البابا فرنسيس للأميركيين: صوتوا للأقل شرًا
في خِضم الحديث عن المناظرة التي تمت بين الرئيس السابق دونالد ترمب، ونائبة الرئيس الأمريكي الحالي كمالا هاريس، ونصيحة الأب الأقدس للتصويت لمن هو “أقل شرًا”، وحيث يكثر الحديث واستطلاعات الرأي حول من سيفوز ومن سيخسر، وتعدد الآراء والتحاليل في هذا المضمار، فأنا لست هنا لأخوض في هذا، ولكني سأقتصر الحديث عن طبيعة حملة الانتخابات وأحداثها، وحيثياتها من منظار محلي وعن كثب.
نرى المرشحين للانتخابات الرئاسية في أكثر صورهم هشاشة. فيظهر الجانب السلبي من شخصياتهم أمام الملأ. فهم منهمكون في حملات انتخابية شرسة، تنال من كرامتهم، وتخوض في أعماق تاريخهم السياسي والاجتماعي. وتكثر فيها تبادل الاتهامات تلو الاتهامات، والوصف بالتقصير في حق الشعب الأمريكي أو في مخالفة القوانين والتلاعب فيها، وخصوصًا في مجال الضرائب وحقوق العمال.
فلو رجعنا في التاريخ للحملة الانتخابية التي دارت بين الرئيسين الأسبقين جورج بوش وبيل كلينتون، لوقفنا مندهشين ومتعجبين من قول جورج بوش عن بيل كلينتون: “إن كلبتي ميليا تفهم في السياسة الخارجية أكثر من كلينتون”.
ولو تمعنا قليلاً في المناظرة الأخيرة التي دارت بين ترمب وهاريس، للفت انتباهنا نعت كل منهما للآخر بالكذب. ويصل بهم الأمر إلى تغيير الحقائق وسردها على أنها حقيقة مسلمٌ بها، والكل يعلم أنها غير صحيحة. وكل هذا على مسمع ومرأى من العالم كله. والغريب في الأمر أن كلا الطرفين لا يأبه لما يقوله الآخر، ولا تثور ثائرته ويظهر غضبه أو يرفع صوته في وجه خصمه. لا بل إنهما يواصلان المناظرة ببرودة أعصاب وبكثير من الابتسامات الصفراء والاستهزائية من بعضهما البعض.
ووصلت بهما الجرأة لأن يتهم بعضهما الآخر بالعنصرية ضد الملونين، بينما يواجههم الطرف الآخر بأن المهاجرين غير الشرعيين أفسدوا البلاد حتى أنهم يأكلون القطط والكلاب. ويتهمهم بالإجرام والعبث بأمن البلد واستقراره. فهذه كمالا هاريس تنعت ترمب بالكاذب والمحتال، وبأنه كان غير منصف لمن كان تحت إمرته من العمال.
كل هذا يحدث هنا، على عكس ما رأيناه في الماضي من مقابلات تلفزيونية بُثت على بعض القنوات الفضائية لبلادنا، وأظهر فيها المتناظرون أسوأ التصرفات، لا بل وصلت بهم إلى الشجار بالأيدي أو بقذف بعضهم البعض بما طالت أيديهم، حتى قلب المنضدة التي كانت تتوسطهم.
والأغرب من ذلك، أنه حال انتهاء الحملات الانتخابية وإعلان من سيقيم في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات قادمة، يقف الجميع خلفه ويساندونه وكأن شيئًا لم يكن. طبعًا هذا السرد لا يشمل اعتراض ترمب على نتائج الانتخابات السابقة، واتهامه للديمقراطيين بسرقة الرئاسة منه.
يُصَعِّد الآن الديمقراطيون هجماتهم على مدى ملاءمة الرئيس السابق ترمب للمنصب في محاولة لخلق تناقض كبير مع نائبة الرئيس هاريس قبل أقل من أسبوعين من يوم الانتخابات.
كما وصفت هاريس (60 عامًا) في تصريحاتها للصحافة يوم الخميس المنصرم، الرئيس السابق ترمب (78 عامًا) بأنه “مرهق”. وفي وقت لاحق من ذلك المساء خلال تجمع حاشد في أتلانتا، أشارت هاريس إلى الرئيس السابق باعتباره “أكثر ارتباكا، وأكثر اضطرابًا، وأكثر غضبًا”. كما قام الرئيس الأسبق أوباما، والذي يمكن القول إنه أكبر مناصر لهاريس، بفتح خط هجوم قوي على الرئيس السابق، واصفًا ترمب بأنه “أكبر سنًا وأكثر جنونًا”.
صورٌ تتسم بالحقد والشراسة لدرجة كبيرة، وتنزل إلى درجات سحيقة من الانحطاط، فيحاول كل منهما وصف خصمه بالمجنون والمتكبر، أو المتباهي بنفسه ولا يهتم بالنظر إلى الشعب بل النظر إلى المرآة، بينا يتحدث الطرف الآخر عن مهارته في إدارة الاقتصاد، وينعت منافسته بعدم الفهم، ويعد الشعب برفع مستوى المعيشة وتخفيض الضرائب. وحتى هذه فإنها من الأسطوانات التي ملَّ الشعبُ الأمريكي سماعها. فعندما قال الرئيس السابق جورج بوش في حملة انتخاباته: “إقرأوا شفتي، لن يكون هناك ضرائب بعد الآن”. وما إن فاز بالانتخابات ولم يمضي على تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية ستة أشهر، حتى أعلن البيت الأبيض بزيادة الضرائب. فواعجباه!!
(أبونا)