مقالات مختارة

الدعوة إلى الزواج ..الأب يعقوب جابر يعقوب، مطرانية اللاتين

إن التنشئة على الحبّ الحقيقي هي استعداد للدعوة للزواج، إذ يستطيع الأولاد والشباب أن يتعلّموا كيف يعيشون حياتهم الجنسية في إطار أخلاقيّ مسيحي ثابت. فمن خلال التنشئة على الحبّ الحقيقي الخالي من المصلحة، يستطيع الشباب أن يدرك أنَّ الزواج ليس مصلحة، بل هو سرّ عظيم. الوالدان المسيحيان عليهما الالتزام بتنشئة الأولاد على الحب وهذا يستند على وعيُهم لحبهم الزوجي، فالحبّ مصدره الله: “الله الذي هو حبٌّ” (1يو4/8)، وهو “الآب الذي منه تُؤْخَذ كل أبّوة في السماء والأرض” (أف3/15). إذن، فالزواج ليس وليد صُدْفة، بل هو ثمرة حبّ. فالزواج مؤسّسة أنشأها الله بحكمته لكي يحقِّق في البشريّة قَصْده، قَصْدَ الحبّ، فهذا يؤهّلنا لمشاركة الله في إنجاب وتربية البنين، لأن الزواج يمثِّل اتِّحاد المسيح بالكنيسة.

الحبّ الزوجيّ إنما هو حبّ بشريّ (حسي وروحي)، وهو حبّ كلي أمين وخصب. فالزوجان يتّحدان اتّحادًا وثيقًا للغاية حتى إِنهما يصيران “جسدًا واحدًا” (تك2/24). الزواج المسيحيّ هو سرّ يندمج به الجنس البشريّ في نهج القداسة والرباط في المحبّة. إنَّ قلب الإنسان يميل أولاً إلى أن يكون محبّوبًا، وأيضًا أن يحبّ، لأن الحبّ هو سبب وجوده. والحبّ أيضًا هو غاية وجوده، فإِنَّ الله خلقه بسبب الحب، وجعل الحبّ له غاية يسعى إليها، فمن الله وإلى الله، هذا هو الحبّ الذي يعبِّر عنه الإنسان ولا يستريح إلا فيه. فمن خلال الحبّ، تتكوَّن الأسرة وتكون مشاركة مع الله في الخلق من خلال الإنجاب والتربية والمحافظة على الخليقة.

إذن فالحبّ الزوجيّ ليس هو مجرَّد دافع غريزيّ أو عاطفي، بل هو فعلُ إرادة حر، مُعد للاستمرار والنمو في أفراح الحياة اليوميّة وآلامها، بحيث يصير الزوجان قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة ويبلغان معًا اكتمالهما الإنسانيّ. والأبناء هم أسمى عطايا الزواج، فمن خلال هذا السر العظيم- سرّ الزواج- تنتقل الحياة البشريّة من جيل إلى جيل.

وكما يوضّح لنا معلم الكنيسة كليمنس السكندري، بأنَّ الزواج هو أيضًا: “واجبًا نحو الوطن، واستمرارًا لنظام الأسرة، وكمالاً للعالم”.. فالهدف من الزواج هو: أولاً من أجل خير الوطن، وثانيًا من أجل إنجاب البنين والبنات، وثالثًا من أجل كمال العالم. إذن، بحسب تعاليم كليمنس، هدف الزواج هو إنجاب الأبناء، لأنه واجب على كل من يحب وطنه. ويرى كليمنس في الزواج فعلاً تعاونيًّا مع الخالق، يصبح الإنسان صورة الله، بقدر ما يتعاون مع الله في عمل خلق الإنسان. إنَّ إنجاب الأبناء لا يكون الهدف الوحيد للزواج، ويوضّح أيضًا أنّ الحبّ المتبادل، والمعاونة ومساندة الواحد للآخر تُوَحِّدُ الزوجين برباط أبدي. إنَّ للرجل والمرأة فضيلة مشتركة فإذا كان إلههما واحدًا، وسيدهما واحدًا أيضًا، فإنهما ينتميان إلى كنيسة واحدة، يمارسان الإيمان والتّواضع الواحد، غذاؤهُمَا واحد، وحمل بعضهم بعضًا في الحياة، في التنفس والنظر والسّمع والمعرفة والرّجاء والطّاعة والحب جميعهم بينهما واحد. وأولئك الذين لديهم حياة مشتركة ينالون النعمة المشتركة والخلاص المشترك. ويقول كليمنس: “من هم الاثنان أو الثلاثة الذين يجتمعون معًا باسم المسيح، فيحل الرب في وسطهم؟ أليس هؤلاء هم الرَجُل وزوجته وابنهما، فيرتبط الرَجُل والزوجة معًا بواسطة الله”. ويرى أنَّ الزواج أيضًا اتحاد روحيّ دينيّ بين الزوج والزوجة، فالحالة الزوجيّة مقدّسة. عندما يُقارن الزواج بالبتولية يرى الإنسان المتزوّج أسمى درجة من العازب، وأكثر استحقاقًا أمام الله. فكل هذا كان دفاعًا عن الزواج ضدّ الْغُنُوصِيّين الهراطقة، الذين كانوا يرفضون الزواج، وينادون بالزهد التام فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى