سليمان شفيق يكتب: كيرلس وليم.. رحيل رجل عظيم من رجال الله
فقدت الإنسانية والمسيحية في مصر والعالم قديس معاصر وفارس من فرسان الخدمة المطران الشرفي للأقباط الكاثوليك بأسيوط أبينا الطوباوي الحبر الجليل كيرلس وليم، نلت بركة معرفته منذ عين مدرسا للكتاب المقدس والطقوس في الكلية الإكليريكية بالمعادي وتدرج إلى نائبا للرئيس من سنة 1983 إلى سنة 1986 ثم رئيسا للإكليريكية من 1986 إلى أن شرفت بحضور سيامته اسقفا لإيبارشية أسيوط باسم كيرلس وليم علي يد مثلث الرحمات الكاردينال الأنبا اسطفانوس الثاني في 3 يونيو 1990 متخذا شعارة الأسقفي “من أجلهم اقدس ذاتي” وبالفعل كان كذلك دائما.
وسيدنا الأنبا كيرلس من عائلة مؤسسة لكنيسة الأقباط الكاثوليك منذ القرن الثامن عشر جدة الأنبا كيرلس مقار (1895-1899) ، وُلِد في قرية الشنانية بأسيوط في 17 يناير سنة 1867، وأكمل دراسته في الكلية الإكليريكية الشرقية التابعة لجامعة القديس يوسف في بيروت فحصل منها على درجة الدكتوراه، وأجاد اللغات القبطية واليونانية والعبرية واللاتينية وأتقن الفرنسية حتى أنه نظم الشعر فيها وألف وهو طالب ثلاث روايات تمثيلية بالفرنسية ونظمها بالشعر وهي “إيمان لبنان” و”ملك رومة” و”شهيد خط الاستواء”، وسيم كاهنًا في يونيو سنة 1891م ثم عاد إلى مصر وعُين مدرسًا بالمدرسة الطائفية المجاورة لدار البطريركية في درب الجنينة بالقاهرة حيث ألف بالفرنسية والعربية عدة كتب وهي “دليل المصريين” و”المسيح عمانوئيل” و”تبرئه أوريجانوس” وهو عبارة عن ثلاث مجلدات، و”تصحيح تقويم كنيسة الإسكندرية من اليولياني إلى الغريغوري”.
وهب معظمها حياته للرهبنة والكهنوت:الأب كميل وليم، المدير السابق لكلية العلوم الدينية بالسكاكيني، والأب كرمي وليم من الآباء الساليزيان، والأب كمال وليم من الآباء الفرنسيسكان، والأخت كارمن وليم من راهبات القديس شارل بوروميه (الراهبات الألمانيات).
وللراحل تاريخ عظيم من طفولته حيث التحق بالإكليريكية الصغرى في طهطا ولم يكن قد تجاوز التاسعة من عمره ثم التحق بالكلية الإكليريكية بالمعادي في 28 سبتمبر 1955. ارتدى الثوب الإكليريكى في الو يونيو 1961 وكان شعاره يومها “حول عيني عن النظر إلى الباطل”.
عالم لاهوت كبير، حصل على ليسانس الدراسات اللاهوتية من الجامعة الأوربانية في 1969، وليسانس الفلسفة واللاهوت وتخصص في الدراسات الكتابية من المعهد الباباوي للكتاب المقدس في 1981، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعة الجريجورية بروما في 13 مايو 1983.
تمت سيامته الكهنوتية فى 10 يونيو 1974 ببلدته الشناينة عن يد مثلث الرحمات الأنبا يوحنا نوير، متخذا شعار” سأبشر باسمك إخوتى وأسبحك في وسط الكنيسة”، في عهد مثلث الرحمات الكاردينال الأنبا أسطفانوس الثاني بطريرك الأقباط الكاثوليك، عينه السينودس البطريركي برئاسة اللجنة الطقسية لمراجعة الكتب الطقسية، فقامت اللجنة بمراجعة وإعادة صياغة نص القداس الإلهي عام 1990 ونصوص سري المعمودية والميرون عام 1994 ونصوص طقس الزواج عان 1994 وكتاب صلاة الساعات أو الأجبية سنة 2002.
وكان من ثمار هذه اللجنة أيضا أن دعي نيافته لعقد لقاء مشترك بين اللجنة الطقسية للأقباط الكاثوليك واللجنة الطقسية للكنيسة الإثيوبية والكنيسة الأريترية حيث عقد هذا اللقاء الفريد بمطرانية أسيوط. ومازالت اللجنة تعمل جاهدة للتجديد الليتورجي لنصوص ما تبقى من صلوات الأسرار المقدسة.
نيافته يجيد العديد من اللغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية، والإيطالية، وكذلك اليونانية والقبطية ولديه علاقات طيبة وشاسعة على المستوى المحلي والدولي.
رحل الحبر الجليل بعد أن صار أولاده أساقفة ومطارنة كل من نيافة الأنبا دنيال والأنبا توماس والأنبا متي وعشرات من الكهنة والرهبان.
لن أنسي يوم الأربعاء 6 يناير 2021 صلاة قداس عيد الميلاد المجيد، بكاتدرائية أم المحبة الإلهية بمدينة أسيوط، قال نيافته بالرسالة الراعوية: “عيد الميلاد هو عيد الفرح لأن يسوع قد ولد من أجلنا، ونحن جميعًا مدعوون للذهاب نحوه، ويقدم لنا الرعاة مثالًا يمكننا أن نقتدي به. فعلينا نحن أيضًا أن نذهب إلى يسوع، بان نتخلص من سباتنا وضجرنا واللامبالاة والخوف لاسيما فى وقت الطوارئ الصحية هذا حيث يصعب أن نجد حماس الحياة والإيمان”.
“دعونا نتأمل ونصلي، وهنا أجمل مثال أعطتنا إياه أم يسوع، مريم، كانت تحفظ في قلبها وتتأمل. وبالتأمل ماذا نكتشف؟ يخبرنا القديس بولس وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ “لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ” خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. هنا نكتشف أن الله يظهر صلاحه في الطفل يسوع، في الطفل يسوع يظهر الله محبوبًا ومليئًا بالصلاح والوداعة. أن ندخل في حياة الله، ونصبح أبناء الله بالتبني، بواسطة المعمودية، هذا هو المعنى العظيم لعيد الميلاد” ليرحل عن عالمنا في الشهر المريمي للعذراء مريم شفيعته والتي أحبها حتي رحل وهو يصلي لها ومن أجلها.
(المصدر البوابة نيوز)