Uncategorized

الأب رفيق جريش يكتب .. يسوع والشاب الغني

القديس متى يصف هذا الرجل بأنه شاب بقوته بطموحه بكل طاقة الشباب والحماسة والرغبة في لقاء المعلم، سعى نحو يسوع المسيح يسأله ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ وكل ما يهمه الحياة الأبدية بعد موته وإلى جانب امتلاكه خيرات كثيرة، يبدو مهذبًا ومتعلمًا ويحركه قلق يحثه على البحث عن السعادة الحقيقية، الحياة الكاملة؛ إلا أن هذا الشاب يفكر في شيء يحصل عليه بقوته ولهذا يسأله “أيُّها المُعَلِّمُ الصَّالح، ماذا أَعْمَلُ لأَرث الحياة الأبدية”، بينما يجيبه الرب بسؤال آخر “لِمَا تَدْعُوني صالحًا؟ لا صالح إلا الله وحده” (مرقس10: 18)، وهنا يسوع يغير في تفكيره من إنسان يركز على الشريعة والعادات والتقاليد اليهودية لذلك حفظ الوصايا، بينما يسوع يرشده لمحبة القريب، إن الإنجيل لا يخبرنا باسم هذا الشاب ويعني هذا أنه يمكن أن يمثل كلاً منا، وهكذا يوجهه يسوع نحو الله الذي هو الخير الأوحد والأسمى الذي يأتي منه كل خير آخر، وكي يساعد هذا الشاب إلى الوصول لينبوع الصلاح والسعادة الحقيقية ولابد أن يتخذ معه مسار ليرشده الخطوة الأولى في المسار، أي تَعلُم عمل الخير للقريب، والقريب هو أي أحد في الإنسانية، فإذا أردت أن تدخل الحياة الأبدية، فاحفظ الوصايا، ولكن بالمحبة الحقيقية للقريب، لكن الشاب يجيب بأن هذا ما كان يفعل دائمًا، فحدق إليه يسوع بمحبة ويدفعه إلى البحث، أن يسوع يدرك أيضًا نقطة ضعف الشاب الغني، فهو متشبث بما لديه من ثراء.

ولهذا يدعوه يسوع إلى خطوة ثانية في المسيرة، أي الانتقال من منطق الاستحقاق إلى منطق الهبة بكل حرية، “إذا أردت أن تكون كاملاً، فَاذْهَبْ وبع كل أموالك وأعْطِها للفقراء، فيكون لك كنز في السماء” (متى ۱۹: ۲۱)، لأن الله يحترم حرية الإنسان ولم يجبره على شيء.

إن يسوع يدعو الشاب هكذا لا إلى ضمان ما بعد الحياة الأرضية بل إلى هبة كل شيء في هذه الحياة مقتديًا بالرب، إذًا من هو الضامن أو الضمان هو الرب يسوع المسيح ولكي نصل إلى هذه الدرجة علينا أن نلتزم بالرب يسوع المسيح أن نصل إلى درجة من الوعي والنضوج الروحي، فإنها دعوة إلى المزيد من النضج والانتقال من حفظ الوصايا إلى المحبة المجانية والكاملة، المسيحي الحقيقي قد يملك ولا يجعل الشيء يتملك عليه، فامتلاكنا الكثير ورغبتنا في الكثير يخنقان القلب، ويجعلنا غير سعداء وغير قادرين على المحبة، ويقيدك فلست حرًا ويسوع أراد أن يحرر الشاب الغني ولكن أبى هذا التحرر لأنه لم يصل إلى درجة النضوج، أن القديس أوغسطينوس سمع ذات مرة هذا النص فترك كل شيء وتبع الرب يسوع المسيح وذهب إلى الصحراء لكي يترهبن هناك.

أما الخطوة الثالثة في اقتراح يسوع وذلك بقوله “تعال فاتبعني”، وهذه دعوة لكل شخص هل يقبل المغامرة مع الرب يسوع المسيح؟، هل يقبل أن يتحرر؟، هل يقبل أن يفقد أشياء من أجل أن يكتسب يسوع في حياته؟، أم ستظل نشرك مع يسوع أشياء أخرى، أن اتباع يسوع أن نكون تلاميذ يسوع يعني أن نكون على مثاله، هكذا سننال حياة غنية وسعيدة، ممتلئة بوجوه الكثير من الأخوة والأخوات الآباء والأمهات والبنين (راجع متى ۱۹: ۲۹).

ولكن اتباع يسوع ليس خسارة بل هو مكسب، الشاب الغني قلبه كان منقسمًا بين سيدين الله والمال، وقد جعله خوفه من المغامرة وفقدان ماله الكثير: “فاغتم لهذا الكلام وانصرف حَزينًا” (مرقس ۱۰ ، ۲۲)، لم يتردد الشاب في طرح السؤال الحاسم إلا أنه لم يجد الشجاعة لتقبل الإجابة أي الدعوة إلى الانفصال والتحرر عن ذاته وعن الثراء للارتباط بالمسيح والسير معه واكتشاف السعادة الحقيقية، يسوع يقول لكل واحد منهم أيضًا “تعال فاتبعني” نحن جميعًا مدعوون إلى التحلي بشجاعة ونضوج الروح للتحرر وعدم التملك والدعوة متجددة كل يوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى