المؤتمر الصحفي للبابا فرنسيس على متن الطائرة في طريق عودته من البرتغال
في طريق عودته من ليشبونة، شرح البابا فرنسيس للصحفيين لماذا اختار أن يصلي بصمت في مزار فاطمة المريمي، ولماذا قرر أن يتخلى عن الخطابات المعدة مسبقاً، خلال لقاءاته مع الشباب، وأن يتحاور معهم بطريقة أكثر فعالية. وشدد فرنسيس على ضرورة عدم التسامح إطلاقاً حيال التعديات على القاصرين وتطرق أيضا إلى الدوافع وراء زيارته المرتقبة إلى مرسيليا بفرنسا، مكررا أن الكنيسة منفتحة على الجميع، حتى من لا يستطيعون نيل أي من الأسرار. وقال إنه يتمتع بصحة جيدة.
وقال البابا في إجابته على الصحفيين: “لقد صليت، صليتُ. صليت للعذراء، وصليت من أجل السلام. لم أشاء الترويج لذلك، لكني صليت. وعلينا أن نكرر دوماً هذه الصلاة على نية السلام. فقد طلبَتْ هي ذلك خلال الحرب العالمية الأولى، وهذا ما طلبتُه هذه المرة من العذراء. وصليتُ. لم أشأ الترويج لذلك.
وأجاب البابا عن سؤال حول وضعه الصحي: صحتي بخير، لقد أزالوا لي الخيوط الجراحية، وأعيش حياة طبيعية، إني أضع زناراً، علي أن ألبسه لشهرين أو ثلاثة تفادياً للاندحاق، حتى تصير العضلات أكثر صلابة وقوة، بالنسبة للنظر، ففي تلك الرعية اختصرتُ الخطاب لأنه كان هناك نور أمامي، ولم أستطع القراءة، كان النور في وجهي ولهذا السبب اختصرت.
واستطرد: عندما أتكلم أريد أن أكون في غاية الوضوح، والأمر لا يتعلق بالعظات الرسمية. عندما أتكلم أبحث دائماً عن التواصل. ورأيتم أنه حتى في العظات الرسمية، أمرر فكاهة أو ضحكة، وذلك من أجل التواصل، مع الشبان، تضمنت الخطابات الطويلة جوهر الرسالة، وأنا عملتُ على التواصل وفقاً لشعوري في تلك اللحظة. رأيتم أني طرحتُ بعض الأسئلة، وجاءت الأصداء لتدل على التوجه، ما إذا كان ذلك خطأً أم لا. الشبان ليس لديهم وقت طويل للتركيز. إذا قلتَ كلمة واضحة، تتضمن فكرة، وصورة ومشاعر، يمكنهم أن يتابعوك لثماني دقائق! وهنا أقول بين قوسين إنه في “فرح الإنجيل”، وهو أول إرشاد رسولي أصدرته، كتبت فصلا طويلاً عن العظة. هناك خادم رعية (في إشارة إلى الكاهن بينيتو جورجيتا، خادم رعية تيرمولي) يعلم أن العظات هي أحياناً ضرب من التعذيب، ضرب من التعذيب عندما يطول الكلام. وفي إحدى القرى، لا أعرف ما إذا كانت في تيرمولي، يخرج الرجال (من الكنيسة) ليدخنوا السجائر ثم يعودون إليها. على الكنيسة أن تغيّر هذا النمط من العظات. لا بد أن تكون العظة: قصيرة، واضحة، تتضمن رسالة واضحة ومُحبة. لذا أنا أتصرف بهذا الشكل مع الشبان وأتركهم يتكلمون. وقد اختصرتُ الكلام لأن ما أريده هو إيصال الفكرة إلى الشبان.
واكمل: وننتقل إلى فرنسا. لقد ذهبت إلى ستراسبورج، وسأذهب إلى مرسيليا، لكن ليس إلى فرنسا. هناك مشكلة تقلقني وهي مشكلة البحر الأبيض المتوسط، لهذا السبب أنا ذاهب إلى فرنسا. إنَّ استغلال المهاجرين هو جريمة، ليس هنا في أوروبا، لأن الأمور تسير، ونحن مثقّفون، لكن في معسكرات الاعتقال في شمال إفريقيا..
أوصيكم بقراءة كتاب. إنه كتيب صغير، كتبه مهاجر قضى، على ما أعتقد، ثلاث سنوات لكي يأتي من غينيا إلى إسبانيا لأنه تم أسره وتعذيبه واستعباده. إنَّ وجود المهاجرين في معسكرات الاعتقال تلك في شمال أفريقيا هو أمر فظيع، في هذه اللحظة – الأسبوع الماضي – كانت جمعية “Saving Humans”تقوم بعمل لإنقاذ المهاجرين الذين كانوا في الصحراء بين تونس وليبيا، لأنهم ترُكوهم هناك ليموتوا. يسمى هذا الكتاب “Hermanito” – وباللغة الإيطالية يحمل العنوان الفرعي “Fratellino” – ولكن يمكن قراءته في غضون ساعتين، ويستحق العناء. اقرؤوه وسترون مأساة المهاجرين قبل الانطلاق. سيعقد أساقفة البحر الأبيض المتوسط هذا اللقاء، حتى مع بعض السياسيين، للتفكير بجدية حول مأساة المهاجرين. البحر الأبيض المتوسط هو مقبرة، لكنه ليس المقبرة الأكبر، المقبرة الأكبر هي شمال إفريقيا. إنه أمر فظيع، اقرؤوه. أنا ذاهب إلى مرسيليا من أجل هذا. في الأسبوع الماضي، أخبرني الرئيس ماكرون أنه يعتزم القدوم إلى مرسيليا وسأكون هناك لمدة يوم ونصف: أصل بعد الظهر وفي اليوم التالي سيكون اليوم كاملاً.
وعن وجود مشكلة مع فرنسا قال البابا: لا، هذا هو النهج المتّبع. أنا أزور الدول الأوروبية الصغيرة. أما الدول الكبرى، إسبانيا، فرنسا، إنجلترا، سأتركها لوقت لاحق، في النهاية. لكن كخيار بدأت مع ألبانيا وبعدها البلدان الصغيرة. ليس هناك أية مشكلة. في فرنسا، (زرتُ) مدينتان، ستراسبورج ومرسيليا.
وعن تمتع الجميع بنفس الحقوق والفرص مثل النساء، على سبيل المثال، والمثليينن قال البابا : هناك تشريع ينظم الحياة داخل الكنيسة. ومن هو في الداخل يتبع التشريع، فمعني “لا يمكنهم المشاركة في الأسرار”، هذا لا يعني أن الكنيسة مغلقة. كل شخص يلتقي بالله على طريقته داخل الكنيسة، والكنيسة هي أم وتوجه كل فرد في طريقه. لهذا السبب لا أحب أن أقول: الجميع يأتون، ولكن أنت وذلك الآخر الجميع، كل واحد في الصلاة، في الحوار الداخلي، في الحوار الرعوي، يبحث عن الطريقة لكي يمضي قدمًا.
ولهذا فالسؤال: ولماذا المثليون لا؟ الجميع! والرب واضح: المرضى، الأصحاء، المسنون والشباب، القبيحون والجميلون، الصالحون والأشرار! هناك نظرة لا تفهم هذا الاندماج للكنيسة كأم وتعتبرها نوعًا من “شركة” يجب عليك لكي تدخل فيها أن تفعل كذا وكذا وأن تفعل ذلك بهذه وليس بطريقة أخرى.
أما خدمة الكنيسة فهي شيء آخر. [إنها] الطريقة لحملِ القطيع على المضيِّ قدمًا، وأحد الأشياء المهمة في الخدمة هو الصبر: مرافقة الأشخاص خطوة بعد خطوة في طريقهم إلى النضوج. كل واحد منا قد عاش هذه الخبرة: أن الكنيسة الأم قد رافقتنا وترافقتنا في مسيرة نضوجنا. أنا لا أحب الاختزال، هذا ليس أمرًا كنسيًا، بل غنّوصيًّا. إنها مثل بدعة الغنوصية التي هي عصرية بعض الشيء اليوم. غنوصية معينة تختزل الواقع الكنسي إلى أفكار وهذا الأمر لا يساعد. الكنيسة هي أم، وهي تستقبل الجميع، وكل فرد يشق طريقه داخل الكنيسة بدون دعايات، وهذا أمر مهم جدًّا. شكرًا لك على شجاعتك لطرح هذا السؤال. شكرًا.
وأوضح: أريد أن أقول شيئًا حول كيف عشتُ الأيام العالمية للشباب. إنها الأيام العالمية الرابعة للشباب لي، الأول كان في ريو دي جانيرو الذي كان فخمًا، على الطراز البرازيلي، وجميل! والثاني في كراكوفيا والثالث في باناما وهذا هو الرابع. هذا هو الأكثر عددًا من حيث المشاركة. إنَّ البيانات واضحة وحقيقية وتقول إنّهم كانوا أكثر من مليون. لا بل في عشيّة الصلاة ليل أمس، قيل إنه كان هناك مليون وأربعمائة أو مليون وستمائة ألف شخص. هذه بيانات حكومية. إن العدد هائل. وقد تمَّ التحضير لهذا اليوم بشكل جيّد، من بين الأيام العالمية التي شاركت فيها، هذا هو الأفضل من حيث التحضير. والشباب هم مفاجأة، الشباب هم شباب… يحبون المزح، وهكذا هي الحياة، ولكنهم يحاولون أن ينظروا إلى الأمام وهم المستقبل. الافتراض هو مرافقتهم، ولكن المشكلة هي معرفة كيفية مرافقتهم وألا ينفصلوا عن الجذور. هذا هو سبب إصراري على الحوار بين المسنّين والشباب، بين الأجداد والأحفاد، وهذا الحوار مهم جدًّا وهو أهم من الحوار بين الوالدين والأبناء. مع الأجداد، لأن هناك توجد الجذور. ومن ثم الشباب هم متدينون، ويبحثون عن إيمان غير معادي وغير مصطنع وغير قانوني، لقاء مع يسوع المسيح. وهذا ليس بالأمر السهل. يقولون “لكن الشباب لا يعيشون الحياة دائمًا وفقًا للأخلاق…”. من منا لم يرتكب خطأ أخلاقيًّا في حياته؟ جميعنا قد أخطأنا! ضدّ الوصايا أو ضدَّ شخص ما، لكل منا سقطاته في حياته. هكذا هي الحياة. لكن الرب ينتظرنا على الدوام لأنه أب ورحيم، والرحمة تذهب أبعد من كل شيء. بالنسبة لي، كان الأيام العالمية للشباب جميلًا جدًّا، قبل ركوب الطائرة كنت مع المتطوعين الذين بلغ عددهم ٢٥ ألف شخص! لقد [كانت] خبرة روحيّة، إلتزام جميل حقًا. هذا ما أردت أن أقوله عن الأيام العالمية للشباب.
واختتم: انتحار الشباب هو مسألة رئيسية اليوم، والأرقام كبيرة. إنَّ وسائل الإعلام لا تقول ذلك في كثير من الأحيان لأن هذه الأخبار لا تقال على وسائل الإعلام. لقد كنت في حوار مع الشباب – لا في سياق سرّ الاعتراف، لا -، واستغليّت المناسبة لكي أتحاور معهم. وقال لي أحد الشباب: “هل يمكنني أن أسألك سؤالاً؟ ما رأيك في الانتحار؟”. لم يكن يتحدث لغتنا، لكنني فهمت جيدًا وبدأنا نتحدث عن الانتحار. وفي النهاية قال لي: “شكرًا، لأنني في العام الماضي كنت مُتردّدًا بشأن الانتحار”. يعاني الكثير من الشباب من القلق والاكتئاب ولكن ليس من الناحية النفسية فقط. ومن ثم في بعض البلدان التي تتطلب الكثير في الجامعة، لا ينجح الشباب في الحصول على درجة علمية أو العثور على وظيفة، فينتحرون لأنهم يشعرون بالعار الشديد. أنا لا أقول إنها مشكلة يومية ولكنها مشكلة. مشكلة آنية. إنه شيء يحدث.
(المصدر راديو الفاتيكان)