قبل مغادرته إلى الأردن… البطريرك الراعي يُناشد ميقاتي: لتصويب الأمور!
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه النائب البطريركي المطران انطوان عوكر، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “اسمه يوحنا”، قال فيها: “الرحمة هي حاجة جيلنا وعالمنا: حاجة المتنازعين والمتخاصمين إلى الغفران والمصالحة؛ حاجة المظلومين والمهمشين إلى العدالة والإنصاف؛ حاجة الأجيال الطالعة إلى مكان في وطنهم، وإلى فرص عمل، وإلى مستقبل آمن وواعد، وإلى مجتمع أفضل. والفقراء بكل أنواع عوزهم، المادي والثقافي والإجتماعي، يحتاجون بالأكثر إلى رحمة تتجسد في أفعال المحبة والمبادرات الإنسانية والإنمائية، وفقا لحاجات الجسد والروح. يعدد كتاب التعليم المسيحي الحاجات الروحية والجسدية مستلهما إياها من الكتب المقدسة”.
وأردف: “الحاجات الروحية هي تربية الإيمان وتثقيفه والتعليم والإرشاد والتشجيع والتعزية والمصالحة والتفهم والغفران ورفع المعنويات وحماية الصيت واحترام الكرامة. والحاجات الجسدية هي إطعام الجائع، وإيواء الشريد، وإلباس العريان، وزيارة المريض والسجين، والتصدق على الفقير. إن تلبية كل هذه الحاجات للجسد والروح هي فعل عدالة وبر مرضي لله. فلا يكفي الكلام والدعوة والدعاء لسد هذه الحاجات، بل يجب الإلتزام شخصيا وجماعيا في أفعال المحبة على أنواعها، عملا بقول يعقوب الرسول: “إذا لم تعطوا العريان والجائع حاجات جسده، فأي نفع في ذلك. كذلك الإيمان؛ إن لم يقترن بالأعمال، فهو ميت في ذاته”؛ وبقول يوحنا الحبيب: “من كانت له خيرات الدنيا، ورأى بأخيه حاجة، فأغلق أحشاءه دون أخيه، فكيف تقيم فيه محبة الله؛ لا تكن محبتكم بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحق”.
وفي السياسة، قال: “الرحمة مطلوبة من كل مسؤول في الكنيسة والدولة: المسؤولون السياسيون عندنا ينتهكون بشكل سافر الرحمة ومقتضياتها تجاه المواطنين. وقد أوصلوا الدولة إلى تفككها، والشعب إلى حالة الفقر المدقع والحرمان، وحرموه حقوقه الأساسية والعيش بكرامة. وها معطلو نصاب جلسات مجلس النواب لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية يمعنون في ذلك، وكأن العمل السياسي أصبح وسيلة للهدم والقهر، بإسقاطه من كونه فنا شريفا لخدمة الخير العام. في لقائنا مع سفراء الدول العربية في سفارة لبنان في روما الأسبوع الماضي لمسنا استعدادا جامعا لمساعدة لبنان، البلد الذي يكنون له المحبة، لكننا وجدنا لديهم في المقابل، عتبا كبيرا على النواب الذين يمتنعون، عن انتخاب رئيس للجمهورية لأسباب ليس لها علاقة بمصلحة لبنان. وتساءلوا بأسى كيف أوصل المسؤولون بلادنا إلى هذه المرحلة من التدهور، وصموا آذانهم عن كل نصائح الدول الشقيقة والصديقة للمصالحة الوطنية العميقة”.
واضاف: “كان واضحا من مجمل الحديث أن مساعدة لبنان الفعلية مرتبطة بانتخاب رئيس أولا، وبتأليف حكومة قادرة على العمل وإجراء الإصلاحات، وبعودة لبنان إلى سياسته المحايدة والسلمية والخروج من المحاور الإقليمية، إلى بسط سلطة الدولة على كامل ترابها الوطني، والتنفيذ الجدي للقرارات الدولية، وأن تكون مؤسسات الدولة مستقلة وتعمل بانتظام حسب القوانين. إن بداية تكوين السلطة في أي بلد تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، لكن القوى المستقوية عندنا، حولت الرئاسة جبهة سياسية في محاور المنطقة وقررت، رغم معارضة الرأي العام، الاستئثار بها لتبقى دولة لبنان جزءا لا يتجزأ من محور الممانعة وحروبها واضطراباتها المستجدة، وتضع لبنان في صفوف الدول المعادية للأسرتين العربية والدولية وجزءا من العالم المتخلف حضاريا واقتصاديا وماليا على غرار وضع سائر دول الممانعة وقد كانت في ما مضى دولا موحدة ومستقرة وعلى طريق النمو. ومن المؤسف أن هذه القوى وحلفاءها لا تعير أي اهتمام لمصلحة لبنان. وهي مستعدة لاستنزاف الوقت أشهرا وربما سنوات للحصول على مبتغاها. لذلك ندعو مجددا رئيس مجلس النواب المؤتمن على إدارة الجلسات وتأمين الظروف الدستورية والنصاب الطبيعي الذي أشارت إليه المادة 49 من الدستور للإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، لكي لا يفقد المجلس النيابي مبرر وجوده كمركز لانبثاق السلطة”.
واردف: “إن هذا الإستخفاف في إنتخاب رئيس للدولة يضع الحكومة ورئيسها بين سندان حاجات المواطنين ومطرقة نواهي الدستور. فحكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جداول أعمال الأحزاب والكتل السياسية. ونتمنى على رئيس الحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي طالما نأى بنفسه عن الانقسامات الحادة، أن يصوب الأمور وهو يتحضر مبدئيا لعقد اجتماع يوم الإثنين المقبل. فالبلاد في غنى عن فتح سجالات طائفية، وخلق إشكالات جديدة، وتعريض الأمن للاهتزاز، وعن صراع مؤسسات، واختلاف على صلاحيات، ونتمنى على الحكومة خصوصا أن تبقى بعيدة عن تأثيرات من هنا وهناك لتحافظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال. من خلال ما أتيح لنا من لقاءات أخرى في روما، حز في نفسنا أن هناك فارقا كبيرا بين مشروع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم وبين مشروع المجتمع الدولي. فالدول المانحة لا تزال تربط العودة بالحل السياسي المعقد في سوريا وبالقرار الطوعي للنازحين، ولا تضغط على النظام السوري لاستعادة شعبه. أما نحن فنعتبر أن الظروف السورية صارت بغالبيتها مناسبة لعودة فورية للنازحين. والواجب الوطني يملي عليهم ذلك، حفاظا على وطنهم وتاريخهم وثقافتهم. إن بقاء نحو مليوني نازح سوري وغيرهم يغيرون هوية لبنان ونظامه وديمغرافيته ونسيج شعبه، ويشكلون خطرا على أمنه. ونناشد دولة رئيس الحكومة طرح هذا الموضوع دوليا، لاسيما في القمة العربية الصينية في التاسع من الشهر الحالي في المملكة العربية السعودية”.
وختم البطريرك الراعي عظته بالقول: “رغم كل هذه الصفحة السوداء يبقى الله سيد التاريخ. فنسأله وهو الرحوم، أن يشملنا ووطنا لبنان برحمته، ويخرج شعبنا من آلامه المريرة، ويذكي في قلوب الجميع شعلة الرحمة. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين”.
على صعيد آخر، يغادر البطريرك الراعي متوجهًا الى الأردن، في زيارة راعوية تستمر حتى يوم الخميس المقبل، بمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس رعيّة مار شربل، يتخللها لقاء مع الملك عبدالله الثاني، وعدد من المسؤولين الأردنيين ورؤساء الكنائس في المملكة.
(المصدر ابونا)