين الجماعات المسلحة التي تتلاعب بها المصالح الاقتصادية والسياسية. يعيش الناس في خوف وانعدام الأمن، ويتم التضحية بهم على مذبح الأعمال غير المشروعة. لقد استمعت إلى الشهادات المروعة لبعض الضحايا، ولاسيما النساء، اللواتي وضعنَ أسلحة وأدوات موت أخرى عند أقدام الصليب. معهنّ قلت “لا” للعنف والاستسلام، و “نعم” للمصالحة والرجاء. ثم التقيت بعدها بممثلي الأعمال الخيرية المختلفة الموجودة في البلاد، لكي أشكرهم وأشجعهم. إن عملهم مع الفقراء ومن أجل الفقراء لا يحدث أي ضجيج، ولكنه يجعل الخير العام ينمو يومًا بعد يوم. وفي إطار التعزيز بشكل خاص على مبادرات المحبّة أن تكون على الدوام تعزيزية، أي ألا تساعد وحسب بل أن تعزز وتنمّي.
وقفة حماسيّة كانت تلك الوقفة مع الشباب وأساتذة التعليم المسيحي الكونغوليين. لقد كانت مثل غوص في الحاضر الذي يمتدّ نحو المستقبل. لنفكر في قوة التجديد التي يمكنه أن يحملها هذا الجيل الجديد من المسيحيين، المُنشَّئين والذين يحركهم فرح الإنجيل! لقد قدّمتُ لهم خمسة دروب: الصلاة، والجماعة، والصدق، والمغفرة، والخدمة. ليصغِ الرب إلى صرختهم التي تطلب السلام والعدالة.
تابع البابا فرنسيس يقول في كاتدرائية كينشاسا التقيت بالكهنة والشمامسة والمكرّسين والمكرسات والإكليريكيّين. إنهم كثيرون وهم شباب لأن الدعوات كثيرة. لقد حثّيتهم لكي يكونوا خدامًا للشعب كشهود لمحبة المسيح، ويتغلبوا على ثلاث تجارب: الرداءة الروحية، الراحة الدنيوية والسطحية. والتي هي تجارب عالميّة للإكليريكيين والكهنة. أخيرًا، شاركتُ مع الأساقفة الكونغوليين فرح وجهد الخدمة الرعوية. ودعوتهم لكي يسمحوا لقرب الله أن يعزّيهم وأن يكونوا أنبياء للشعب، بقوة كلمة الله، ولكي يكونوا علامات على موقف الله تجاهنا على شفقته وقربه وحنانه. إنها الأساليب الثلاثة التي يستعملها الرب معنا: القرب والشفقة والحنان. هذا ما طلبته من الكهنة والأساقفة.
أضاف الحبر الأعظم يقول تم القسم الثاني من الزيارة في جوبا، عاصمة جنوب السودان، وهي دولة ولدت في عام ٢٠١١. وكان لهذه الزيارة ميزة خاصة جدًا، تم التعبير عنها بالشعار الذي يستعيد كلمات يسوع: “أصلي لكي يكونوا بأجمعهم واحدًا”. لقد كان في الواقع حج مسكوني من أجل السلام، قمنا به مع رئيسي كنيستين حاضرتين تاريخياً في تلك الأرض: الشركة الأنغليكانية وكنيسة إسكتلندا. لقد كان نقطة وصول المسيرة التي بدأت قبل بضع سنوات، والتي شهدت لقاءنا في روما في عام ٢٠١٩، مع سلطات جنوب السودان، من أجل الالتزام بالتغلب على الصراع وبناء السلام. لسوء الحظ، لم تتقدم عملية المصالحة وأصبح جنوب السودان الحديث الولادة ضحية للمنطق القديم للقوة والتنافس، الذي يولِّد الحرب والعنف واللاجئين والنازحين الداخليين. أشكر رئيس الجمهورية على الاستقبال الذي حفظه لنا وعلى الطريقة التي يسعى بها إلى إدارة هذا الطريق غير السهل لكي يقول “لا” للفساد وتهريب الأسلحة و”نعم” للقاء والحوار. إنّه أمر مخز: هناك العديد من الدول التي تُعرف بالمتحضرة والتي تقدم المساعدة لجنوب السودان، وتتكون المساعدة من الأسلحة لإثارة الحرب. إنّه أمر مخجل. وبالتالي علينا أن نمضي قدمًا بالقول “لا” للفساد وتهريب الأسلحة و”نعم” للقاء والحوار. بهذه الطريقة فقط يمكن أن تكون هناك تنمية، ويمكن للناس أن يعملوا بسلام، وللمرضى أن يتلقوا العلاج، وللأطفال أن يذهبوا إلى المدرسة.
تابع الأب الأقدس يقول لقد ظهر الطابع المسكوني للزيارة إلى جنوب السودان بشكل خاص في وقفة الصلاة التي تم الاحتفال بها مع الإخوة الأنغليكان وكنيسة اسكتلندا. معًا أصغينا إلى كلمة الله، ومعًا رفعنا صلوات التسبيح والتضرُّع والشفاعة. في واقع صراعات مثل واقع جنوب السودان، تعتبر هذه العلامة أساسية، وهي ليست أمرًا لا يُمكِن تَجنُّبه، لأنه للأسف هناك من يسيئون استخدام اسم الله لتبرير العنف والاستغلال.
أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات يبلغ عدد سكان جنوب السودان حوالي ١١ مليون نسمة، نزح مليونان منهم داخلياً بسبب النزاعات المسلحة وفر العدد عينه إلى البلدان المجاورة. لهذا السبب أردت أن أقابل مجموعة كبيرة من النازحين الداخليين، وأن أستمع إليهم وأجعلهم يشعرون بقرب الكنيسة. في الواقع، تقف الكنائس والمنظمات ذات الإلهام المسيحي في الصفوف الأماميّة إلى جانب هؤلاء الفقراء، الذين يعيشون منذ سنوات في مخيمات للنازحين. لقد توجّهتُ بشكل خاص، إلى النساء، اللواتي يمثلن القوة التي يمكنها أن تغير البلاد. وشجعت الجميع لكي يكونوا بذور جنوب السودان الجديد، بدون عنف، ومصالح وسلميّ.
تابع البابا يقول في اللقاء مع الرعاة والمكرسين في تلك الكنيسة المحلية، نظرنا إلى موسى كنموذج للطاعة لله والمثابرة في الشفاعة. وفي الاحتفال الإفخارستي، وهو آخر فصل من زيارتي إلى جنوب السودان وكذلك في الزيارة بأسرها، جعلتُ من نفسي صدى للإنجيل، وشجعت المسيحيين لكي يكونوا “الملح والنور” في تلك الأرض المعذّبة. إن الله لا يضع رجاءه في العظماء والأقوياء، وإنما في الصغار والمتواضعين. أشكر سلطات جنوب السودان، ورئيس الجمهوريّة، ومنظمي الزيارات وجميع الذين بذلوا جهدهم وعملوا لكي تتمَّ هذه الزيارة بشكل جيد. كما أشكر أخواي، جاستن ويلبي وإيان غرينشيلدز، على مرافقتهما لي في هذه الرحلة المسكونية.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول لنصلِّ لكي تنبت في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وفي أفريقيا بأسرها بذور ملكوت المحبة والعدالة والسلام.
(المصدر راديو الفاتيكان)