الكنيسة ليست ناديًا اجتماعيًا – عاطف حلمي
تأثر المسيحيون في مصر خلال العقود الماضية وبالتحديد بداية من منتصف السبعينيات، وحتى نهاية حكم الإخوان المشؤوم، بالمناخ الطائفي السلبي، فلجأوا إلى ملاذهم المتمثل في الكنيسة التي حلّت من خلال مؤسساتها وأنشطتها محل العديد من مؤسسات المجتمع، ومن ثم حدثت حالة من الانكفاء على الذات والتقوقع خلف أسوار الكنيسة.
ومع مرور الوقت، أصبحت الكنيسة بديلاً للأندية الاجتماعية للأسر المسيحية وحتى دروس التقوية لطلبة المدارس،وشكلت عالماً قائماً بذاته: يولد الطفل ينال سر المعمودية ثم يلتحق عندما يكبر قليلا بحضانة الكنيسة، وبعدها ينخرط في مختلف الأنشطة، حتى تحولت الكنيسة إلى نادٍ اجتماعي، يجد فيه الشاب علاقاته العاطفية، ومكاناً للبحث عن عمل، حتى أن الكثير من الكنائس خصصت لوحات حائط للباحثين عن عمل أو لمن لديه فرص للعمل في شركاته، ثم يتزوج الشاب وينجب أطفالاً يمرون بنفس الدورة التي مر بها الوالدان، وهكذا، حتى بات الانخراط في المجتمع الخارجي محدوداً للغاية، بل باتت جميع قضايا المسيحي من إيجابيات وسلبيات وحتى المشكلات محصورة تقريباً داخل هذا المجتمع الكنسي.
ربما يسأل أحدكم: ما هي المشكلة في ذلك؟ من المؤكد أن أنشطة الكنيسة بالغة الأهمية، ومعظمنا، ما لم يكن جميعنا، انخرط في هذه الأنشطة واستفاد منها كثيراً في بناء شخصيته، فليس هناك أجمل من الارتباط بالكنيسة وأنشطتها.
لكن، أن تتحول الكنيسة إلى بديل للمجتمع، في صيغته الواسعة، أمراً بالغ الخطورة. ومن أبرز سلبياته انعزال المسيحيين عن مجتمعهم الأكبر والأشمل، بمختلف مكوناته، بل إن هذا الانكفاء أدى إلى انعزال أبناء كل طائفة مسيحية عن الأخرى، مما أضاع عليهم فرص المشاركة الإيجابية في المجتمع بمختلف مستويات هذه المشاركة، وأدى إلى حرمانهم من الكثير من حقوقهم، خصوصاً في المناح السياسية.
المؤسف أيضا، أن بعض المؤسسات الكنسية استمرت واستغلت هذه الحالة من الانكفاء على الذات، ونصبت نفسها للتحدث باسم المسيحيين مع مؤسسات الدولة، وهذا أدى بدوره إلى تحول المسيحيين إلى ما يشبه الجالية، وعزز فكرة الأقلية، ومن ثم جعلت مواطنتهم منقوصة، وفي بعض الأحيان تلاشت هذه المواطنة.
لذلك، فأنه على تلك المؤسسات الكنسية إعادة النظر في دورها؛ ليصبح دور معزز لخروج المسيحيين من تلك الشرنقة الضيقة والانخراط في المجتمع كمواطنين كاملي المواطنة، من دون أي وصاية عليهم، بل إن دورها يجب أن ينصب في كيفية تشكيل وجدان الشباب بشكل خاص من أجل أن يكونوا فاعلين في مجتمعهم المحيط بهم، وإلا تفاقمت هذه العزلة أكثر وأكثر.