البطريرك ساكو في رسالة إلى الكلدان في العالم: الوحدة ثم الوحدة
هناك حالة انقسامات سياسية ومكوناتية رهيبة في منطقة الشرق الأوسط، لم تجلب له سوى الشرّ.
هذه الظاهرة نعيشها في العراق، حيث عملت جهات دولية وإقليمية وأحزاب مموّلة لتقسيم العراقيين، على أساس مكونات طائفية بإيديولوجية متشددة وولاءات. وتمكنت من الغاء الانتماء الوطني، الذي يحزُّ بالنفس، وقسَّمت المكوّن الواحد: الشيعي – الشيعي والسني – السني والكردي – الكردي وكذلك المسيحي. وخلقت أزمات مستمرة، فضلاً عن “انتشار وباء” سرقة المال العام، مما جعل الحكومات المتتالية غير قادرة على حماية سيادته، وثروته، واحتضان جميع بناته وأبنائه والمحافظة على حقوقهم على أساس المواطنة الكاملة.
المسيحيون يدفعون الثمن الباهض ويلجئون الى الهجرة بسبب هذه الانقسامات واختراقات بعض الكنائس بالمال والامتيازات عن طريق جهات معروفة، اخفت الحقائق “لغاية في نفس يعقوب” من أجل الهيمنة على مقدراتهم والتحكم بمصيرهم.
أعود إلى المكوّن الكلداني: خلال زيارتي الأخيرة للكلدان في فرنسا وبلجيكا وهولندا، ومتابعتي للشأن الكلداني العراقي، لمستُ حالة مؤلمة من الانقسامات. هناك من يسمّي نفسه كلدانيًا وآخر كلدو آشوريًا وآخر آشوريًا وآخر كلدانيًا سريانيًا آشوريًا.. وهناك من يريد أن يؤسس حزبًا جديدًا وتكتلاً جديدًا بادعاءات زائفة، ومن يخطط لعقد مؤتمر كلداني، من المؤكد أنه ليس لخير الكلدان كما يدّعون.
هذا خراب يُعيق أية وحدة، لأن الوحدة تتم بين الأقوياء، ولان “البيت المنقسم على ذاته يَخرَب” كما يقول المسيح (متى 12/ 25). بصراحة هذا يجب أن يكون خطاً أحمر.
اليوم، أكثر من أي وقت آخر، يتحتم على الكلدان الالتفاف حول هويتهم وكنيستهم والتواصل مع بعضهم البعض ومع الآخرين بصدق وبطريقة بنّاءة. الوحدة تتم من خلال حوارات ومفاوضات وتفاهمات رصينة وليس بالانقسامات المُخجِلة، والنابعة من المصالح الأنانية والحالات النفسية النرجسية والسطحية والشعارات الخادعة.
إني مع وحدة الكنائس ووحدة الكلدان والسريان والأشوريين، لكن بِنيّة صادقة ومن خلال الاعتراف بالآخر واحترامه وعِبر حوار شامل وليس التفرقة والتشتت.
ينبغي أن يفهم جميع الكلدان في العالم بأنهم مشروع تقسيم تقف خلفه جهات مموّلة… وما حصل لي شخصيّاً هو لأني وقفتُ في وجه مساعي التقسيم الخبيثة.
انظروا ما يحصل في لبنان للإخوة الموارنة: كيف لم تفلح كل محاولات غبطة البطريرك الكاردينال بطرس بشارة الراعي في جمعهم وتوحيد مواقفهم لاختيار رئيس للجمهورية.
في نفس سياق تعدد الأحزاب والولاءات، ضَعُفَ الأخوة الأشوريين وبخاصة الحركة الديمقراطية الأشورية، بسبب الانشطارات والانتماءات القبلية والقروية التي طالت حتى الكنيسة. أملنا ان يتحد شطراها بأسرع وقت ممكن.
خلاصة القول: أمام خطورة الانقسام والاندثار تأتي أهمية العمل الجاد من أجل الوحدة، إذ لا خلاص لنا من دون التكاتف والوحدة، خصوصاً ان عددنا في العراق يتناقص وحضورنا مهدّد.
(أبونا)