Uncategorized

أخبار الكنيسة الكاثوليكية في مصر.. توجيه رعوي من بطريرك الأقباط الكاثوليك

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد، أمين.

أصدر الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، توجيه رعوي لتوضيح أنّ الكنيسة المقدّسة وسلطتها التعليميّة لا تتناول الشؤون المستحدَثة طلبًا للتكيّف معها، بل تسعى إلى “التواصل بالحقيقة” واضعةً في الاعتبار، قدر المستطاع، كلّ الجوانب المتاحة، في نور كلمة الله ووديعة الإيمان التي تسلّمناها من آبائنا القديسين، وفي مقدّمتهم القديسة مريم العذراء، وكلّ الذين أصغوا لنداءات الروح القدس معزّي الكنيسة ومرشدها.

“أيّها الإخوة، قد دُعيتم إلى الحرّيّة، بشرط واحد وهو أن لا تجعلوا هذه الحرّيّة فرصة للجسد، بل بفضل المحبّة اخدموا بعضكم بعضًا.” (غلاطية 5: 13).

بنعمة الله، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيّة للأقباط الكاثوليك، إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائنا القمامصة والقسوس الرهبان والراهبات المكرسين والمكرسات والشمامسة، وجميع أبناء الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة في مصر وبلاد المهجر.

النعمة والسلام في ربّنا يسوع المسيح

يفترض المناخُ السينودسيّ في الكنيسة الكاثوليكيّة المحبّة والرحمة وينبذُ الشكّ. وهذا يتحقّق مِن خلال إصغاء بعضِنا لبعض في بهاء كلمةِ الله، ونورِ السُّلطة التعليميّة في الكنيسة، والترحيب بالروح القدسِ الذي يضْمنُ ويقودُ الكنيسة. بالمعموديّة كنّا قدْ خُضْنا موتَ وقيامةَ السيِّد المسيح ونِلنا مغفرةَ الخطايا وفزنا بحياةٍ جديدةٍ. في جسد المسيح أصبحنا إخوة وأخواتٍ، ورثةً للحياة الأبديّة. وبسرّ التثبيت انسَكَبَ الروحُ القدس في قلوبِنا لكي يُمكّننا مِن التفْكير في العالمِ مثْلمَا يُفكّر ربّنا يسوع المسيح، له المجد، والنظرِ إلى الآخرِ لنُحبّه على أنّه يسوع المسيح عينه وبذلك نكونُ شهودًا له وكارزين بتعاليمه.

وفي هذا الشأن، تمثّل وسائط التواصُل الاجتماعيّ واحدة من أهمّ المنابر بما لها من ميزات تخدُم المجتمع، وما عليها من استخدام خاطئ يضرّ بسلامة الأشخاص والكنيسة والمجتمع. وانطلاقًا من ذلك رأتْ سلطةُ الكنيسةُ القبطيّة الكاثوليكيّة، أن تقدّم لأبنائها هذا التوجيه الرعويّ.

كادَ التطوّرُ السريع في تقنيات الاتّصال والتجسّس والاختراق الإلكترونيّ أن يقضي على الخصوصيّة. وباتت وسائطُ التواصلِ الاجتماعيِّ ساحاتٍ للتلصّص والابتزاز، بعد أن سَمحَت لمئات الملايين مِن النّاسِ باقتحامِ المجال العامّ دون تمييز والتزام، واستباحة خصوصيّة الغير بلا حرج واحترام. وأصبحنا جميعًا بلا استثناء أهدافًا مُحتمَلة للتلصّص أو الابتزاز عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ!

