الرسالة العامة الرابعة للبابا فرنسيس التي أصدرها منذ أيام قليلة، تستعيد الفكر حول الحب البشري والحب الإلهي لقلب يسوع المسيح: لقد أحبناً، يقول القديس بولس، مشيرًا إلى المسيح لكي يجعلنا نكتشف أنّ لا شيء “مكنه أن يفصلنا عن هذه المحبة” (رو 8: 39).
لذا اليوم: نجدد عبادته الأصيلة لكي لا ننسى حنان الإيمان وفرح وضع ذواتنا في الخدمة وحماس الرسالة، لأن قلب يسوع يدفعنا لكي نحب، ويرسلنا إلى الإخوة. ففي مجتمع يشهد تكاثر “أشكال مختلفة من التديّن بدون أي علاقة شخصية مع إله المحبة”. بينما تنسى المسيحية في كثير من الأحيان حنان الإيمان وفرح التفاني في الخدمة وحماس الرسالة من شخص إلى شخص.
يشرح البابا فرنسيس أنه من خلال اللقاء بمحبة المسيح، نصبح قادرين على نسج روابط أخوية والاعتراف بكرامة كل إنسان والعناية معًا ببيتنا المشترك، لكي يتمكن العالم الذي يعيش وسط الحروب والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والاستهلاكية والاستخدام المعادي للبشرية للتكنولوجيا من استعادة ما هو أهم وضروري، وهو القلب.
كل ذلك في ظل الاحتفالات بالذكرى الـ ٣٥٠ لأول ظهور لقلب يسوع الأقدس للقديسة مارجريت ماري الاكوك في عام ١٦٧٣، والتي ستختتم في ٢٧ يونيو ٢٠٢٥.
تنقسم الرسالة إلى خمس فصول: يشرح الفصل الأول “أهمية القلب”، لماذا من الضروري “أن نعود إلى القلب”، في عالم نميل فيه إلى “أن نصبح مستهلكين نَهمين وعبيدًا لآليات السوق”؟ ويجيب من القلب تقودنا الأسئلة المهمة: ما هو المعنى الذي أريد أن يكون لحياتي، وخياراتي وأفعالي، من أنا أمام الله، الانتقاص الحالي، العقلانية اليونانية، وما قبل المسيحية والمثالية بعد المسيحية والمادية.
فالقلب هو “الذي يوحّد الأجزاء” ويجعل ممكنًا “كل رباط أصيل، لأن العلاقة التي لا تُبنى بالقلب تكون غير قادرة على تخطي تجزئة الفردية”، كما يقول أغناطيوس دي لويولا: قبول صداقة الرب هي مسألة القلب”.
ويخصَّص الفصل الثاني لتصرفات المسيح وكلمات المحبة التي قالها، وتُظهر أن يسوع يولي كل اهتمامه للأشخاص، لهمومهم ولآلامهم. إن كلمة محبته الأكثر بلاغة هي كونه “قد سُمِّر على الصليب”.
أما في الفصل الثالث، “محبة قلب يسوع المسيح، لا تشمل فقط المحبة الإلهية، بل تمتد إلى مشاعر المودة البشريّة”. إن قلبه، يتابع البابا فرنسيس مقتبسًا من البابا بندكتس السادس عشر يحتوي على “محبة ثلاثية”: محبة قلبه الجسدية الحساسة، ومحبته الروحية المزدوجة البشرية، والإلهية .
التعبُّد للقلب الأقدس يجمعهما معًا “لكي يغذّينا ويقرّبنا من الإنجيل”: لذا علينا بالخبرة الروحية الشخصية والالتزام الجماعي والإرسالي.
لقد أشار العديد من آباء الكنيسة إلى “جرح جنب يسوع كمصدر لماء الروح” وعلى رأسهم القديس أوغسطينوس الذي قال “فتح الطريق للتعبد للقلب الأقدس كمكان لقاء شخصي مع الرب” وتحت تأثير هذه الروحانية، تروي لنا القديسة مارجريت ماري الاكوك ظهورات يسوع في باراي لو مونيال، بين نهاية ديسمبر ١٦٧٣ و يونيو ١٦٧٥. فنقول “هذا هو القلب الذي أحب البشر كثيرًا ولم يدَّخر شيئًا، لدرجة أنه أفنى نفسه لكي يشهد على محبّته لهم. وتذكر الوثيقة عن القديسة تريز الطفل يسوع أنها كانت تسمّي يسوع ذلك الذي “يخفق قلبه في انسجام مع قلبي”.
ويتعمق الفصلان الرابع والخامس في “الحب بالحب”، في البعد الجماعي والاجتماعي والإرسالي لكل عبادة أصيلة لقلب المسيح، على مثال التزام القديس شارل دي فوكو الإرسالي الذي جعله “أخًا كونيًّا ” إذ سمح لقلب المسيح أن يصوغه، وأراد أن يستقبل في قلبه الأخوي البشرية المتألِّمة بأسرها، كذلك تذكّر الرسالة العامة القديس يوحنا بولس الثاني بأن ” التكرُّس لقلب المسيح” هو عمل الكنيسة الإرسالي.
ويختتم البابا بقوله نحن بحاجة إلى مرسلين شغوفين بمحبة الله، يسمحون للمسيح بأن “يستولي عليهم.”
وينهي البابا فرنسيس بهذه الصلاة: “أصلي إلى الرب يسوع لكي تتدفق من قلبه المقدس من أجلنا جميعًا أنهار ماء حي، تشفي الجراح التي نسببها لأنفسنا، وتقوي قدرتنا على الحب والخدمة، وتدفعنا لكي نتعلم أن نسير معًا نحو عالم عادل ومتضامن وأخوي. وذلك إلى أن نحتفل معًا متحدين بمأدبة الملكوت السماوي، حيث سيكون المسيح القائم من بين الأموات، الذي سيوفِّق بين جميع اختلافاتنا بالنور الذي يتدفّق بلا انقطاع من قلبه المفتوح. ليكن مباركًا إلى الأبد!”.