شارك عشرات الأشخاص، الخميس، في صلاة القدّاس في قره قوش للصلاة على أرواح ضحايا حريق اندلع بقاعة للأفراح في البلدة الواقعة في شمال العراق، وتقول السلطات إنه نجم عن “ألعاب نارية” ومواد بناء سريعة الاشتعال.
وقتل 100 شخص على الأقل وأصيب 150 آخرون بجروح وفق حصيلة غير نهائية نشرتها السلطات جراء الحريق الذي اندلع ليل الثلاثاء 26 سبتمبر، في قاعة الأفراح في قره قوش، وكان في القاعة التي لم تكن موافية لشروط السلامة نحو 900 مدعوّ لحظة وقوع الحريق، وفق وزارة الداخلية.
وفي كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك في قره قوش، الخميس، جلست نساء متشحات بالسواد على المقاعد الخشبية وبدا الحزن والألم على وجوههن، وعلى مقعد آخر عانقت امرأة رجلاً جالسًا إلى جانبها لم يتمكّن من كبت دموعه، من بين المشاركين أيضًا بعض الناجين منهم من ضمّدت يده المحروقة، ووضعت صور الضحايا من أطفال ورجال ونساء حول مذبح الكنيسة.
ارتجف صوت نجيبة يوحنا (البالغة 55 عامًا) فيما عدّدت أسماء أقربائها الذين فقدتهم في الحريق، وتقول هذه المرأة “شعور لا يمكن وصفه، لا أعرف ماذا أقول شعور قاسٍ جدًا وألم حزين بقلبنا هذه فاجعة لن تنّسى أبدًا”.
وزار البابا فرنسيس كنيسة الطاهرة في قره قوش في مارس 2021 خلال جولته التاريخية في العراق.
ومثل العديد من القرى والبلدات المسيحية في سهل نينوى، لحق دمار كبير بهذه البلدة على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في 2014، وغادر هذه البلدة غالبية أبنائها عندما وقعت في قبضة التنظيم المتطرف، لكنّ 26 ألف مسيحي عادوا إليها مذّاك، وأعيد إعمارها تدريجيًا، وغالبًا ما لا يتمّ الالتزام بتعليمات السلامة في العراق، لا سيّما في قطاعي البناء والنقل، كما أنّ البنى التحتية في هذا البلد متداعية نتيجة عقود من النزاعات، ما يؤدّي مرارًا إلى اندلاع حرائق وكوارث مميتة أخرى، وبحسب شهود عيان تحدّث إليهم فرانس برس، فإنّ الحريق اتى على قاعة الزفاف بسرعة قياسية.
وقال الدفاع المدني العراقي إن “معلومات أولية” تشير إلى أن سبب الحريق هو “استخدام الألعاب النارية أثناء حفل الزفاف” ممّا أدّى إلى “اشتعال النيران داخل القاعة بادئ الأمر”، فضلاً عن استخدام مواد بناء “سريعة الاشتعال” و”مخالفة لتعليمات السلامة” المنصوص عليها قانوناً، ما أسهم في زيادة شدّة الحريق.
وأوقفت القوات الأمنية العراقية 14 شخصًا “بينهم 10 عمال وصاحب القاعة و3 متورطين بإشعال الألعاب النارية خلال الحادث”، وفق وزارة الداخلية.
.. بالدموع والصلوات سكان قره قوش العراقية يودعون ضحايا الحريق الدامي
في مقبرة البلدة المسيحية الواقعة في سهل نينوى، تجمّع المئات من المشيّعين حول رؤساء الكنائس الذين رددوا ترانيم باللغتين السريانية والعربية، وتحت صورة للسيد المسيح وعلى وقع الصلوات، مرّرت النعوش الواحد تلو الآخر نحو المقبرة أمام أنظار المئات من المشيعين في بلدة قره قوش في شمال العراق الأربعاء، جاؤوا ليودّعوا بعض ضحايا الحريق المفجع الذي وقع خلال حفل زفاف الليلة الماضية.
على أكتافهم حمل رجال النعوش التي لفّ بعضها بالأبيض وزيّنت بالورود، فيما تصدّرت صور الضحايا المواكب، بينهم أطفال، وسارت النساء جنبًا إلى جنب، متكئات على أكتاف بعضهنّ البعض، ذارفات الدموع ومتشحات بالسواد تعبيرًا عن هول المأساة.
ليل الثلاثاء-الأربعاء، كان هؤلاء الذين يُنقلون إلى مثواهم الأخير من بين مئات المشاركين في حفل زفاف في البلدة المسيحيّة نفسها التي تعرف كذلك باسم الحمدانية، قبل أن ينشب حريق مفاجئ ويحوّل الفرح إلى حزن.
وخلال دقائق بل ثوانٍ تغيّرت حياة هؤلاء حين التهم الحريق قاعة الزفاف بسرعة قياسية كما قال شهود عيان، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت وسائل إعلام عراقية مقاطع فيديو صوّرها بعض الحاضرين قبيل اندلاع الحريق، تظهر أجهزة ألعاب نارية وهي تطلق الشرارات التي لامست سقف القاعة وأشعلته.
كلنا ميتون
في المقبرة في قره قوش وأمام المدافن العائلية المرصوصة بعضها قرب بعض وقف رجال ونساء يبكون بحرقة ويعبّرون بأصوات مرتجفة عن عمق الألم الذي يشعرون به، وركعت امرأة لتقبّل صورة شابة زيّنت بالورود، وجاءت سميرة شيتو ربّة المنزل البالغة 53 عامًا لدفن 15 شخصًا من أقربائها، وتقول المرأة “نحن دفنا 15 شخصًا… من الأب إلى أصغر طفل يبلغ أربع سنوات”.
وتضيف فيما ارتجف صوتها “توفي لنا أيضًا رجل وابنتاه التوأمان، لكن لم يعطونا إياهم بعد”، تتوقف المرأة بعد ذلك عن الكلام وتتنهد، ثم تسأل “من المسؤول؟ صاحب القاعة الذي لم يؤمن فيها ضمانًا”، وتكمل سميرة “لم يبق لدينا إحساس، أصبحنا جميعًا بلا إحساس، كلنا ميتون، لا يوجد شخص في قره قوش ليس ميتًا، ولا يوجد شخص لم يفقد شخصاً من أهل وأصدقاء”.
“حملت الجثث بيدي”
خلال مراسم التشييع ردّد المصلّون بصوت واحد، صلاتي “أبانا الذي في السماوات” و”السلام عليك يا مريم” ليرتفع بعدها صوت الترانيم من جديد، ويجول المشاركون بنعوش الضحايا المرفوعة على أكتافهم في باحة المقبرة، ورفض كثر من المشاركين في التشييع الكلام رداً على أسئلة صحافيين.
كان رونق صبيح البالغ 41 عامًا داخل القاعة حين هبّت النيران، ويروي “كان العروسان يرقصان قبل أن يتمّ تشغيل الألعاب النارية”، ويضيف هذا العامل بأجر يومي “كان السقف مزينًا بالريش، التقط الريش النيران… وشبّت نيران فظيعة”، ويكمل رونق أن “أفراد عائلتي سقطوا أرضًا وحاولت أن أسحبهم من بين الناس، وبدأنا نصرخ”، ويتابع “اتصلنا بالمطافي.. اتصلنا بكل العالم”، مضيفًا “أنا أخرجت جثثًا، حملتها بيدي، وضعناها في بطانيات، وأرسلناها إلى المستشفى”.
(أبونا)
بغديده تتشح بالسواد والعراق يعلن الحداد على أرواح ضحايا قاعة الأفراح
تسمر ملايين العراقيين على شاشات التلفاز لمتابعة اقسى حادثة تمر بها البلاد بعد أن أودى حريق هائل بضحايا العرس في قاعة الهيثم بقضاء الحمدانية (قره قوش).
نشب الحريق في الساعة العاشرة والنصف من ليلة يوم الثلاثاء الموافق 26 سبتمبر الذي نجم عن استخدام ألعاب نارية داخل القاعة لكي تمتد السنة اللهب لسقف القاعة المزين بورود صناعية لتشتعل فيها النيران وتسقط على رؤوس المدعوين، وتشير التقارير إلى أن القاعة افتقرت لتدابير السلامة وخلوها من أجهزة الإطفاء فضلا عن أن مواد إنشائها المتكون من مواد سريعة الاشتعال والتي أسهمت بامتداد النيران لمساحة القاعة بسرعة كبيرة، كما أن القاعة افتقرت لمخارج طوارئ وأبواب خروج أخرى غير الباب الرئيسي مما اضطر عناصر الدفاع المدني للاستعانة بآلية ثقيلة (شفل) لإحداث ثقوب في جدران القاعة الجانبية لإخراج الضحايا..
وأقيمت صلاة التشييع للضحايا في تمام الساعة الرابعة عصر الأربعاء، حيث بادرت الكنيسة في الحمدانية لتجهيز ذوي المتوفين بالتوابيت فيما أعلنت عن ترأس بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية صلاة الجناز لراحة نفس الموتى.
وخصصت قنوات فضائية ساعات لتغطية الحدث إعلاميًا بينما أبرزت فضائية العراقية استضافة خبراء أمنيين طالبوا بمحاسبة القائمقام لعدم التأكيد على حاجة القضاء من سيارات الإطفاء حيث تتوفر سيارتين إطفاء فقط في عموم مركز القضاء، فيما طالب آخرون بمحاسبة صاحب القاعة كونه المسئول على اتخاذ تدابير السلامة.
وفي وقت سابق من صباح الأربعاء أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الحداد في عموم مناطق العراق وإلغاء الاحتفالات بالمولد النبوي الذي يوافق اليوم، فيما أبرزت دوائر أخرى كالصحة والداخلية استنفارها في نقل المصابين حيث توزعوا على مستشفيات الموصل وأربيل ودهوك.
(عنكاوا)
البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان يتضامن مع قره قوش الثكلى
دعا بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان “إلى الصلاة بحرارة من أجل الضحايا الذين سقطوا جراء الحريق الكبير في حفلة أحد الأعراس في قره قوش (بغديده)، وسأل الرب يسوع أن يلطف ويتحنّن وينجّي شعبه، بشفاعة أمّنا مريم العذراء الطاهرة وجميع القديسين والشهداء” وأعرب غبطته “عن قربه الأبوي وتضامنه الكامل مع المطران بندكتس يونان حنّو رئيس أساقفة الموصل وتوابعها وجميع أبناء وبنات أبرشيته، إكليروساً ومؤمنين، ولا سيّما أبناء وبنات قره قوش (بغديده) الحبيبة والثكلى”.
وأقام بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان صباح الخميس -وكما جاء على الموقع الإلكتروني لبطريركية السريان الكاثوليك- القداس الإلهي ورتبة الجنّاز راحةً لنفوس الراقدين من ضحايا مجزرة وفاجعة سهرة عرس قره قوش (بغديده)، وذلك في كاتدرائية الطاهرة الكبرى في قره قوش، العراق، وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس تحدّث البطريرك يونان “بتأثُّر شديد عن هذه المجزرة والفاجعة الرهيبة، مشيراً إلى أنّه “في سفر الجامعة نقرأ هذه الكلمات: “لكلّ شيء وقت”، وقت للفرح، وقت للبكاء، وقت للحزن، ومار بولس يكتب ويذكّرنا أن نفرح مع الفرحين، ونحزن مع الحزانى”، وأشار غبطته إلى أنه “قبل أسبوعين، كنّا بينكم نفرح بعقد سينودس الأساقفة لكنيستنا السريانية الكاثوليكية هنا في بغديده. كانت فرحة لجميعنا، وكنّا نشكر الرب على هذه النعمة، واليوم نأتي لنبكي معكم وبينكم الضحايا التي تغرّبت عن هذه الدنيا الفانية، وغابت عنّا بالجسد، ولكنّنا نؤمن أنّهم معنا وبيننا وفي قلوبنا بالروح”، وأكّد البطريرك يونان على أنّه “لا يسعنا إلا أن نعود إلى جذور إيماننا، ونعود إلى هويتنا التي تدعونا أن نقبل مشيئة الرب، وأن نتبعه في طريق آلامه، وأن نشدّد ونعزّي بعضنا بعضاً، كي نتابع مسيرتنا على هذه الفانية حسبما يرضي الرب ويرضي المجتمع الكنسي الذي نعيش فيه، هذه المدينة التي نفتخر بها، والتي فُجِعَت بفقدان أحبّاء كثيرين من بينكم”، وختم بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان موعظته “ضارعًا “إلى الرب يسوع كي يقوّينا بشفاعة أمّنا مريم العذراء الطاهرة معزّية الحزانى ويساعدنا ويساعدكم على السير في طريق الرب حسبما يرضي مشيئته المقدسة”.
كما وترأس بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان عند الساعة العاشرة من صباح الخميس الثامن والعشرين من أيلول سبتمبر، “رتبة جنّاز ودفن كوكبة من أبناء وبنات الكنيسة السريانية الكاثوليكية من ضحايا مجزرة وفاجعة سهرة عرس بغديده، وذلك في مقبرة السريان الكاثوليك، قره قوش – العراق”، كما جاء نقلا عن الموقع الإلكتروني لبطريركية السريان الكاثوليك، وأقام البطريرك يونان “رتبة الجنّاز بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وخلالها تُلِيَت القراءات المقدسة والصلوات والترانيم طلباً لرحمة هؤلاء الراقدين على رجاء القيامة”. وخلال الرتبة، “صلّى غبطته بحرارة وتأثُّر بليغ بقلب أبوي مجروح ومكلوم من أجل راحة نفوس هذه الكوكبة من الراقدين، ضارعاً إلى الرب يسوع أن يسكنهم في ملكوته السماوي بين الأبرار والصالحين، وأن يبلسم قلوب أفراد عائلاتهم وأهلهم وذويهم، وقلوب كلّ أبناء بغديده، وأبرشية الموصل، راعياً وكهنةً ومؤمنين، بنعمة الصبر والعزاء، وبرجاء القيامة من بين الأموات”.
(راديو الفاتيكان)