
لقد تخلصنا بفضل توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي من الكثير من المناطق العشوائية التي كانت تحيط بمدننا، والتي سكنها مواطنون بسطاء عاشوا على أطراف المدينة والمدنية، وتم بناء أحياء جديدة، بل مدن جديدة متطورة أدمية، تحافظ على كرامة الإنسان. وتم نقل السكان إليها، وفي الوقت نفسه، ازدادت الكومباوندات الفاخرة في المناطق القريبة من الصحراء، وتم توسيع بعض الشوارع وبناء الكباري وتأسيس منظومة نقل ومواصلات حديثة.
ولكن هل تخلصنا فعليا من العشوائيات؟
لا أظن ذلك. العشوائيات تتسع ورقعتها تزيد، لأن الاهتمام بالمناطق الجديدة وإهمال المناطق القديمة يحولها إلى عشوائيات. ويكفي إلقاء نظرة على الأحياء والمناطق القديمة والراقية، فنجد صيانة الشوارع مهملة، والمطبات تزداد اتساعاً، والأسفلت متهالك، والأرصفة الضيقة أصلا، أصبحت تشغلها المقاهي، والعمارات التراثية أصبحت أسطحها، بل شققها، مستعمرات من المطاعم من كل لون. وحتى لو جاء رئيس الحي بحملة للإزالة، هي حملة لزوم الشو الإعلامي لتهدئة ثورة السكان. والاهتمام من وزيرة الشئون المحلية يكون مؤقتا.
وبالنسبة للمرور، فالصراع قائم بين المترجل والسيارات: العشوائية في كل مكان والسيارات تسير عكس الاتجاه بكل جراءة، رغم وجود قانون صارم للمرور ورغم وجود كاميرات تصور كل شيء. لكن مع غياب “ضباط القانون” وحتى إن وُجدوا، فلا حول لهم ولا قوة.
خلاصة القول، نحن نشهد تحول المدن والأحياء القديمة إلى عشوائيات جديدة ستكلف أطنان من الأموال عندما نعي يوماً الخراب الذي حل بها. هذه المدن المرشحة للتحول للعشوائية يسكنها أكثر من 15 مليون مواطن في القاهرة وحدها، وأكثر من نصف سكان مصر، ويستمر اتساع رقعة العشوائية.
فإن لم يعد الانضباط إلى الشارع المصري لن يكون هناك دولة متحضرة فخورة بأثارها وتراثها وتاريخها. وإن لم نعد للنظام، لن يحترمنا الناس في الداخل والخارج بل ستكون هذه العشوائيات الجديدة سبباً في أن تكون طاردة لساكنيها. ولذلك فأنا أطالب مجلس الوزراء بإصدار ما يلزم من قوانين وقرارات وتدبير الاعتمادات المالية اللازمة وتدريب، وهذا هو الأهم، الكوادر البشرية اللازمة لوقف التدهور المتزايد يوماً بعد يوم، قبل فوات الأوان.