أوّلًا: أخلاقيّات استخدام وسائط التواصل الاجتماعيّ

أشار المجمع الفاتيكانيّ الثاني إلى تلك الوسائل كواحدة من آليات التقدّم والخيرات الأرضيّة والتي يجب أن تعمل للخير العامّ: «وإن كان لا بدَّ من التمييز الدقيق بين التقدّم الأرضيّ ونموّ ملكوت المسيح، فإنّ التقدّم الأرضيّ ذو أهميّة كبيرة بالنسبة إلى ملكوت الله، وذلك بقدر ما يسْهم في تنظيم المجتمع البشريّ تنظيماً أفضل وأكمل» إذًا في عمليّة التمييز الدقيق – التي تعني القدرة الجيدة على اختيار وتقرير ما ينفع ويبني- تتشكّل مبادئ وأخلاقيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ. ومن ثمّ تؤكّد الكنيسة على ضرورة أن تكون عمليّة التواصل لصالح خير المجتمع وبكلّ حرّيّة ومسؤوليّة: «تبادُل المعلومات والآراء بين الرعاة والمؤمنين، وحرّيّة التعبير المتعلّقة بخير الجماعة، ودور تعاليم الكنيسة في تعزيز هذا الخير عينه، والرأي العامّ المسؤول، كلّ ذلك من أشكال التعبير ذات الشأن المتّصلة بالحقّ الأساسيّ في الحوار والإعلام داخل الكنيسة.”

تتمّ عمليّة التمييز الدقيق تلك وفقًا لبعض المعايير الأخلاقيّة:

الأوّل: مدى توافق الوسيلة ومضمونها مع كرامة الإنسان: فلأنّ الإنسان هو مركز اهتمام الكنيسة، وجبَ ألّا تخلّ الرسالةُ، بأيّ شكل من الأشكال، بكرامته واحترامه وسمعته وحياته…إلخ؛

الثاني: ممارسة فضيلة الفِطنة: والتي تتطلّب ضرورة التحقّق الكامل من مصدر الرسالة، وصدقها وفائدتها وضرورتها، وكذا مدى توافقها مع إيمان الكنيسة، وذلك قبل التواصل بها؛

الثالث: أهميّة توصيل الرسالة بما يحترم المبادئ الأساسيّة المتعارف عليها في الحوار وآلياته، وهذا انطلاقًا من التزام المؤمن بمسؤوليّته في المساهمة في الخير العامّ وخلاص الأنفس.

كلُّ هذا يتطلّب من المؤمن التحلّي الدائم بالإصغاء لصوت الحقّ وهمسات الحقيقة، قبل أن يُقدم على التواصل بأيّ رسالة، هذا الإصغاء الذي عبّر عنه قداسة البابا فرنسيس كالتالي: «التواصل يعني المقاسمة، والمقاسمة تتطلّب الإصغاء والضيافة. الإصغاء أكثر من السمع. السمع يتعلّق ببيئة الإعلام؛ أمّا الإصغاء فهو مرتبط ببيئة التواصل ويتطلّب القرب من الآخرين. إن الإصغاء يسمح لنا بتبنّي الموقف الصحيح، وبالخروج من أوضاع المتفرّج أو المستخدم أو المستهلك. الإصغاء يعني أيضًا أن نكون قادرين على مقاسمة أسئلة وشكوك، وعلى السير في الدرب جنبًا إلى جنب، والتخلّص من غطرسة التسلّط ووضع قدراتنا ومواهبنا، بتواضع، في خدمة الخير العامّ. الإصغاء ليس سهلاً على الإطلاق. الإصغاء يعني التنبّه، والرغبة في الفهم، والتقييم والاحترام والحفاظ على كلمة الآخر. في الإصغاء يحصل نوع من الاستشهاد، التضحية بالذات، حيث يتجدّد الفعلُ المقدّس الذي قام به موسى أمام العلّيقة المشتعلة: أيّ خلع النعال على “الأرض المقدّسة” حيث يحصل التلاقي مع الآخر الذي يحدّثني. معرفة الإصغاء هي نعمة عظيمة، وهبة لا بدّ من طلبها مِن الله كي نتمرّن على ممارستها» .

