Uncategorized

البطريرك بيتسابالا في خيمس الأسرار: لتكن أعمال المسيح أفعالنا الشخصيّة

ترأس البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين القداس الإلهي في كنيسة القيامة بمدينة القدس، بمناسبة الاحتفال بالخميس الأسرار، وتمّ خلاله تكريس الزيوت المقدّسة والاحتفال بعشاء الرب الأخير ورتبة غسل الأرجل.

وتأمّل بطريرك القدس للاتين في عظة القداس حول سبعة أفعال يقدّمها النص الإنجيلي في ليلة خميس الأسرار التي مرّ بها السيّد المسيح، وهي “أفعال الحب الحقيقي، وأفعال عيد الفصح التي بها يعيد المسيح خلق الإنسان، ويخرجه من ليلته وخطيئته. إنّها الأفعال الجديدة للكلمة المتجسد التي ترفض التفكك والانقسام وتسعى إلى الشركة الكاملة التي تتولد من بذل الذات وتبلغ قمتها في المغفرة”، داعيًا غبطته إلى أنّ تكون أعمال المسيح هي أفعالنا على الصعيد الشخصي.

وفي كلمته قال: نحتفل اليوم بأسرار عظيمة لا توصف: تأسيس سرّي الكهنوت والقربان الأقدس ووصية المحبة الجديدة. نحتفل بحياة المسيح القائم من الأموات التي ينقلها إلينا الروح القدس من خلال الكنيسة. هذه السنة، لفتت انتباهي اللحظة التي نشأت فيها هذه الأسرار المقدسة: “في الليلة التي أسلم فيها” (يو 13، 2). نعلم جميعًا أن نية الإنجيليين لم تكن فقط تزويدنا بمعلومات تاريخية، بل بدلالات ومعاني لاهوتية عميقة.

وتتزامن ساعة المسيح مع ساعة الظلمة. هنا أود أن أتأمل معكم في هذا الحدث الهائل، هنا حيث حدثت “ظلمة على كل الأرض” وحيث بشرت الملائكة بعد ذلك بالقائم من بين الأموات. كانت ليلة العشاء أيضًا هي ليلة يهوذا الذي ترك العليّة ليذهب فيبيع يسوع. وكانت الليلة التي وُكل إلى الرسل بتدوينها هي أيضًا ليلة نكران بطرس. وكانت ليلة تأسيس سر القربان الأقدس هي نفس الليلة التي هرب فيها الرسل وتركوا السيد وحده. كانت ليلة الوصية الجديدة وفي نفس الوقت الليلة التي نام فيها التلاميذ بشكل مؤلم.

نحن، هنا والآن، لا نريد أن نبقى في الجانب المظلم من تلك الليلة أو أي من الليالي سواء من الناحية الفردية أو السياسية أو الاجتماعية وحتى الكنسية. نحن نعرف هذا الجانب جيدًا، لدرجة ربما قد تعودنا عليها. حياتنا، مع تقلباتها وأزماتها، وأرضنا المقدسة بعنفها وظلمها، والكنيسة نفسها مع ضيقاتها وتناقضاتها، تذكرنا بأجواء تلك الليلة الثقيلة، ليلة تعرض الرب للخيانة.

هنا أود أن أتأمل معكم ومن أجلكم، بالليلة التي مرّ بها المسيح، وبالطريقة التي تفاعل بها الرب أمام ما جرى من تفكيك وتشويش، وردّة فعله على الخوف والإحباط، يقول الإنجيلي يوحنا إن يسوع، وهو يعلم كل شيء، ويدرك القوة التي منحه إياها أبوه السماوي بالرغم من أنف الشيطان الذي زرع الخيانة في قلب يهوذا، قد “قامَ عنِ العَشاءِ فخَلَعَ ثِيابَه، وأَخَذَ مِنديلاً فَٱئتَزَرَ بِه، ثُمَّ صَبَّ ماءً في مَطهَرَةٍ وأَخَذَ يَغسِلُ أَقدامَ التَّلاميذ، ويَمسَحُها بِالمِنديلِ الَّذي ٱئْتَزَرَ بِه” (يو 13: 4).

الرواية واضحة جدًا ولا نعتقد أن كتابتها كانت عشوائية، هناك سبعة أفعال، بعدد أيام الخلق، الأيام التي أخرجت العالم والإنسان من الفوضى. إنها أفعال الحب الحقيقي، أفعال عيد الفصح التي بها يعيد المسيح خلق الإنسان، ويخرجه من ليلته وخطيئته. إنها الأفعال الجديدة للكلمة المتجسد التي ترفض التفكك والانقسام وتسعى إلى الشركة الكاملة التي تتولد من بذل الذات وتبلغ قمتها في المغفرة.

إنّها مؤشرات على الحياة التي تركها السيد إرثًا لتلاميذه ولنا أيضًا، نحن قطيع الأرض المقدسة الصغير. ربما نبدو اليوم خائفين قليلاً، لكننا نعلم أنه لن يتخلى عنا ولن يتركنا.

لقد قامَ: ذلك يعني النهوض، لا أن يبقى الإنسان جالسًا في حالة استسلام وشلل بسبب الإحباط، ولا أن ينسحب إلى العزلة، وهو أحد أشكال الفقر الجديدة. أفكر بشكل خاص في كهنة كثيرين غالبًا ما يشعرون بأنهم وحدهم، لا أحد يسمعهم، وهم مرتبكون بسبب التغيير المفاجئ في مجتمعاتهم.

خَلَعَ ثِيابَه: يعني ذلك التخلص من ثياب التفاخر والمزايا الفردية، والادعاء بأننا دائماً على حق، وعدم محاسبة أنفسنا، والامتناع عن الترحيب والاستماع للآخرين.

أَخَذَ مِنديلاً فَٱئتَزَرَ بِه: اربط نفسك بحياة الآخر، وافترض أنها حياتك الخاصة. اجعل الآخر محور اهتمامك. أفكر في الكثيرين وخاصة الكهنة الذين يقضون حياتهم في خدمة الكنيسة والرعايا، ويعملون بدون حساب، لا بل وفي العزاء الذي يحصلون عليه من عطاء الذات.

ثُمَّ صَبَّ ماءً: يعني هذا الفعل أن يسكب الإنسان حياته بجمعها بين يديه، دون إهدارها في الاتهامات العقيمة والحنين إلى الماضي، ودون الضياع في الخلافات الأيديولوجية غير المثمرة، بل أن يحاول بناء الوحدة داخل نفسه ومع الجميع من خلال التركيز بشكل حصري على المسيح وعلى الكتاب المقدس.

غسل الأقدام: بدلاً من ذلك، قرِّر أن تغسل أقدام إخوتك وأخواتك، وأن تقبل محدوديتهم، ولا تتراجع عن مواجهة التعب والتوتر الناجم عن العلاقات الاجتماعية، وهو توتر نعرفه جيدًا هنا في الأرض المقدسة وفي القدس. عندما يصبح كل شيء مشبوهًا، وينمّ عن عدم ثقة، وخيانة، يستجيب يسوع بغسل أقدام الجميع، حتى يهوذا، ويوضح لنا أيضًا طريقة الخروج من ليالينا الحالكة: بأن ننحني ونغسل أقدام الآخرين حتى أصحاب القلوب البعيدة عنا.

مسَحُها بِالمِنديلِ: لا تجفّف أقدام الناس فحسب، بل دموعهم أيضًا. أعن الضعيف لئلا تترك أحدًا وراءك، والتزم بالبناء، والوحدة، واكسر الحواجز، وارجُ على غَيرِ رَجاء (رو 4، 18)، واشهد بثقة هادئة على أسلوب حياة تخلو من قيود الخوف.

وهكذا، بالنسبة لنا، وبالنسبة للجميع، تتحول ليلة الموت إلى ليلة إعادة اكتشاف الحياة، لأنها عطاء. الحب الحقيقي، في الواقع، هو ما يأتي من الله ويقود إلى الله، والذي يقوم جوهره على بذل الذات حتى النهاية، ولديه القدرة على تحويل الظلام إلى نور، والخيانة إلى مغفرة، والهِجران إلى رجوع، والموت إلى حياة جديدة. الحبّ الحقيقي يعيد بناء الشركة والشفاء من انقساماتنا وجروحنا، لأن الله محبة ونحن نؤمن بالحب.

أيها الأبناء الأعزاء، لقد وضع الله قوة محبته بين أيدينا. نحن نعلم أيضًا أن دعوتنا وكهنوتنا، سواء كان الكهنوت الخِدمي الخاص بالكهنة وأيضًا الكهنوت العام الناجم عن العماد، يأتي من الله ويوصل إليه (تذكرنا به الزيوت المقدسة). لذلك، نحن أيضًا، وقد أصبحنا شركاء في المسيح، يمكننا أن نحول ليلة التفكك إلى ليلة شركة، إذا ما جعلنا أفعال كلمة الله، أي أعمال المسيح، أفعالنا الشخصية. هذا هو المعنى العميق لعبارة “العمل نيابة عن المسيح الرأس”. لا يمكننا ولا يجب أن نحصر هذه النعمة العظيمة في الخدمة الليتورجية، مهما كانت ضرورية. هناك بُعد وجودي وكنسي للأسرار يجب إعادة اكتشافه وتعميقه.

السينودسية، التي اقترحها علينا الأب الأقدس على أنها أسلوب عيش الكنيسة في هذا الوقت والتي تجعلنا نتشارك جميعًا في كل مكان، هي استجابة روح الشركة في وقت التفكك والاضطراب. بدون هذه النظرة الروحية، تختزل السينودسية نفسها، بل الكنيسة كلها، في استراتيجية وظيفية، غير قادرة على إعادة بناء أنفسنا وبناء المكان والزمان لفرح الإنجيل المتجدد، أهنئكم جميعًا في هذا اليوم، عسى أن يجدّد عيد فصح الرب الشركة بيننا ويسمح لنا أن نسير بخطى محبة حقيقية.

(المصدر ابونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى