رسالة البابا فرنسيس إلى المشاركين في قمة دولية نظمتها في جنيف منظمة العمل الدولية
شارك أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين في أعمال القمة حول عالم العمل لعام ٢٠٢٣ والتي استضافتها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة.
قرأ نيافته على المؤتمرين رسالة من البابا فرنسيس حث من خلالها هذا الأخير الجميع على إطلاق مسار جديد يدعم مبادئ الكرامة البشرية والتعاضد والمساعدة في عالم العمل، ويحقق العدالة الاجتماعية بالنسبة للمهاجرين، مع التأكيد على التزام الكرسي الرسولي في تعزيز هذه العدالة الاجتماعية في بيئات العمل.
“الكرامة البشرية، التعاضد والمساعدة” هي الركائز الثلاث التي لا بد من الاستناد إليها كي لا تقتصر العدالة الاجتماعية على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وحسب” هذا ما شاء البابا فرنسيس أن يقوله من خلال الرسالة الموجهة إلى المشاركين في القمة حول عالم العمل التي عُقدت يومي الأربعاء والخميس في مقر المنظمة الدولية للعمل في جنيف حول موضوع “العدالة الاجتماعية للجميع” وشهدت مشاركة خبراء من مختلف أنحاء العالم ناقشوا على مدى يومين مسائل مرتبطة بالعمل والعمال. الكاردينال بارولين قرأ على الحاضرين رسالة البابا فرنسيس وحيا، باسم الحبر الأعظم، مبادرة إطلاق ما يُسمى بـ”التحالف العالمي من أجل العدالة الاجتماعية”، الذي أُعلن عنه خلال القمة، واصفا إياها بالمبادرة الحميدة والتي تتماشى مع تشجيع الكنيسة الكاثوليكية المؤمنين على أن يكونوا مواطنين مسؤولين.
أكد الحبر الأعظم في رسالته أن الكرسي الرسولي يبقى ملتزماً في دعم كل الجهود الهادفة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، لاسيما في أماكن العمل، واضعاً كل الأدوات المتاحة لديه بتصرف الجماعة الدولية، ومتقاسماً العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية. وإذ ذكّر بالعديد من الصراعات وانعدام الاستقرار في عالمنا المعاصر، عبر البابا عن أمله بأن يقدم “التحالف العالمي من أجل العدالة الاجتماعية” إسهامه في قضية السلام. ولفت إلى أن الكنيسة الكاثوليكية تؤكد أن الالتزام لصالح العدالة ينبغي أن يكون مرتبطا ارتباطاً وثيقاً بالالتزام لصالح السلام في العالم المعاصر.
بعدها أشار فرنسيس إلى أن نظرة السلام هذه، التي تدعمها العدالة الاجتماعية، قد تبدو يوطوبية، خصوصا بالنسبة لملايين الأشخاص في العالم الذين يقعون ضحية المصالح الاقتصادية والاستغلال العشوائي، ومن هم عاطلون عن العمل أو من يعملون مقابل أجر زهيد ويسعون جاهدين إلى البقاء على قيد الحياة. ومن بين هؤلاء العديد من العمال المهاجرين واللاجئين الذين يقومون بأعمال خطرة، قذرة وغير لائقة، وهذا ما يشير إلى أن كرامتهم البشرية تُداس بقسوة. وذكّر الحبر الأعظم في هذا السياق بأن الكنيسة الكاثوليكية، ومع أنها تدرك تماماً أنها لا تملك الحلول لكل المشاكل، تبقى ملتزمة في إعلان إنجيل السلام وفي التعاون مع كل السلطات الوطنية والدولية من أجل الحفاظ على هذا الخير الكوني الكبير، ألا وهو عطية السلام الذي تغذيه عدالة اجتماعية أصيلة.
لم تخل رسالة البابا إلى المشاركين في قمة منظمة العمل الدولية من الإشارة إلى التحديات التي برزت خلال الجائحة، معتبرا أنها تُظهر مدى أهمية إطلاق مسار جديد من التضامن، لذا من الأهمية بمكان أن نضع نصب أعيننا الأشخاص العائشين على هامش سوق العمل عندما نقوم بأي نقاش سياسي حول العدالة الاجتماعية. ودعا الحبر الأعظم إلى إشراك الأشخاص المهمشين، كي يتمكنوا من الإسهام في عملية صنع القرارات التي تقود إلى السلام في المجتمع، وكي تساهم العدالة الاجتماعية في مواجهة مسببات الفقر، شأن انعدام المساواة وغياب فرص العمل والسكن وإنكار الحقوق الاجتماعية وحقوق العمال. وهذا الأمر يتطلب أن توجّه الأنظار إلى أبعد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
هذا ثم توقف البابا فرنسيس عند أهمية احترام الكرامة البشرية، وهذا ما يقتضي الدفاع عن الحقوق الأساسية والرخاء بالنسبة لجميع الأفراد وتلبية احتياجاتهم المادية، النفسية والروحية، منذ تكون الحياة ولغاية موتها الطبيعي. وفيما يتعلق بالتعاضد شدد البابا على أنه يُظهر مدى اعتماد الأشخاص على بعضهم البعض، ويشكل نسيجاً للعلاقات الأصيلة، ويتطلب أن نعتني ببعضنا لاسيما بالأشخاص الضعفاء وضحايا الظلم والتمييز والفقر والعنف. ورأى فرنسيس في الختام أن المؤسسات أو السلطات قادرة على تقديم الدعم في المكان الملائم فيما يتمتع الأفراد والجماعات بحرية اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم، على المستوى المحلي، وهذا التوازن يضمن إسهام كل شخص وكل جماعة في عملية تقرير المصير.
( المصدر راديو الفاتيكان)