Uncategorized

هل للصوم من جدوى؟ للأب رفيق جريش

بعد أن مر الشعب المصري باختبار الصوم، إن كان صوم رمضان بالنسبة للمسلمين أو الصوم الأربعيني بالنسبة للمسيحيين الذين يتأهبون للاحتفال بعيد القيامة، وقد صادف أن يكون الصيامين متلازمين تحقيقاً للوحدة والمحبة الأخوية، ويتساءل المرء عن جدوى الصوم؟

فالصوم جُعل من أجل أن يتقرب الإنسان من ربه ويتدرب أيضاً على مكارم الأخلاق، فالصائم مثل الدودة التي تدخل في شرنقتها فيتبدل جلدها وتخرج فراشة جميلة طائرة بألوانها الزاهية والخلابة، فالصائم يدخل زمن الصوم وعلى أكتافه ذنوبه وخطاياه فيتشرنق فيتجدد ويخرج إنساناً جديداً متجدداً متحلياً بألوان زاهية من مكارم الأخلاق والتقوى والتسامح مع الأخر.. إلى آخره، وناشراً لمن حوله بكل ما هو جميل وطيب وزاهي.

لذا نستغرب أن البعض يشعر أن زمن الصوم هو سجن ينحبس فيه الإنسان مدة معينة وما أن تنفك أغلاله فيعود إلى قديمه فينشر القبح والعشوائية ومفاسد الأخلاق وغيرها من المفاسد، وهذا ينطبق علينا فنرى الشوارع مكتظة بالناس خاصة الشباب المتسكع وأكوام الزبالة تتراكم وأغلبها أكياس أكل من خبز وكشري وزجاجات مياه غازية ومعدنية، ناهيك عن الألفاظ البذيئة التي تجرح الأُذْن، كما أصبح التحرش سمة من سمات الاحتفال بالعيد في الحدائق وأمام دور السينما والشوارع تغلق، حيث تعدي المقاهي على نهر الطريق، والسيارات تصطف صف ثاني وثالث على الجانبين وكأن شرطة المرور غير متواجدة، ناهيك عن الألعاب النارية “البمب” المزعج الذي كان منذ وقت قريب ممنوع تداوله، وغيره، فبدلاً من أن الصائم يخرج بدروس مستفادة يزيد فيها إيمانه بالله واحترامه للآخرين ويزداد غيرة على وطنه يخرج كمن خرج من الحبس منطلقُا ومدمراً كل شيء بدءً من ذاته واحترامه لنفسه.

هنا أحُمل المؤسسات الدينية التي لم تستطيع إيصال الرسالة الدينية الصحيحة للناس خاصة للشباب كما يجب، فهؤلاء صاموا لأنهم تمسكوا بمظاهر الدين (إن صاموا) وليس بجوهره وغايته، والتي هي في الأساس تغيير الإنسان وتغيير مسار قلبه وذهنه وأخلاقه إلى الأفضل والأحسن والأجمل والتحلي بمكارم الأخلاق واحترام الآخرين وصيانة بلادنا، وليس العمل على تخريبها، فالدين إن لم يطبق في أرض الواقع ويترجم إلى تصرفات وأعمال صالحة للعباد سيظل الوحي الإلهي حبيس دفتي الكتب المقدسة دون أن يقوم بوظيفته التي أرادها الله بتغيير الإنسان وتصحيح المجتمعات وقيادتها إلى مسار ومسيرة تَقَويَة تقوي علاقة الإنسان بخالقه من جهة وبالآخرين من جهة أخرى، وأيضاً بالوطن، فالوطن إن تَكَونَ من مواطنين صالحين سيكون وطناً صالحاً ومتقدماً علماً وعملاً، وإن كان المواطنين غير صالحين وعشوائيين سينتج وطناً متخلفاً.

على الدولة واجب جسيم وهو عودة الانضباط للشارع المصري الذي تنتابه كثيرا من التسيب، فالدولة قادرة -إذا أرادت- فأطنان القوانين حاضرة وجاهزة للتنفيذ وعليها مع أجهزة الأعلام رفع مستوى الوعي عند المواطنين حتى يعود الشارع إلى نظافته وانضباطه وحسن السلوك.

نعم المؤسسات الدينية قصّرت في إفهام الناس ما هو الصيام الحقيقي وأن الصوم ليس سجناً بل حرية كاملة، لأن الإنسان الذي يختار بملء إرادته أن يصوم هو يجعل من صيامه تعهداً أمام ربه بأنه سيتغير إلى الأحسن، ومصر تستحق منا الاهتمام الأخلاقي والنظام، فنحن من نتغنى كل يوم بحضارة مصر القديمة التي علمت العالم الأخلاق والنظام والمنهجية في العمل والضمير المتقد، فعلينا أن نسير في نهجهم لنبني الجمهورية الجديدة وحضارتنا الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى