
البابا يتابع سلسلة تعاليمه حول الشيخوخة متوقفاً عند الحوار بين يسوع وبطرس في نهاية إنجيل يوحنا
أجرى البابا فرنسيس مقابلته العامة المعتادة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان تابع خلالها سلسلة التعاليم حول الشيخوخة، متوقفاً عند الحوار الذي أقامه الرب يسوع مع القديس بطرس والذي يتضمن تعليماً قيماً لجميع التلاميذ، والمؤمنين، بما في ذلك المسنون، الذين يعتمدون على الآخرين، نتيجة هشاشتهم وضعفهم.
قال البابا: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، في مسيرة تعاليمنا حول الشيخوخة، نتأمل اليوم في الحوار بين يسوع القائم من الموت والقديس بطرس في نهاية إنجيل القديس يوحنا. إنه حوار مؤثّر، اتضحت من خلاله المحبة التي يكنها يسوع لتلاميذه، والإنسانية السامية التي ميزت علاقته بهم، خصوصا ببطرس: إنها علاقة حنونة، لكن ليست ساذجة، بل مباشرة، قوية، حرة ومنفتحة. إنها علاقة في إطار الحقيقة. إنجيل يوحنا، الروحاني والسامي يُختتم بطلب شغوف وبتقديم المحبة، بين يسوع وبطرس، وظهرت بشكل طبيعي كنقاش بينهما. ويقول يوحنا البشير إنه يشهد لحقيقة الأمور، التي فيها ينبغي أن نبحث عن الحقيقة.
مضى الحبر الأعظم إلى القول إنه باستطاعتنا أن نتساءل إذا ما كنا قادرين على الحفاظ على وتيرة العلاقة بين يسوع وتلاميذه، وفقَ نمطه المنفتح، والصريح والمباشر والإنساني الواقعي. ألا نسعى غالباً إلى اختتام شهادة الإنجيل في غلاف منمق، نضيف إليه شيئاً من إكرامنا الظرفي؟ هذا الموقف المتّسم بالاحترام، يبعدنا عن يسوع الحقيقي، ويصبح مناسبة لمسيرة إيمانية مجردة، ذاتية المرجع ودنيوية، وهي ليست درب يسوع كلمة الله المتجسد، الذي يحدثنا كإنسان وإله، بهذا الحنان، والقرب وبهذه الصداقة، وهو قريب منا.
ولفت البابا إلى أنه خلال النقاش بين يسوع وبطرس، نجد مقطعين يتعلقان بالشيخوخة وبالزمن: زمن الشهادة وزمن الحياة. أولا نجد تحذيرا من يسوع لبطرس، إذ يقول له إنه عندما كان شاباً كان مكتفيا ذاتياً، لكنه عندما سيشيخ لن يبقى سيد نفسه وحياته. كما أن شهادته أيضا سيرافقها هذا الضعف.
وشدد البابا على ضرورة أن يكون الإنسان شاهداً ليسوع حتى في الضعف والمرض والموت، وهذا ما كان يؤكد عليه القديس إغناطيوس دي لويولا. ويضيف يوحنا البشير تعليقه، موضحا أن يسوع تحدث عن الشهادة القصوى، أي شهادة الاستشهاد والموت. لكن باستطاعتنا أن نفهم بشكل عام معنى هذا التحذير: ينبغي على تلمذتك أن تتعلم من هشاشتك، من ضعفك ومن اعتمادك على الآخرين، حتى عندما يتعلق الأمر بارتداء الملابس والسير. لكن “اتبعني”،على حكمة التلمذة أن تجد الطريق كي تبقى ضمن إعلان الإيمان – أيها الرب، أنت تعلم أني أحبك – حتى في الظروف المحدودة نتيجة الضعف والشيخوخة. وأضاف فرنسيس أنه يحب أن يخاطب المسنين ناظراً في عيونهم، هذه العيون التي تقول أكثر من الكلمات، إنها شهادة الحياة. ولا بد من الحفاظ على هذا الأمر حتى النهاية.
هذا ثم أكد البابا فرنسيس أن الحوار بين يسوع وبطرس يتضمن تعليماً قيماً لجميع التلاميذ، وجميع المؤمنين، ولجميع المسنين أيضا. أن نتعلم من هشاشتنا كيف نعبر عن تماسك شهادتنا في إطار ظروف حياتية تُسند إلى الآخرين، وتعتمد بشكل كبير على مبادرة الآخرين. وإذ ينمو الاعتماد على الآخرين ينضج الإيمان، ويتدفق غنى الإيمان المعاش خلال مسيرة حياتنا. لكن علينا أن نتساءل من جديد: هل لدينا روحانية قادرة فعلا على التعامل مع هذا الزمن الطويل من الضعف، موكلين أنفسنا للغير أكثر من اعتمادنا على استقلاليتنا؟ كيف نبقى أمناء للتلمذة المعاشة، وللمحبة الموعودة، وللعدالة التي بحثنا عنها في زمن قدرتنا على المبادرة، وفي زمن الهشاشة والاعتماد على الآخرين والتخلي عن قيادة حياتنا؟
تابع الحبر الأعظم قائلا إن هذا الزمن الجديد هو أيضا زمن المحن، بدءا من التجربة – الإنسانية والماكرة في الآن معا – تجربة الحفاظ على دورنا الريادي. وعلى الأشخاص أن يقبلوا الانحناء أمام الشيخوخة. “ماذا عنه؟” قال بطرس عندما رأى التلميذ الحبيب الذي كان يتبعهما. أيجب أن يكون ضمن “تلمذتي”؟ أيجب ربما أن يأخذ مكاني؟ هل سيعيش أكثر مني ويحل مكاني؟ جاء رد يسوع صريحاً، وقاسيا: “ما همكَ أنتَ”، اعتن بحياتك وبوضعك الحالي، ولا تتدخل في حياة الآخرين. ما همك أنت، اتبعني، لا بد من اتّباع يسوع في الحياة والممات، في الصحة والمرض، وسط النجاحات والصعوبات. ينبغي على المسنين ألا يحسدوا الشبان الذين يأخذون مكانهم في المسيرة، والذين يعيشون لفترة أطول. إن شرف حفاظهم على الأمانة التي أقسموا عليها، أمانة اتّباع الإيمان، حتى وسط الظروف التي تقرّبهم من نهاية حياتهم، هو في الواقع سبب إعجاب لدى الأجيال القادمة، وامتنان من قبل الرب. وأشار البابا إلى أن حكمة المسنين تكمن في أن يتعلموا كيف يودعون الآخرين بطريقة جيدة، متنبهة ومع الابتسامة. حياة المسن هي وداع بطيء لكنه فرح. كم هو جميل عندما يقول المسن إنه عاش حياته، كان خاطئا لكنه صنع الخير أيضا. هذا السلام الذي يشعر به هو وداع المسن.
بعدها قال البابا فرنسيس إن التلمذة التي تصبح عقيمة عملياً لأسباب قاهرة، لكنها تثابر في التأمل والإصغاء لكلمة الله – كما فعلت مريم شقيقة أليعازر – ستصبح الجزء الأفضل من حياتهم. ولن تُؤخذ منهم على الإطلاق. ودعا البابا المؤمنين لأنهم ينظروا إلى المسنين ويساعدوهم على العيش وعلى التعبير عن حكمة حياتهم. وشدد على ضرورة أن ينظر المسنون إلى الشبان الذين سيتابعون المسيرة وسيحصدون ما زرعه المسنون وما لم يزرعوه لأنه لم تكن لديهم الشجاعة أو الفرصة. وقال إن المسن لا يشعر بالسعادة إن لم ينظر إلى الشبان، وهؤلاء لا يستطيعون متابعة مسيرتهم في الحياة دون النظر إلى المسنين.
( المصدر راديو الفاتيكان)