أخبار مشرقية

الكاردينال تشيرني يلتقي مفتي طرابلس في لبنان

مفتي طرابلس: ليشفي الله البابا لكي يعود سريعًا إلى قيادة حبريته

“أتمنى لقداسته الصحة والعافية، وأن يعود لممارسة مهامه المهمة على الساحة الدولية. لقد أحزننا كثيرًا أن نعلم أنه يمر بمشاكل صحية. نسأل الله أن يمنحه الشفاء التام، وأن يعيد إليه عافيته، ليتمكن من العودة إلى قيادة هذه الحبريّة النبيلة، حاملاً رسالة المحبة والتضامن وبلسم الجراح في مختلف الجماعات حول العالم.” بهذه الكلمات، وجه مفتي طرابلس، الشيخ محمد إمام، رسالته إلى البابا فرنسيس، الذي يتواجد في مستشفى جيملّي منذ 14 فبراير.

وكان المفتي قد التقى، الجمعة 21 فبراير، بالكاردينال مايكل تشيرني، رئيس دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة، الذي يواصل يومه الثالث من زيارته إلى لبنان، مع وقفة في طرابلس، المدينة الشمالية التي تعاني من معدلات فقر مرتفعة ومشاكل اجتماعية أخرى.

وعند استقبال الكاردينال في دار الفتوى، برفقة السفير البابوي المطران باولو بورجيا، ورئيس أساقفة طرابلس الماروني يوسف سويف، سأل المفتي عن صحة البابا: “كيف حال أبينا الأقدس العزيز؟” ووضع يده على قلبه عندما سمع عن تحسن طفيف في حالته. وعلّق الشيخ محمد إمام قائلاً: “قداسته هو محور سلام في العالم كلّه، وعضد للمحتاجين”.

بعدها شكر الشيخ محمد إمام الكاردينال تشيرني على زيارته التي، بحسبه، تُسعد الجماعة بأسرها، التي “تربَّت على العيش المشترك”. وقال “نحن سعداء جدًا باستقبال صاحب النيافة”. وأشاد المفتي باسم الدائرة التي يرأسها الكاردينال تشيرني –خدمة التنمية البشرية المتكاملة- معتبرًا أنها تسمية عظيمة لأنها تذكر بأننا جميعًا في خدمة الحياة”. وأضاف: “نشكر الفاتيكان على هذه الدائرة التي تعمل في جميع أنحاء العالم.”

وردّ الكاردينال تشيرني قائلاً: “لقد تعلمنا أن التنمية تعني تطور كل فرد في جميع الأبعاد، وتنمية الجميع وليس البعض فقط. ونحن نريد أن نرافق الكنيسة في التزامها على الأرض.” وهنا أجاب المفتي: “خير الإنسان هو أمر مشترك بيننا، فلنعمل معًا، كلٌّ بطريقته.” هذا وشدد المفتي على أن “لبنان هو مثال للانفتاح والتعايش، وهذا يحدث بشكل طبيعي دون عناء”. وأضاف: “لقد أظهرت الحرب شيئًا إيجابيًا: فقد جعلت التعاون بين جميع اللبنانيين أمرًا واضحًا، بغض النظر عن الدين. البعض ظن أنها ستسبب انقسامات، لكن العكس هو ما حدث.” وأثنى الكاردينال على هذا الواقع، معتبرًا أنه “مثال حي للأخوّة الإنسانية”، وهو ما يدعو إليه البابا فرنسيس دائمًا.

(راديو الفاتيكان)

.. ويزور اللاجئين السوريين في لبنان: البابا يبكي معكم

اختار الكاردينال مايكل تشيرني، عميد دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة، أن يدرج في مهمته إلى لبنان زيارة مخيم الاجئين السوريين في قرية كفردلاقوس، قضاء زغرتا، في محافظة شمال لبنان، وهو واحد من بين خمسين مخيمًا منتشراً في أنحاء البلاد. مكان لا يمكن وصفه إلا بكلمات البابا فرنسيس: “ضاحية وجوديّة”.

إنَّ المسألة معقدة، وتتداخل فيها مشكلة إغلاق الممرات الإنسانية من قبل الحكومات الأوروبية، بالإضافة إلى عدم كفاية المساعدات التي تقدمها من الأمم المتحدة: كل دولار يُستلم يتبخر أمام الديون التي تراكمها العائلات في المتاجر القريبة لشراء الطعام والاحتياجات الأساسية. ألف، ألف وخمسمائة، ألفا دولار.

“ديون، هذا كلُّ ما نملكه. لا شيء آخر”، تقول فطيم، 50 عامًا، سورية من حماة، تعيش في لبنان منذ اندلاع الحرب في 2011. تتحدث خلال لحظة حوار مع الكاردينال تحت خيمة تتساقط منها قطرات المطر: “الماء لدينا في كل مكان، فوقنا وتحتنا، لكن ليس للاستحمام. أطفالنا متسخون، لا يملكون ملابس نظيفة ولا يذهبون إلى المدرسة”. لذا، يتم إرسال الأطفال للعمل في الحقول أو لبيع علب المناديل الورقية في الشوارع.

كاريتاس لبنان

الكبار يبكون، والصغار يبتسمون. يتعلمون أغنية وتحيات باللغة الإيطالية مع الأب ميشال عبود، رئيس كاريتاس لبنان. يتبعون الكاردينال أثناء جولته في المكان، ينظرون بفضول إلى هذا الرجل الطويل، الذي يعتمر قلنسوة حمراء ويحمل صليبًا خشبيًّا. يصرخون ويلعبون طوال الوقت، بملابس متسخة وضيقة، بلا ألعاب، لكنهم يبتكرون وسيلة للهو بما يجدونه على الأرض.

بعض الأمهات صغيرات جدًّا في السن؛ وتشكّل النساء نصف السكان، وبسبب المعتقدات الدينية، لا يذهبن إلى المراكز الطبية إلا برفقة الأزواج أو الآباء. لذلك، وفّرت كاريتاس عيادة متنقلة: على عربة، صيدلية يتمُّ فيها قياس ضغط الدم وتوزيع الأدوية للأمراض المزمنة.

في إحدى “الغرف”، وهي ممر حجري ضيق ورطب، تم تجهيز ما يشبه العيادة حيث يعمل طبيبان، داليا وبيير، وقد وضعا سريرًا طبيًّا وجهازًا محمولاً للتصوير بالموجات فوق الصوتية. “نعاين ما لا يقل عن خمسين شخصًا يوميًّا، من بينهم 10 إلى 15 حالة حمل”، يوضحان. “ولكن لا، لا يحملن نتيجة اعتداءات جنسية”، تؤكد الطبيبة فورًا. تقدم كاريتاس المحلية الخدمة ذاتها عبر 11 وحدة متنقلة أخرى، ليس فقط في جميع مخيمات اللاجئين، بل أيضاً للفقراء اللبنانيين في القرى الأكثر عوزاً. لا توجد أولويات أو تفضيلات، بل فقط حالات طوارئ.

الحلم بالعودة إلى الديار

في مخيم  كفردلاقوس، هناك حالة طوارئ مستمرة: تارةً بسبب العدوى، وتارةً بسبب انقطاع المياه والكهرباء، لكن غالبًا ما يكون السبب هو نقص الغذاء واستحالة العيش بسبعة أو ثمانية، وأحيانًا حتى عشرة أشخاص – كما حدث خلال الحرب – داخل مكعب حجري، بأرضية وجدران مغطاة بالسجاد، ومطبخ صغير خلف ستارة تُستخدم أيضًا كخزانة.

الجميع يحلمون بالعودة إلى ديارهم: “الحمد لله، رحل نظام الأسد، نريد أن تعود الحياة كما كانت”، يقول الشاويش. لكن المشكلة أن “في سوريا لا يوجد شيء”. لم يذهب أحد للتحقق من الوضع، والخوف يتسلل بينهم من أن “الوضع الجديد” قد يتحول إلى شيء أسوأ من الوضع الذي فرّوا منه. في هذه الأثناء، لم يعُد اللبنانيون، الذين يعانون من أزمة اقتصادية خانقة، وانخفاض في الرواتب، وندرة في فرص العمل، قادرين على تحمّل عبء مليون ونصف مليون لاجئ على أراضيهم. دورة لا تنتهي. “إذا ضمن لنا أحد منزلاً في سوريا، يمكننا العودة”، يقولون.

“جئنا لكي نتعرف عليكم، ونُصغي إليكم، ونشارككم الرجاء في العودة إلى وطنكم، سوريا”، يؤكد الكاردينال تشيرني، إنَّ “البابا سعيد بوجودي بينكم، نحن نبكي على معاناتكم. البابا يبكي معكم، ويحبكم”. وفي طريق العودة إلى حريصا، علق الكاردينال تشيرني على زيارته قائلاً: “أنا عاجز عن الكلام أمام حياة تُعاش في أقصى درجات البؤس. إنَّ الظروف غير إنسانية، والناس يكافحون للبقاء على قيد الحياة، يريدون أن يعودوا إلى ديارهم، لكنهم يعلمون أن الأمر صعب. في الواقع، لم يعُد لديهم بيوت في سوريا”.

(راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى