البطريرك الماروني يستضيف رياضة روحيّة للنواب المسيحيين في لبنان
بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، أقيمت في مركز بيت عنيا، قرب مزار سيّدة لبنان، في حريصا2023، رياضة روحيّة للنواب المسيحيين، تحضيريّة لعيد القيامة المجيدة، بمشاركة 53 نائبًا من مختلف الأحزاب اللبنانيّة.
استهلت الرياضة بحديث روحي للنائب البطريركي المطران انطوان عوكر تحت عنوان “الخلاص بين عمل الله وأعمال المؤمن”. تبعه تأمّل أول حول “موت الرجاء وقيامة إلهيّة” (حزقيال 37)، وتأمّل ثانٍ حول “أعمال المؤمن الداخليّة والخارجيّة (رومة 12)”. من ثمّ كان هنالك وقت من الصمت والتأمّل والتوبة وزيارة القربان الأقدس، وقداس إلهي ترأسه البطريرك الراعي في مزار سيّدة لبنان.
وفي القداس الختامي، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “تنبّأ قيافا رئيس الكهنة أنّ يسوع كان مزمعًا أن يموت عن الشعب ويجمع أيضًا في واحد أبناء الله المشتّتين” (يو 11: 53)، استهلها رافعًا الشكر لله “وقد خاطب قلب كلّ واحد وواحدة منّا من موقعه، وجعلنا نتّخذ مقاصد في حياتنا ومسؤوليّاتنا. ولا ننسى أنّ الله استجاب صلوات شعبنا في لبنان وخارجه، وقد عبّروا عن فرحتهم لهذه المبادرة، وعلّقوا عليها آمالًا كبيرة”.
وقال: تؤكّد كلمة إنجيل اليوم أنّ المسيح ربّنا ارتضى الموت على الصليب ليفتدي خطايا كلّ إنسان يأتي إلى العالم. إنّ كلّ واحد وواحدة منّا هو هذا الإنسان. فلا يمكن أن نجعل موته سدىً. وارتضى الموت ليجمع أبناء الله إلى واحد. إنّ ثمن وحدتنا الروحيّة بروح الأخوّة والاحترام المتبادل لغالٍ، وغالٍ جدًّا وهو دمّ المسيح المراق على الصليب. في هذا الأسبوع المقدّس الذي نستذكر فيه آلام الربّ يسوع وموته فدىً عن خطايانا، وقيامته من الموت لتقديسنا، شئنا في منتصفه إقامة هذه الرياضة الروحيّة، آملين أن نحمل معنا ثمار موت يسوع على الصليب: فداء خطايانا، ووحدتنا بالمسيح”.
وأشار البطريرك الراعي إلى حديث لقداسة البابا فرنسيس مع فريق من طلّاب العلوم السياسيّة، في 18 مارس الماضي، حيث تكلّم عن السياسيّ الصالح، والسياسيّ السيّء، انطلاقًا من وجهين يذكرهما الكتاب المقدّس في عهده القديم: آحاب الملك ويوسف ابن يعقوب.
الوجه الأوّل هو آحاب الملك (3 ملوك 21: 1-15). الذي أراد استملاك كرم نابوت ليوسّع حديقته. فرفض نابوت التخلّي عن ميراث أجداده، ما جعل الملك يحزن ويمتنع عن تناول العشاء. فوجدت زوجته الحيلة لقتل نابوت. ولمّا فعلت قالت للملك: “قم فرث كرم نابوت. فلم يبقَ حيًّا، بل مات” (الآية 15). لكنّ قصاص الله لآحاب وزوجته كان صارمًا للغاية (الآيات 16-25). آحاب يمثّل السياسة السيّئة التي تتقدّم في مصالحها الخاصّة، وتقصي الآخرين، والتي لا تسعى إلى الخير العام، وتستعمل كلّ الوسائل للوصول إلى مصالحها. آحاب الملك ليس أبًا بل متسلّطًا. السياسة التي تمارس السلطة تسلّطًا لا خدمة، هي غير قادرة على الاعتناء بالآخرين، فتسحق الفقراء، وتستغلّ الأرض بتشويه طبيعتها، وتواجه النزاعات بالحرب، ولا تعرف كيف تحاور.
