ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة في أحد النسبة بعنوان “كتاب ميلاد يسوع المسيح” (متى 1: 1) وقال: “في زمن الميلاد، الذي أشرق فيه نور بدّد الظلمة عن الشعب السائر فيها، نلتمس من المولود الإلهي أن يبدّد الظلمة عن ضمائر المسؤولين، لكي يتمكن المؤمنون من عيش بهجة أنوار الميلاد”.
في عظته مترأسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “المقصود من نسب يسوع إلى العائلة البشرية أن المسيح الرب هو سيّد تاريخ البشر في مجراه اليومي لكونه “ألفه وياءه، بدايته ونهايته” (راجع رؤ 1: 8).وهو يعمل مع كل مؤمن ومؤمنة على تحقيق تاريخ الخلاص الذي يشمل البشر أجمعين، ويعطي التاريخ الزمني قيمته وقدسيته”. وأضاف غبطته يقول “أيها المسؤولون المدنيون المتعاطون الشأن السياسي، أتدركون أن الله في سر تدبيره وضع للعالم نظاماً ليعيش الناس والشعوب في سلام، ويتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الارض، وينعموا بالخير والعدل. فكانت السلطة السياسية التي تطورت عبر مراحل انشائها وتكوينها وصلاحياتها، وهي مدعوة دائماً لاستلهام مشيئة الله وتصميمه الخلاصي، فيكون على صاحب السلطة ان “يقضي بالبرّ للشعب، وبالانصاف للضعفاء” (مز72/2). وانذر الله الملوك بلسان الانبياء، بسبب تقصيرهم وظلمهم للشعب، قائلًا بلسان النبي آشعيا “ويل للذين يشترعون فرائض للإثم والظلم، ليسلبوا حق ضعفاء شعبي” (اشعيا10/1-2). أتعرفون أيها المسؤولون، أن “الله يملك على كلّ الأمم” (إرميا 10: 7 و 10)؛ ويفرض على متولّي السلطة أن يمارسها محافظًا على شريعته ورسومه؟ هل تعرفون في ضوء كل هذا أن السلطة المدنية هي ذات طابع أخلاقي يشكل الأساس للعمل السياسي؟ فلأنكم تجهلون كل هذا، أنتم تعتدون على مشيئة الله، وتمعنون في قهر الشعب الذي انتدبكم وأتمنكم: تمعنون في إفقاره وظلمه وتحقيره وحرمانه من حقوقه الأساسية ليعيش بكرامة في وطنه، وتمعنون في تشريده وتهجيره، واعتباره “كنفاية”، بحسب تعبير قداسة البابا فرنسيس”.
وأضاف غبطته يقول “كفّوا إذن، أيها السادة النواب ومن وراءهم عن هذه السلسلة من الاجتماعات الهزلية في المجلس النيابي، والمحقّرة في آن لكرامة رئاسة الجمهورية من جهة، وللاستفادة من شغورها من أجل مآرب سياسية ومذهبية من جهة أخرى، فضلًا عن السعي إلى تفكيك أوصال الدولة والمؤسسات. عودوا إلى نفوسكم واعلموا أن جماعة سياسية، حاكمة بالأصالة أو بالوكالة، ومعارضة بالأصالة أو بالوكالة، لا بد من أن تسقط مهما طالت السنوات ما دامت تُهمل إرادة الشعب وتعتبره كميّة لا قيمة لها وحرفًا ساقطًا. لقد أرسلكم الشعب إلى البرلمان لتنتخبوا رئيسًا لا لتُحدثوا شغورًا رئاسيًّا. والله أعطاكم مناسبة تَجَلٍ لتنتخبوا رئيسًا في الـمهلة الدستورية، فحوَّلتموها زمن تَخَل لا نعرف متى ينتهي، ووسيلة إهمال جديد لرغبة الشعب الذي يريد رئيسًا يحمي ظهر لبنان وصدره لا ظهر هذا أو ذاك. فمتى كان ظهر الدولة محميًّا، فظهر كل المكونات اللبنانية يكون محميًّا. الشعب يريد رئيسًا لا يخونه مع قريب أو بعيد ولا ينحاز إلى المحاور؛ رئيسًا يطمئنه هو ويحمي الشرعية لتضبط جميع قوى الأمر الواقع؛ رئيسًا يعمل مع مجلس وزراء جديد وفعال وموحّد الكلمة فتعود الحياة الطبيعية إلى مؤسسات الدولة وإداراتها”.
وأشار البطريرك الراعي إلى “أن كل ما يجري على الصعيد الرئاسي والحكومي والنيابي والعسكري في الجنوب وعلى الحدود، وتآكل الدولة رأسًا وجسمًا، يؤكد ضرورة تجديد دعوتنا إلى الحياد الإيجابي الناشط، وإلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، يعالج القضايا التي تعيد إليه ميزته وهويته فلا يفقد ما بنيناه في مئة سنة من نظام وخصوصية وتعددية وحضارة وثقافة ديمقراطية وشراكة وطنية، جعلت منه “صاحب رسالة ونموذج في الشرق كما في الغرب”، بحسب قول البابا القديس يوحنا بولس الثاني”.
وأضاف غبطته “لقد آلمنا للغاية اغتيال الجندي الايرلندي منذ ثلاثة أيام، وهو من أفراد القوات الدولية في الجنوب اللبناني. إننا نشجبها وندينها بأشد العبارات. ونعزي بلده الصديق وعائلته، والكتيبة الايرلندية وقائد القوات الدولية وجنودها. وإننا نلتمس الشفاء العاجل لرفاقه المصابين. إن هذا الجندي الايرلندي الذي جاء إلى لبنان ليحمي سلام الجنوب، استشهد فيه برصاصة حقد اغتالته. هذه الحادثة المأساوية التي تشوّه وجه لبنان، إنما تستوجب تحقيقًا شفافًا لبنانيًّا وأمميًّا يكشف الحقيقة ويجري العدالة. لقد حان الوقت، بل حان من زمان، لأن تضع الدولة يدها على كل سلاح متفلِّت وغير شرعي وتطبّق القرار 1701 نصًا وروحًا لأن تطبيقه حتى الآن هو انتقائي واعتباطي ومقيّد بقرار قوى الأمر الواقع، فيما الدولة تعضّ على جرحها، وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها”.
وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا “في زمن الميلاد، الذي أشرق فيه نور بدّد الظلمة عن الشعب السائر فيها، نلتمس من المولود الإلهي أن يبدّد الظلمة عن ضمائر المسؤولين، لكي يتمكن المؤمنون من عيش بهجة أنوار الميلاد”.
(المصدر راديو الفاتيكان)