
صوم الميلاد هو رحلة استعداد.. إذ تستعد الكنيسة وتهيئ وتعد مؤمنيها لاستقبال الكلمة المتجسد، ليحل بالإيمان في قلوبنا. وندرك عظمة هذا السر خلال التأمل في إنجيل لوقا في قصة المرأة المنحنية (لوقا 13: 10-17). هذه المرأة تذكرنا بالأحمال التي يحملها الإنسان، والتي أدت إلى انحناء ظهرها. فنجد أن همومه، قلقه، إحباطاته، خطاياه وآلامه.. كل هذه الأحمال تجعل ظهر الإنسان ينحني. فلا يرى إلا تحت رجليه. فيصبح محدود النظر ويتقوقع في ذاته ينغلق في قبر ذاته. ولكن يسوع المسيح رفع هذه المرأة يوم السبت، ولم يبال بالشريعة.
يقول الكتاب انتصبت، أي استقامت، أصبحت ترى النور: وجه المسيح نظرها إلى اللامحدود، حياتها تغيرت، خرجت من قبرها لتستقبل المسيح في حياتها، فنرى محبة يسوع لهذه المرأة واهتمامه الشديد بأن يفك ويحل كل ربطها ويوقف سنين مرت على هذه المرأة وهي في معاناة ووحدة ويعطي عوضاً عنها سنين راحة وعزاء.
ونحن على أبواب عيد الميلاد، يسوع يأتي إلينا ليرفعنا من نفوسنا، من انحنائنا، من انغلاقنا، من إنسانياتنا المجروحة، يأتي إلينا قائلاً: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. أحملوا نيري وتعلموا مني تجدوا راحة لنفوسكم أنا وديع ومتواضع القلب نيري هين وحملي خفيف” (متى 11: 28-32).
إنّ عمل يسوع يدل على أن للإنسان قيمة سامية جداً في نظر الله، وقيمته هذه قد حملته على ألا يبخل بابنه الأوحد، بل أرسله إلى العالم ليُخلِّص الإنسان الخاطئ المُستعبَد للشريعة، ويُنقذه من عبودية الشيطان، ويفتح أمامه الطريق المؤدي إلى الحياة الأبدية.
فلنسجد للمسيح المخلص كما سجد المجوس. لنسجد له لا مقمطاً بأقمطة، بل جالساً على عرش المجد مع الآب والروح القدس، ولنقدم للمولود التوسلات الصادرة من قلب منكسر، بدلاً من الذهب واللبان والمر. وبما أن السيد المسيح يرتاح في المحبة، فلنسّيج ذواتنا بها، لنطعم الجائع، ولنسقِ العطشان، ولنكسُ العريان، ولنأوي الغريب، ولنَعُد المريض، ونظهر الرحمة للسجين. لنحب قريبنا كنفسنا، ونلقى أحمالنا عليه كي يحملها عنا ومعنا.