أمّا الوجه الثاني، فهو يوسف ابن يعقوب (تك 37: 23-35)، الذي باعه إخوته عبدًا لحسدهم منه لتجّار في طريقهم إلى مصر. وبعد أحداث متنوّعة دخل في خدمة فرعون واصبح كأنّه نائبًا للملك، ما جعل الفرعون يقول للمصريّين عند كلّ حاجة: “إذهبوا إلى يوسف، فما يقله لكم فافعلوه” (تك 41: 55). ثمّ كان أن جاء إخوته إلى مصر فاستقبلهم واعتنى بهم ولم يعاتبهم على شيء، ولم يحفظ ضغينة، ولا ضمر شرًّا لأيّ منهم، بل انتصر على الشرّ بصنع الخير. يوسف الذي اختبر الظلم شخصيًّا لم يبحث عن خيره بل عن خير الشعب.
وقال: “يستنتج قداسة البابا من هذين الوجهين الروحانيّة التي ينبغي أن تغذّي العمل السياسيّ، ويختصرها بمظهرين: المحبّة التي تضع السياسيّ في موقع أقرب من كلّ إنسان ولا سيما من هم الأضعف والأفقر؛ وتضعه في موقع الاهتمام بمستقبل أفضل للأجيال الطالعة. إنّ السياسة التي تسعى إلى خلق مساحة شخصيّة وفئويّة أوسع هي سياسة سيّئة، أمّا تلك التي تسعى إلى وضع أسس لمستقبل الأجيال هي سياسة صالحة، وفقًا للقاعدة الذهبيّة: الوقت يفوق المساحة”.
وعلى ضوء هذين الوجهين، دعا البطريرك الراعي النوّاب المسيحيين أن يطرحوا الأسئلة التاليّة: بماذا جعلت الشعب يتقدّم؟ أيّ طابع تركت في حياة المجتمع؟ أي روابط حقيقيّة بنيت؟ أي قوى إيجابيّة حرّرت؟ كم سلام اجتماعي زرعت؟ ماذا انتجت في المسؤوليّة التي أُسندت إليّ؟ ماذا فعلت لتسهيل انتخاب رئيس الجمهوريّة، وإحياء المؤسّسات الدستوريّة بعد خمسة أشهر من الفراغ الرئاسيّ ودمار شعبنا؟
تابع: في زمننا العصيب الذي يحتاج إلى شهود أبطال للحقيقة والعدالة ولسموّ الله فوق أي اعتبار، نختم بطلب شفاعة القدّيس توماس مور، المستشار البريطاني الذي أعدمه الملك هنري الثامن لرفضه التوقيع على الإعلان بانفصال كنيسة بريطانيا عن سلطة بابا روما والإقرار بالملك هنري الثامن رئيسًا أعلى عليها. وذلك بسبب رفض البابا إبطال زواجه ليتزوّج عشيقته وليكون له منها وريث. فكان أن اتهم توماس مور بالخيانة وأُلقي في السجن ولاقى العذاب. ثمّ أصدر الملك حكمًا بقطع رأسه. ولـمّا صعد على المنصّة قال كلمته الأخيرة الشهيرة: “ها أنا ذا أموت في سبيل الكنيسة، خادم الملك الأمين، ولكن خادم الله أوّلًا”. كان ذلك في 6 يوليو 1535. طوّبته الكنيسة سنة 1885، ورفعته قدّيسًا على مذابحها سنة 1935. وفي عام 2000 بمناسبة اليوبيل العام أعلنه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني شفيعًا لمسؤولي الحكومات ولرجال السياسة.
وختم البطريرك الراعي عظته، في قداس ختام الرياضة الروحيّة للنوّاب المسيحيين في لبنان، بالقول: “لنلتمس من الله شفاعته ليستنير بمثله كلّ من يتعاطى الشأن السياسي لمجد الله الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، الآن وإلى الأبد، آمين”.
(المصدر أبونا)