من الكلمات الرئيسية في الإنجيل هي “النور” والمقصود هنا ليس نور الكهرباء أو نور الشموع ولكن نور روحاني وهو نور الرب يسوع المسيح ولذلك موضوع النور مهم جدا في الكتاب المقدس لذلك يوجد 93 أية في العهد القديم يكلمنا عن النور و 50 أية في العهد الجديد وهذا يعني أن 143 أية تكلمنا عن النور.
يقول لنا سفر التكوين في أولى صفحاته : ” الله خلق النور وفصل ما بين النور والظلمة ” (تك 1 : 3) الكتاب المقدس كتاباً روحانياً وليس كتاب علوم والله خلق النور قبل الشمس ويقصد أن نور المسيح موجود منذ البدء. كما نقرأ في يوحنا ” فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ “. إذا هذا النور المقصود هو نور الرب يسوع المسيح الموجود ومنذ الأزل أما الظلمة يقصد بها الشر والشيطان والشرير وكل شيء ضد النور أو بالأحرى غياب النور ولذلك أول عمل قام به الخالق الفصل بين النور والظلمة (تك 1: 3-4). الكتاب المقدس من أوله يقول لنا انه توجد معركة بين النور والظلمة، أشبه بصراع بين القيامة والموت. ولذلك يصف كاتب المزمور “الله ملتحف کنور کرداء” (مز104: 2). وكأن الرداء هو نور في الله.
في سفر الحكمة يحدثنا عن مرآة نقية تعكس النور الأزلى (حكمة 7: 26) الذي هو الله أما أشعيا النبي أيضاً يقول لنا “جعلتك عهداً للشعوب ونوراً لهداية الأمم ” (اشع 42: 6). جعلنا نحن شعب الله المُعمَد النور ويضيف ” فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ ” (يو1: 4-5).
نجد أيضا ذكرى عيد التجلي عندما تغير شكل الرب يسوع و ” أصبح منظره أبيض في أبيض “(مت17: 1-2). لدرجة أن التلاميذ الثلاثة الذين كانوا معه لم يستطيعوا أن يفتحوا أعينهم أمام هذا البهاء الإلهي مندهشين يا ليت يكون لنا هذا الاندهاش العظيم أمام عمل الله في حياتنا وفي أعمالنا رغم كل الصعوبات والمشاكل التي نمر بها ولكن يظل هناك نور المسيح الذي يضيء للجميع ولذلك نصلي يوم سبت النور “النور الإلهي” وننشد “أيها النور البهي ” وهذا النشيد من أوائل القرن الثاني، إذاً الكنيسة منذ بدايتها ترى في الله هذا النور الذي لا ينطفئ هذا النور الأزلي، وعندما يقول يسوع أنا نور يقول عنا “أنتم نور العالم” كما نقرأ ونؤمن في قانون الإيمان.
والغريب أن في النص اليوناني الأصلي لا يقول يسوع أنا نور العالم بل يقول شيء أعمق “حيث أكون أنا، نوره أكون ” يعنى لا يوجد نور إلا الرب يسوع المسيح للأسف نؤخذ في حياتنا بأنوار أخرى كأضواء الإعلانات، والحياة الاستهلاكية، وأضواء الحياة الاجتماعية، وأضواء التباهي، وكل ما إلى ذلك ولكن ننسى أن النور الذي هو فيه هو الذي ينير الطريق نحو الله الأب، هو يظهر أعمال الله في قلوبنا وحياتنا وينير ظلمات قلوبنا المخفية.
وفي ختام تاريخ الخلاص سيكون الله نفسه نور الخليقة الجديدة (رؤيا 21: 5 و23) “فالله هو النور الذي لا مغيب له “(ايو 1: 5) يعنى النور الذي لا ينطفئ ابدأ، يبقى طول النهار نهار لأننا أمام العرش الإلهي المضيء طوال الوقت لأنه هو النور الأزلي، نتذكر أيضا في العهد الجديد الأعمى منذ مولده و الأعميين من أريحا وكل الشفاءات التي فعلها الرب يسوع المسيح وكان يشفي المرضى ويفتح عيون العمي ليس لكي يكون عندهم نور ولا بصر بل ليكون عندهم بصيرة. والبصيرة تعني أن يكون هناك التمييز الروحي في حياتنا ونعرف الصالح من الطالح. ولذلك يقول أيضاً سراج الجسد العين ليكون جسده كله نيراً. إذا كان سلوكنا ليس منيراً بالمسيح، إذا أقوالنا ليست منيرة بالمسيح وأي تصرف لا يوجد فيه نور المسيح إذا نحن نكون في الظلمة وهو يدعونا “فليضيء نوركم قدام الناس”. وبولس يكلمنا عن “سلاح النور” (روم 13: 12 ) أي أعمالنا يجب ان تكون كلها نيرة ومنيرة.
لنكون أبناء “النور والنهار” (1 تس 5: 5). الحياة الآخرة هو النور الأبدي الذي نسير نحوه.