ثانيًا، كيف ترى الكنيسة وسائط التواصل الاجتماعيّ؟

1)       “البيئة الرقميّة هي ساحة ومكان للتلاقي، حيث يمكن أن نعامل الآخر بلطف أو نجرحه، إمّا أن نقيم نقاشًا مثمرًا أو أن نقتل معنويًا” ؛

2)       “التكنولوجيا لا تحدّد أصالة التواصل، بل قلب الإنسان وقدرته على تحسين استخدام هذه الوسائل المتاحة لديه” ؛

3)       “مصدر معرفة وعلاقات كانت متعذِّرة فيما مضى… ” ؛

4)       تشكّل الشبكة فرصة لتعزيز اللقاء مع الآخرين” ؛

5)       “أداة يمكن وضعها بإبداعٍ لاستخدامها في مجالات مختلفة من الإدارة والتوجيه. الوعي النقدي لا يدفعنا إلى اعتبار هذه الأداة شرّيرة، وإنّما إلى قدرة أكبر على التمييز وحسٍّ أكثر نضجًا بالمسؤوليّة، سواء عند نشر المحتويات أو عند تلقّيها”.

6)       إنّ جذور مشكلة انفلات وسائط التواصل الاجتماعيّ تبدأ من إغفال دور مؤسّسات التنشئة: الأسرة، الكنيسة، المدرسة، …الخ) لتتشعّب المشكلة بأبعادها الاجتماعيّة والأخلاقيّة، ممّا يتطلّب مُعالجة تنطلق من تشخيص يؤكّد أنّنا جميعا مسؤولون وملامون:

‌أ.        الأسرة: تقع عليها المسؤوليّة مُباشرةً، إن سمحت لقيم غير منضبطة أن تملأ أرواح أبنائهم؛

‌ب.      المستخدمون: الذين يشاركون في رواج تلك الانحرافات، هم أنفسهم وقودها وسبب استمرارها.  يقول القديس يوحنا ذهبي الفم “إن كنت لا تستطيع أن تسدّ فم الذي يتكلّم على أخيه بالسوء، فعلى الأقلّ سدّ فمك أنت، ولا تتكلّم على أخيك بالشرّ”.

‌ج.       منصّات التواصل: التي تيسّر التلصّص والابتزاز ولم تزل قاصرة عن مواجهة الانفلات، وفرض آليات حماية حقّ الخصوصيّة؛

‌د.        أهل الضحايا: مسؤولون عن تطوّر وتفاقم أثار جرائم التعدّي على الخصوصيّة والابتزاز. فهم غالبًا لا يتركون للضحايا مساحة دعم آمنة. “إن كنت لا تستطيع أن تأخذ خطيئة غيرك وتنسبها إلى نفسك، وتحتمل الذنب بالنيابة عنه، وتضحّي بذاتك من أجل خطيئته، فعلى الأقلّ اصمت ولا تكشف خطايا الناس”.

يؤكّد قداسة البابا على إن التواصل الاجتماعيّ هو ” أن نقبل في داخلنا وننشر من حولنا دفء الكنيسة الأمّ، كي يكون يسوع معروفًا ومحبوبًا؛ فللتواصل القدرة على بناء جسور وتشجيع اللقاء والاندماج، مغنيًا هكذا المجتمع. ما أجمل أن نرى أشخاصًا ملتزمين بأن يختاروا بعناية، كلمات وأعمالا لتخطّي سوء الفهم، وشفاء الذاكرة المجروحة وبناء السلام والتناغم”.

