افتتاحية العدد

البابا العَلَم والعَالِم.. الأب رفيق جريش

في أخر يوم من عام 2022 أي يوم 31 ديسمبر والسنة تنطفىء انطفأ معها علماً وعالماً وهو قداسة البابا الشرفي بندكتس السادس عشر – والمعروف أيضاً بجوزيف راتسنجر الذي أعتلى في إبريل 2005 السدة البطرسية خلفاً للقديس البابا يوحنا بولس الثاني ليخرج من الظل إلى النور واتخذ اسم بندكتس تشفعاً بالقديس الكبير بندكتس شفيع قارة أوروبا وقد قبل بكل تواضع أن يكمل مسيرة سلفه حيث كانت الكنيسة في حالة انقسام بسبب جماعة المطران مارسيل لوفيفر الذي انشق عن الكنيسة وقد حاول الكاردينال راتسنجر رأب الصدع ولكن بدون جدوى. كذلك موجة انتقادات لكهنة متهمين بالاعتداء الجنسي على الأطفال مما جعل الرجل الأول للبابا يوحنا بولس الثاني يقبل بتواضع هذه الخدمة.

الأب جوزيف راتسنجر كان خبيراً في المجمع الفاتيكاني الثاني كان له إسهاماته في انطلاق الكنيسة نحو إفاق جديدة غير تقليدية ولذا عمل البابا بندكتس السادس عشر على تطبيق مقررات المجمع وهو الذي قال ” مازال المجمع الفاتيكاني الثاني إلى يومنا لم يطبق قراراته كاملة ” واستكمالاً لإعمال المجمع أصدر جوزيف راتسنجر مع لاهوتيين آخرين ” كتاب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية ” الذي هو ملخص ومرجع في الآن ذاته لتعاليم الكنيسة وهو كتاب لا غنى عنه لكل مطران وكاهن وخادم للكلمة، كما ألف قداسة البابا عدة مؤلفات لاهوتية كان قمتها كتاب عنوانه ” يسوع الناصري” وهو على ثلاث أجزاء نستطيع أن نقول عنه أنه خلاصة فكر البابا بندكتس.

كان لي الشرف أن أعمل خبيراً في سينودس الشرق الأوسط عام 2010 ورأيت عن كثب مدة 30 يوماً هذا الحبر الجليل كيف يفكر وكيف يتكلم وكيف يصلي كما كان لي الشرف أن أشرف على الترجمة العربية لكتاب ” يسوع الناصري ” الصادر عن دار الشروق الدولي مما مكنني الاطلاع العميق لفكر جوزيف راتسنجر.

كان يوم 11 فبراير 2013 يوماً غريباً لأن قداسة البابا بندكتس السادس عشر أعلن تخليه عن السدة البطرسية إذا شعر أن قواه تضعف وهذا عمل غير مسبوق منذ ستمائة عام، أن يتخلى بابا عن خدمته، فجميع الباباوات أدوا خدمتهم وماتوا وهم مازالوا يخدمون أما البابا بندكتس السادس عشر فضّل أن يعتكف ويسند الكنيسة بصلاته وتأملاته ودرسه.

ويؤكد المقربين له أن في الآونة الأخيرة كانت صحته عليلة رغم انه كان متقد الذهن، عُرف عن البابا أنه البابا الذي لا ينثني إلا للحقيقة ومرات كثيرة حث شعبه على مقاومة ” النسبية ” كما أكد مراراً على أهمية ” الإيمان والعلم ” فهما لا يتعارضان بل يكتملان لمزيد من المقاربة نحو الله.

الكلام عن رجل الله البابا بندكتس السادس عشر يحتاج إلى مجلدات ولكننا هنا نضع القليل جداً أمام القاريء العزيز عن هذا العلم والعالم الذي عرفته الكنيسة في الربع الأول من القرن الواحد والعشرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى