Uncategorized

عظة البطريرك الراعي في قداس رأس السنة ويوم السلام العالمي

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد ورأس السنة، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وأنطوان عوكر، وأمين سر البطريرك الأب هادي ضو، ورئيس مزار سيدة لبنان – حريصا الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من الأساقفة والكهنة والراهبات، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان “دعي اسمه يسوع” (لو 2: 21) قال فيها: “اسم يسوع، الذي أعلنه الملاك لمريم بالبشارة وليوسف في الحلم، أطلق عليه رسميا بعد ثمانية أيام عند ختانته بحسب الشريعة. فيكون هذا اليوم الأول من السنة عيد اسم يسوع الذي يعني باللغة العبرية والآرامية الله يخلص فاختار القديس البابا بولس السادس هذا اليوم ليكون يوم السلام العالمي. وكان ذلك سنة 1967. فلنبدأ نحن باسم يسوع السنة الجديدة 2023 التي نتمناها للجميع سنة خير وبركة وسلام شامل”.

وحيّا غبطته “أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت في 4 اغسطس2020، الذين لم تدمل جراحهم ولن تجف دموعهم طالما السياسيون يعرقلون مسيرة التحقيق منذ سنتين ونصف. إن قضية تفجير المرفأ هي قضية وطنية تطال كل مواطن ومواطنة وكل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة القضاء. وهي لا تقتصر على حقوق أهالي الضحايا والمصابين والمتضررين، بل تشمل الوطن برمته الذي تضرر ضررًا جسيمًا في المرة الأولى: عند وقوع الانفجار وسقوط الضحايا والشهداء الذين أصبحوا أكثر من 245 وإصابة آلاف الجرحى والمعوقين والمتضررين في أرزاقهم. وفي المرة الثانية بسبب عرقلة التحقيق وتجميده منذ سنتين ونصف، وهذه العرقلة هي جريمة بحد ذاتها. ولا يجوز أن تمر من دون محاسبة كما لو كانت حادثة عابرة، لا بل إن الامتناع عن السير بهذه القضية من شأنه تقويض العدالة والقضاء في لبنان. إن الأهالي الذين فقدوا فلذات أكبادهم ظلما ومن دون أي سبب ما زالوا على الطرقات يطالبون بمعرفة حقيقة من قتل أبناءهم للمحاسبة والعدالة وهو حق مقدس من حقوقهم. ومن حقهم اللجوء إلى الأمم المتحدة من أجل تعيين لجنة دولية لتقصي الحقائق، ولمساندة التحقيق المحلي المعرقل”.

وقال: “نرفع الصوت معهم عاليًا ونطالب السياسيين الذين يعرقلون التحقيق: ارفعوا أيديكم عن القضاء ولا تعطلوا دوره، فإن فشل في الوصول إلى الحقيقة في هذه القضية سقطت العدالة وسقطت معها العدلية برمتها وكرامتها وفعاليتها ودورها، ولا تتواطؤوا في تعديل القوانين وابتداع حلول تلائم مطالبكم وأخصها تنحية المحقق العدلي قسرا ودفن التحقيق، بهدف التهرب من المسؤولية والمساءلة. فارفعوا أيديكم عن القضاء، واتركوه يقوم بدوره. فكلما وجد حلا قانونيا قضائيا، تعمدون فورا إلى نسفه تعسفا، بتقديم دعاوى اعتباطية وتعسفية أمام محكمة غير مكتمل عدد أعضائها، بعد أن عطلتم سياسيا إمكانية اكتمالها برفض توقيع مرسوم التشكيلات القضائية الجزئية”.

وأشار إلى أنّ الكنيسة الكاثوليكية الجامعة “تودّع بالألم قداسة البابا السابق بندكتس السادس عشر، حامي الإيمان والمعلم واللاهوتي الكبير. تودعه بيقين الرجاء بأنه ينتقل إلى مجد السماء، ويكون للكنيسة وللبنان الذي كان آخر زياراته الرسولية وأحبه، خير شفيع أمام العرش الإلهي. فإنا نرافق عبوره بهذه الذبيحة المقدسة سائلين الله أن يعوض على الكنيسة بأحبار قديسين”. كما “تحتفل الكنيسة والعالم بيوم السلام العالمي. وتصلي من أجل إحلال السلام بين الشعوب وفي العالم كله. إنه احتفال بالمسيح الذي هو سلامنا، وهو عطية السلام لجميع الناس. فقد أتى ليجمع ما كان منقسما، وينتزع الخطيئة والبغض، داعيا البشرية إلى الوحدة والأخوة”.

أضاف: “تريد الكنيسة في هذا العام الجديد أن تثبت دعوتها ورسالتها بأن تكون في المسيح علامة السلام وأداته في العالم ومن أجل العالم. وهي تفعل ذلك بنشر إنجيل السلام. عندما نقول الكنيسة، إنما نعني رعاتها ومؤمنيها، جماعاتها ومؤسساتها، بل كل الناس ذوي الإرادة الحسنة. ولأن السلام عطية من الله لأرضنا، فقد بات الالتزام به عملا جوهريا. فهو كالمبنى في طور بناء دائم، والكل مدعو لاستكماله: الأهل في العائلة ليعيشوا السلام ويشهدوا له ويربوا أولادهم عليه؛ المعلمون في المدارس والجامعات لينقلوا قيم المعرفة وتراث البشرية التاريخي والثقافي؛ الرجال والنساء في عالم العمل ليناضلوا في سبيل كرامة العمل البشري على أساس العدالة والتضامن؛ حكام الدول ليؤمنوا السلام بتوفير الخير العام؛ العاملون في المنظمات الدولية ليواصلوا عملهم كفاعلي؛ المؤمنون ليعززوا بالحوار المسكوني وبين الأديان قضية السلام، والأخوة، هم الذين يعتبرون أن الإيمان الأصيل هو ضد الحرب والعنف. فيما نتبادل وجميع الشعوب التهاني بالعام الجديد ونتمناه عام خير وسلام، فيا ليت الجميع يجعلونه مناسبة للعودة إلى الضمير الحي، فنقيم ما مضى ونحضر الخير للعام البادئ. وتنبذ الدول نزعة السيطرة على بعضها البعض، وتنهي الحروب، وتلتقي في سلام دائم، لكي تعيش جميع شعوب العالم في بحبوحة وازدهار من دون تنافس وقتال. لا نستطيع أن نكون على صورة الله ومثاله، ونخلق الأزمات ونحن في غنى عنها، ونخوض حروبا عبثية لإطفاء شهوة مسؤولين دوليين لا يكتفون بحدودهم الدولية”.

وأردف: “في هذا السياق يؤلمنا ويؤسفنا أن المسؤولين السياسيين في لبنان يجهدون في تهديم السلام السياسي والأمني والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، فيما دول العالم تأتي وتعرض كل أنواع المساعدات لنهضة لبنان بدءا من مشاريع الطاقة إلى المياه، مرورا بالمشاريع الإنشائية من طرقات ومرافئ ومطارات وصولا إلى قروض وتنظيم مؤتمرات خاصة بلبنان، فلا تلقى آذانا صاغية ولا تجاوبا. لا يتجاوبون مع المؤتمرات ولا مع صندوق النقد الدولي، ولا مع بيانات الدول الشقيقة والصديقة، ولا مع توصيات الأمم المتحدة ولا مع دعوات قداسة البابا فرنسيس. ماذا ينتظرون لرفع المعاناة عن الشعب، ولتقرير إنقاذ لبنان؟ فليقتنع الجميع بأن باب الحل والخروج من أزماتنا يمر عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فأين ما بقي من سلطات؟ وأين ما بقي من صلاحيات للمؤسسات؟ وزير يقاطع مجلس الوزراء يوما ويشارك فيه يوما آخر. وزير يمتنع عن تواقيع مراسيم تفتقر إلى التوافق بشأنها، ويوقع في اليوم التالي غير عابئ بموقفه السابق بغض النظر عن أهمية المرسوم. مع رغبتنا في استمرار عمل الدولة، نرفض تمرير مراسيم لا تنسجم مع الدستور ولا تأخذ بالاعتبار الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية، ولو كان المنصب شاغرا، كما فعل بعض الوزراء. عبثا تحاول المؤسسات الدستورية والخبراء المحيطون بها ابتداع تفسيرات دستورية لتسيير أعمالها وتحليل صلاحياتها. المطلوب واحد، انتخاب رئيس للدولة، وهو رئيس نزيه، شجاع، مهاب ولا يهاب، جامع المكونات الوطنية، يعيد الأمور إلى نصابها، يضع جميع الأطراف تحت كنف الدولة، يعمل على إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وعلى إيجاد حل للاجئين الفلسطينيين، ويأخذ المبادرات على الصعيدين العربي والدولي ليعيد لبنان إلى مكانته التاريخية، وليصوغ دورا خلاقا جديدا لهذا الوطن التاريخي. لكن انتخاب الرئيس لا يتم ببدعة الاتفاق المسبق عليه -فهذا نقيض نظامنا الديمقراطي– بل بالاقتراع المقترن بالتشاور والحوار، يوما بعد يوم، لا مرة كل أسبوع. فيتوقف عندئذ المجلس النيابي عن تلك المسرحية الهزلية التي مارسها عشر مرات. نتمنى من صميم القلب ألا يكون هناك من يتقصد تعطيل بتر رأس الجمهورية، وتعطيل المؤسسات ليظهر لبنان دولة فاشلة غير مؤهلة للوجود أو للبقاء كما هي، ولا بد، بالتالي، من تغييرها وبناء دولة أخرى على نسق الدويلات التي تتفشى في منطقة الشرق الأوسط، فلا تأخذ بالاعتبار الديمقراطية والتركيبة التعددية. ونقول: إنها لمفخرة للنواب أن تسجل أسماؤهم في سجل الذين عملوا على إنقاذ لبنان من خلال انتخاب رئيس مميز. فلا تخيبوا آمال الشعب الذي انتخبكم. وهلموا إلى هذا الإنجاز العظيم في مطلع السنة الجديدة”.

(المصدر أبونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى