داليا داغر تكتب: وبالدم تعمدوا في المعمداني
تحصد غزة اليوم نتائج المصالح التاريخية والمقايضات والاتفاقيات العالمية؛
بالأمس القريب كانت المفاوضات على طاولة دولية ولم تكن فلسطين واحدةً من أساسياتها.
قلبت حماس الطاولة ولا نعرف حتى الآن إذا ما كانت تدرك جسامة ما سينتج عن هجومها، ولكن ما هو واضح أن الهدف منه هو القول، بعد كلّ هذا التاريخ من الاضطهاد والقتل والتضحيات والاستعمار، “إنّنا هنا! فإن أردتم إلغاءنا وتبرير قتلنا المحلَّل والحتميّ، فلنمُت في وطننا وعلى أرضنا!”.
وأتت النتيجة ردًّا همجيًا مبرّرًا عالميًا تحت شعار الدفاع عن النفس. وغدت الناس أرقامًا بلا وجوه ولا أسماء.. مجرّد أشلاء.. ولم يعد للإنسانية مكان! عامَ الحقد والشرّ وطغت العنصرية وأصبحت تتصدّر عناوين الصحف والنشرات الإخبارية.. أصبح أبناء غزة يُذكَرون وكأنهم ضحايا في مزادات علنية، أو في بورصة الضحايا البشرية، وصاروا مشهدًا من مشاهد اضطهاد المسيحيين ورميهم كقوتٍ للأسود أيام الرومانيين.
الشفقة والرحمة! كلمات لا يعرفها المجرمون.
كلّ ما يعرفونه هو القتل والإجرام والإبادة والمجازر ومعمودية الدم!
لم تعد الحرب حربًا بهدف الانتصار! أيّ نصر هذا الذي يمعن في سفك دماء الأبرياء؟
الجميع خاسر!
وإسرائيل الخاسر الأكبر، رغم كلّ قوّتها والدعم العسكري والمعنوي العالمي الذي تحظى به؛ خسرت كلّ ما يشير إلى مقومات دولة لديها مؤسسات تسعى إلى المحافظة على الشعب، وبرزت أكثر فأكثر كدولة معادية وعدوانية، تتغذى على الدم والقتل والاعتداء والهدم !وشعبها خائف مثل كل شعوب المنطقة.
وغزّة خسرت أيضًا! وها هي تخسر كهولها وشبابها وأطفالها وبنيانها .
ودول العالم كذلك خسرت! خسرت إنسانيّتها ودمّرت حقوق الإنسان وشرعتها الدولية!
ولم تأبه للطريقة التي تعتمدها لتحقيق مصالحها،
فكان ذلك على حساب دماء شعب لا ذنب له إلا أنّه متمسك بأرضه!
مَن الذي سيَخلص من هذه الهمجية المتوحشة؟
ربما في ظل هذا التغيير الإعلامي الحديث، حيث لكلّ إنسان ما يوثّقه ويعبّر عنه بواسطة هاتفه الخليوي، بما يساهم في إيقاظ ضمائر الآخرين النائمين أو المتغاضين عن الحقيقة. نعم! لم يعد هناك من مجرّد بيانات للزعماء يتبنّاها المواطن دعمًا لزعيمه وتبثها وسائل إعلامية رسمية، تظهر ما يناسبها وتخفي ما لا يناسبها. نعم! ربما شعوب الدول بما تنقله وتراه وتشعر به، تستطيع أن تؤثّر دوليًا واجتماعيًا ووطنيًا وتستطيع أن تمارس ضغطا على حكّامها.
نعم! كلّنا مسؤول! ويمكن لكلٍّ منّا، وبحسب موقعه، أن يقوم برفع الصوت وبالمطالبة بالحدّ من هذا الإجرام على مختلف الأصعدة والمحاور، لأنّ ما يحصل في غزّة، وإذا بقيت مصالح الدول أولوية تعلو مصالح شعوبها ومصائرهم، فما يحصل في غزّة اليوم، يمكن أن يطال أي بلد في العالم، مهما كان محصّنًا عسكريًا وأمنيًا ودوليًّا وحتى نوويًا.
فلنتعمّد بالإنسانية وفاءً لمن تعمّدوا بالدم…
ستنتهي الحرب وسيجلس القادة على طاولة مفاوضات أخرى!
فلنضغط بما أوتينا من قوّة من أجل السلام العالمي!
ولتكن معمودية سلام إنسانيّة… لا معمودية دم وحشية!
(أبونا)