أ) منافع شبكة الإنترنت

1)       تتغلّب شبكةُ الإنترنت على المسافة والانعزال، وذلك عبر إدخال الناس في اتّصال مع الأشخاص الذين يشبهونهم في المزاج والتفكير، ذوي الإرادة القويّة، المشتركين في جماعات الإيمان الحقيقيّة لتشجيع ودعم بعضهم؛

2)       تنقل الأخبار والمعلومات حول النشاطات، والأفكار، والشخصيات الدينيّة. وهي بمثابة ناقلٍ للتبشير والتعليم الدينيّ؛

3)       تُستخدَم بإبداعٍ في مجالات مختلفة من الإدارة والتوجيه؛

4)       تفتح قنواتٍ للتعبير عن الرأي العامّ، التفكير في أمورٍ أخرى كاستشارة أخصّائيين، وتحضير اجتماعات، والتعاون في وبين كنائس خاصة وهيئات دينيّة على الصعيد المحلّيّ والوطنيّ والدوليّ ؛

5)       تجعلنا جميعًا مسؤولين مستخدمين ومُنتفعين. يمكننا أن نصبح جميعًا شهودًا على أحداث كان من الممكن أن يتمّ تجاهلُها من قِبَل وسائل الإعلام التقليديّة، ونقدّم مساهمتنا المدنيّة ؛

6)       بفضل الشبكة لدينا الفرصة لنروي ما نراه، وما يحدث أمام أعيننا، ونشارك الشهادات ؛

7)       تُتيح أمام العديدِ من المستخدمين إمكانيّة التقاسُم الفوريّ للأنباء ونشرها على نطاق واسع للغاية ؛

8)       تقدّم فرصًا فريدةً لإعلان حقيقة المسيح الخلاصيّة للبشر أجمعين، بالنظر إلى قدرات الإنترنت الإيجابيّة في نقل المعلومات الدينيّة وفي التعليم فوق كلّ الحواجز والحدود؛

9)       تؤمّن دون انقطاعٍ الإلهام والتشجيع وفرص العبادة للأشخاص الذين يلازمون منزلهم وعملهم؛

10)    تيسّر للناس الوصول المباشر والسريع إلى المراجع الدينيّة: مكتبات كبيرة، ومتاحف، وأماكن عبادة، والمستندات الجامعيّة للسلطة التعليميّة، وكتابات آباء الكنيسة، والحِكَم الدينيّة القديمة.

ب) أضرار شبكة الإنترنت

1)       ظهور مواقع مقيتة مخصّصة للتشهير بالكنيسة الكاثوليكيّة ومهاجمتها؛

2)       انتشار مواقع الويب (web)، التي تدعو نفسها كاثوليكيّة، يشكّل مشكلةً من نوعٍ آخر؛

3)       تفاقُم ظاهرة الخطاب العدوانيّ والسلبيّ المتبادل تحت “عباءة الأسماء المستعارة”؛

4)       ضعف القدرة على التفكير بعمق وبشكل هادف؛

5)       تناضل باستمرار من أجل جذب الناس وتستغل رغبتنا البشريّة في الإقرار بها؛

6)       تجعل الفضول بحد ذاته أثمن الأصول والسلع؛

7)       تعزّز إغراء النشر المجانيّ والسريع، لمحتوى قد يتسبّب في سوء الفهم، ممّا يؤدّي إلى تفاقم الانقسام وتعميق التحيّزات.

8)       تُشعِل الرغبة في الحصول على المزيد من المحتوى ضمن خاصّيّة التصفّح اللامتناهي؛

9)       تُشجّع أحيانًا سلوكيّات متطرّفة؛

10)    تُوفّر المحتوى المصمّم عن قصد لإثارة الصراع بين المستخدمين.

ثالثًا: تحديّات تواجه التعامل المسيحيّ

مع وسائط التواصل الاجتماعيّ

من الملاحَظ أنّ مساحة “الإصغاء المتأنّي والانتباه وتمييز الحقيقة قد باتت نادرة الحدوث”. ومن المعلوم أنّ “من دون صمت، وخلق مساحة نفكّر فيها بتروٍ وبعمق وبشكل هادف، فإنّنا نخاطر ليس فقط بفقدان القدرات المعرفيّة، ولكن أيضًا بعمق علاقاتنا البشريّة والإلهيّة على حدٍ سواء” .

