البطريرك ساكو يكتب: سحب المرسوم 147 ومحرقة قره قوش استهداف للمسيحيين
كان المسيحيون أهل البلد الأصليون منارات الأمل في تثقيف وتجديد مجتمعهم، كما فعلوا في زمن الدولة العباسية “بيت الحكمة” حيث ترجموا المعرفة اليونانية إلى السريانية والعربية، ومن بغداد صدّروها إلى الغرب، كذلك كان دورهم الريادي عند تشكيل دولة العراق بعد الحرب العالمية الأولى.
ثراء تقاليد المسيحيين وحيوية ثقافتهم وانفتاحهم هو مصدر فرح وحياة للوطن، اذا أتيح لهم، لكن لا يبدو أن ثمة إرادة طيبة لهذا التعايش الأخوي الآمن فنكران جميلهم أدى الى ظلمهم ودفعهم إلى الهجرة وخسر العراق بذلك مهاراتهم، فيما يأتي أسوق حادثتين “حاليتين” ترسّخان هذه القناعة.
1. سحب المرسوم من البطريرك الكلداني
يبدو أن رئيس الجمهورية لا يُميّز بين المرجعيات المسيحية: الكاردينال مساعدٌ لبابا الفاتيكان، وناخبٌ للبابا ويُمكن ان يُنتخب بابا، البطريرك هو الرئيس الأعلى لكنيسة شرقية في بلده الأم والعالم. وهو مُنتخب قانونيًّا من قبل الأساقفة، وبالنسبة للكاثوليك يُثبّت رسميًّا فور انتخابه من قبل البابا (بمرسوم بابوي)، وبعده يصدر من الدولة التي فيها مقرَّه (الكرسي البطريركي) مرسوم يعترف به بطريركًا ويعلنه متوليًّا على أوقاف كنيسته.
الأسقف هو رئيس وحدة إدارية تسمى أبرشية وهو مرتبط بالبطريرك.
في حدثٍ غير مسبوق، ولأول مرة في تاريخ العراق، منذ زمن الخلفاء الراشدين، وبطريقة متعمّدة ومخالفة للدستور، تفتقر إلى اللياقة الأدبية، سحب رئيس الجمهورية العراقية الحالي الدكتور عبد اللطيف رشيد المرسوم الجمهوري رقم 147 الصادر 2013، والذي يُعرِّف بالبطريرك كرئيس أعلى للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، وذلك بإصدار المرسوم رقم 31 والمنشور 3 يوليو 2023 على جريدة الوقائع العراقية بدون ذكر اسم البطريرك، وكأن لا اسم له، ودون تبليغ غبطته، في محاولة كيدية لتفويت الفرصة عليه بالطعن في القرار قبل نهاية المدة المحددة. كذلك جاء في مرسوم السحب: “على الجهات ذات العلاقة تنفيذ المرسوم بالحرف؟” انه سحب الاعتراف بالبطريرك.
هذا التصرُّف بحد ذاته غير مقبول واعتداء سافر على المسيحيين وعلى الكنيسة الكاثوليكية التي ينتمي إليها البطريرك الكاردينال ساكو، ومن دون مسوغ قانوني ولا سلوك أخلاقي يبرّر هذا الفعل غير المنصف. والأنكى من ذلك أن يُصدر مكتب رئيس الجمهورية بتاريخ 7 يوليو 2023 وبعد أربعة أيام من سحب المرسوم 147، توضيحًا متناقضًا ينص على أن سحب المرسوم لا يؤثر على الوضع الديني والقانوني للبطريرك، الذي هو شخصية وطنية محترمة، لماذا إذًا سحب المرسوم خصوصًا وان للبطريرك علاقة طيبة مع فخامته؟
وجَّهتُ الى فخامته ثلاث رسائل، لكنه لم يُجِب! هذا سلوك ينمّ عن قلة احترام لأكبر مرجعية مسيحية في العراق؟ هل يستطيع فعل ذلك مع مرجعية مسلمة؟
ثم قدّمت تظلُّمًا بتاريخ 27 يوليو 2023 فرفضه.
يتضح جليًا أن الهدف من هذا الإجراء “غير المدروس” هو تخويف المكوّن المسيحي وتهجيره للاستحواذ على مقدَّراته وأملاكه كما حصل مع اليهود!
قبل بضعة أيام بثّت قناة الشرقية التلفزيونية في نشرة الحصاد خبرًا (فيديو) عن مناشدة عائلة مسيحية تسكن في بيت للكنيسة الكلدانية في حي الكرادة وسط بغداد، فوجئت بجماعة معينة دخلت إليها لتأمرهم بمغادرة البيت وتسليمه لهم، فردَّت السيدة (المسكينة وصاحبة أطفال) أن هذا البيت هو للكنيسة الكلدانية – للبطريرك ساكو، قالوا لها انه غادر بغداد؟ معروف عن هذه الجماعة فبركة الأكاذيب والشائعات في القناة التلفزيونية التي تملكها.
2. مَحرَقة قره قوش – الحمدانية
كل المؤشرات تؤكد أن الحريق في قاعة الهيثم عمل إرهابي مقصود وليس حَدَثًا عابرًا، وفاة 157 شخص لحد الآن وجرح عدد كبير من المشاركين في الحفل، حادثة مُفجِعة حوَّلت الفرح والحياة الجميلة إلى موت ومأتم، هذا العمل الشنيع هو الآخر استهداف للمسيحيين وإجبارهم على مغادرة البلدة لكي تستولي عليها هذه الميليشيا وتغيِّر ديمجرافيتها.
إذ كيف يتجاسر أحد المنتمين إلى هذه الميليشيا، وهو نائب في البرلمان العراقي، أن يهدّد الشباب الغاضب ضد هذه المجزرة قائلاً لهم أمام مطرانهم الشجاع (بندكتس يونان حنو) الذي لم يبع نفسه لأحد: إن لم تسكتوا سوف نقتل في المرة القادمة 300 شخص منكم. من هذا حتى يهدد؟ هذا فرهود؟
البلد يصبح غابة من دون عدالة ولا سلام. المسيحيون خائفون على مستقبلهم في العراق ومرعوبون. الهدف واضح من سحب المرسوم ومجزرة عرس قره قوش، لكننا نقول للمعتدين: الحق سينتصر مهما طال الأمر ومهما كلَّف من تضحيات.
فالله يُمهِل ولا يُهمِل
(أبونا)