ومن ثمّ يواجه المسيحيّون في استخدامهم لوسائط التواصل الاجتماعيّ تحديّات عديدة منها:

1)       الدخول إلى حلقات مفرغة من الإدانة والانتقام والتي لا تزال تحاصر الأفراد والأمم، وتقود إلى التعبير برسائل كراهيّة؛

2)       الاستسلام لتجربة استغلال أوضاع مماثلة وبالتالي تأجيج نيران عدم الثقة والخوف؛

3)       ازدياد خطر إبعاد الأشخاص الذين نريد أن نقودهم إلى الارتداد والحرّيّة، من خلال تقوية مشاعر النبذ والدفاع لديهم عبر كلمات قاسية؛

4)       تستهدف النيل من المصداقيّة، إذ تعدّ من الأماكن الأكثر عرضة للتضليل والتشويه الواعي والمتعمِّد للوقائع والعلاقات الشخصيّة؛

5)       تُيسِّر التنمُّر الإلكترونيّ: “تُظهِر الإحصاءات أنّ شابًّا من بين أربعة يتورّط في حالات من تنمُّر إلكترونيّ” ؛

6)       يمكنها “أن تقوّي انعزالنا، كشبكة عنكبوت قادرة على أسْر الأشخاص” ؛

7)       الرغبة الملحّة في الانتشار قد تؤدّي إلى “تركيب المعلومات في غُرَف الأخبار، أمام أجهزة الكمبيوتر، في محطات الوكالات، وعلى الشبكات الاجتماعيّة، بدون الخروج إلى الشارع على الإطلاق، بدون لقاء الأشخاص للبحث عن قصص أو التحقّق من مواقف معينة وجهًا لوجه” ؛

8)       “التلاعب بسهولة بالأخبار وحتى بالصور، لألاف الأسباب، وأحيانًا حتى لمجرّد نرجسيّة مبتذَلة” ؛

9)       قد يؤجّج “التّواصل الافتراضيّ” حقدًا، يولِّد غضبًا، ويقود إلى المصادمة، بما لا يساعد الأشخاص على التفكير بهدوء، وفهم الواقع الذي يعيشون فيه بروح ناقدة واحترام؛

10)    تُرسّخ عادة تشويه سمعة الخصم بسرعة، من خلال إسناد ألقاب مهينة له، بدلًا من الدخول في حوار مُنفتح وباحترام..

رابعًا: الجانب القانونيّ

تدين قوانين الكنيسة فِعل التّشهير، فقد جرّمه المشرّع الكنسيّ واعتبره سلوكًا يمثّل مرضا من أمراض المجتمع وخطيئة عظيمة، لما فيها من ضرر للنفس وإفساد للمجتمع، وقطع جسور المحبّة وأواصر الأخوّة، إنّها تبذر بذور العداوة بين أفراد المجتمع فتنتشر بينهم الأحقاد والضغائن ومن ثمّ يقع الخلاف. 

وحيث إن “القوانين الكنسيّـة البحتة، تُلزِم المعمّديـن في الكنيسة الكاثوليكيّة أو المنتمّين إليها، ممّن يتمتّعون بما يكفي من الإدراك “. 

وقد رأى آباء سينودس الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة أنّه صار من الضروريّ أن توضّح الكنيسة المقدّسة ضوابط استخدام التكنولوجيا المتاحة بشكلٍ خلّاق، وفق معايير الآداب المسيحيّة والقوانين الكنسيّة. بما يؤهّلنا لنكون تلاميذًا لربّنا يسوع المسيح، مرسلين باسمه، ومستجيبين لقيادة الروح القدس.

ومِن ثمّ، يؤكّد آباء السينودس على التالي:

1)       “إنّ التوازن بين الحقوق والحرّيّات ضرورة، فلا يُعرَّض أحدٌ لتدخّل تعسّفي في حياته الخاصّة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته. ولكلّ شخص الحقّ في حماية القانون من مثل هذا التدخّل أو تلك الحملات” ؛

2)       إنّ الأثار الرعويّة والروحيّة والنفسيّة الناجمة عن الاستخدام غير الأخلاقيّ لوسائط التواصل الاجتماعيّ لا تقتصر نتائجُها السلبيّة على الضحايا فقط، بل تتجاوزها إلى جماعة الكنيسة كلّها. “مَن اتّهَم أحدًا زورًا بأيّ جريمة، يُعاقَب بعقوبة مناسبة، بما في ذلك عقوبة الحرم الكبير، لا سيّما إذا كان المتّهَم زورًا هو معرّف أو رئيس كنسيّ أو إكليريكيّ أو راهب أو عضو جمعيّة حياة مشتركة على غرار الرهبان، أو علماني مُقام في مهمّة كنسيّة ” . “التّشهير سلوك مرفوض، لأنّه حكم مسبق بدون محاكمة عادلة، فالاتّهام بارتكاب جُرم أو مخالفة لا يُسقط عن المُشهَّرِ به قرينة البراءة، فكلّ شخص متّهم بجريمة يعتبر بريئًا إلى أن تثبت إدانته قانونًا بمحاكمة علنيّة تُؤمَّن له فيها الضمانات الضروريّة للدفاع عنه”  ؛

3)       إنّ خطورة الاستخدام غير الأخلاقيّ، لوسائط التواصل الاجتماعيّ، تتفاقم عندما يستهدف الثقة في الكهنة أو الرهبان أو المكرّسين أو الشماسة أو الخدّام، لما في ذلك من هدمٍ لكلّ قدوة وتفكيكٍ لروابط الشركة الكنسيّة وزعزعة الثقة بين المؤمنين. ممّا ينعكس، على الكنيسة المقدّسة والمجتمع كافّةً، بالضرر لأبعد الحدود. لذلك يطاله التأديب الكنسيّ بعقوبات تصل إلى الحرم الكبير وأيضا “مَن أثارَ الفتن أو الكراهيّة ضدّ أيّ رئيس كنسيّ، أو حرّض الخاضعين له على عصيانه، يُعاقب بعقوبة مناسبة” 

إنّ التشهير نوع من الانتقام الناتج عن ضعف الإيمان ونقص المروءة وغياب مخافة الله. لما فيه من هتكٍ للأعراض وتعدٍّ على الحقوق، وافتراء وتنمّر، وتهديد لسِلم المجتمع وزعزعة الطمأنينة في الكنيسة. إنّه رذيلة تشير إلى تغلغل الكراهيّة لدرجة أفسدت نفس صاحبها وملأت قلبه بالحقد والضغينة، وأظهرت تناقضًا بين إيمانه بالكنيسة وبين ممارساته التي يجرّمها القانون وترفضها الأخلاق الإنسانيّة. “مَن أهان أحدا إهانة جسيمة، أو أساء إلى سمعته مفتريًا إساءة جسيمة، يُلزَم بتقديم تعويض مناسب؛ وإذا رفض يُعاقب بالحرم الصغير أو الوقف”.

خامسًا، توصيات

1.       تشجيع المبادرات التي ترفع وعي المؤمنين، وخاصّة الأسرة، بأخلاق النشر على الإنترنت وقواعد استخدام وسائط التواصل الاجتماعيّ دون تعدٍّ على خصوصيّة الآخرين ومعتقداتهم وقيمهم وأعرافهم؛

2.       ندعو القائمين على تنفيذ أنشطة التعليم المسيحيّ إلى العمل على رفع وعي الأطفال والشباب كي يستعملوا التكنولوجيا المتاحة بشكل مسؤول خلّاق، وفق معايير الآداب المسيحيّة، وتفادي السقوط فيما يضرّ بأمّنا الكنيسة.

كوبري القبة في 25مارس 2024

(المكتب الإعلامي الكاثوليكي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى