البابا فرنسيس يستقبل وفد مؤسسة السنة المائة ويشدد على أهمية التضامن والإيكولوجيا المتكاملة
استقبل البابا فرنسيس أعضاء مؤسسة السنة المائة وذلك لمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيسها وأيضا لمناسبة تنظيمها مؤتمرا بعنوان “الذاكرة من أجل بناء المستقبل: التفكير والعمل من منطق الجماعة”.
وعقب ترحيبه بالجميع عاد الأب الأقدس إلى تأسيس المؤسسة عقب صدور الرسالة العامة “السنة المائة” للبابا القديس يوحنا بولس الثاني والتي كتبها في الذكرة المئوية لصدور الرسالة العامة التاريخية للبابا ليون الثالث عشر Rerum Novarum.
وتابع البابا قائلا لضيوفه إن نشاطهم يأتي في إطار هذه المسيرة وهذا التقليد، أي دراسة ونشر العقيدة الاجتماعية للكنيسة والعمل على إيضاح أنها ليست مجرد نظرية بل يمكنها أن تكون أسلوب حياة فاضلا يمكن من خلاله إنماء مجتمعات جديرة بالإنسان.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أن مركزية الشخص والخير العام، التضامن والتكافل قد تحولت في عمل المؤسسة خلال هذه السنوات الثلاثين إلى أفعال ملموسة أصبحت “مُعدية” بالنسبة لقلوب وأفعال الكثير من الأشخاص.
وأعرب قداسته عن الشكر للمؤسسة وللحضور جميعا على ما قاموا به من عمل ثمين، وخاصة على ما تم القيام به خلال السنوات العشر الأخيرة عبر تقبُّل وإعادة إطلاق ما حاول تقديمه قداسته من إسهامات في مجال العقيدة الاجتماعية.
أشار الأب الأقدس بعد ذلك إلى أنه أراد في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” التحذير من خطر عيشٍ خاطئ للاقتصاد، حيث شدد على أن هذا الاقتصاد يقتل، وذلك في إشارة إلى نموذج اقتصادي يؤدي إلى الإقصاء ويعزز ما يمكن تعريفها بعولمة اللامبالاة.
وأضاف قائلا لضيوفه إن كثيرين منهم يعملون في مجال الاقتصاد ويدركون بالتالي أن من صالح الجميع تخيُّل واقع يضع في المركز الشخص البشري ولا يحط من قدر من يعملون، واقع يسعى إلى توفير الخير للجميع.
ثم عاد البابا فرنسيس إلى وثيقة أخرى ألا وهي رسالته العامة “كن مسبّحا” مشيرا إلى أنه سلط الضوء فيها على الأضرار الناتجة عن النموذج التكنوقراطي السائد، واقترح في هذا السياق منطق الإيكولوجيا المتكاملة حيث كل شيء هو في ترابط وفي علاقة، وحيث لا يوجد فصل بين القضايا البيئية وتلك الاجتماعية.
وأضاف قداسته هنا إن العناية بالبيئة والاهتمام بالفقراء يسيران أو ينهاران معا، كما وأنه لا يمكن لأحد أن ينجو بمفرده، وتأتي هنا إعادة اكتشاف الأخوّة والصداقة الاجتماعية كعنصر حاسم كي لا ينتهي بنا الأمر في فردانية تجعلنا نفقد فرح العيش بل ونفقد الحياة أيضا، قال الأب الأقدس.
وتابع البابا فرنسيس حديثه إلى وفد مؤسسة السنة المائة معربا عن سعادته للعنوان الذي تم اختياره للمؤتمر الذي تنظمه المؤسسة، ألا وهو “الذاكرة من أجل بناء المستقبل: التفكير والعمل من منطق الجماعة”، والمأخوذ من الرسالة العامة Fratelli tutti إلا أن أصل هذا التعبير: التفكير والعمل من منطق الجماعة، يعود حسب ما أوضح الأب الأقدس إلى كلمة وجهها سنة ٢٠١٤ إلى الحركات الشعبية تحدث فيها عن أن التضامن كلمة لا تثير الإعجاب دائما إلا أنها تُعبِّر عما يفوق بعض أفعال السخاء المنعزلة، إنها كلمة تعني التفكير والعمل من منطق الجماعة وجعل الأولوية لحياة الجميع لا للاستحواذ على الخيور من قِبل قليلين.
وواصل البابا فرنسيس أن التضامن يعني أيضا الكفاح ضد الأسباب البنيوية للفقر واللامساواة، عدم توفر العمل والأرض والسكن وإنكار الحقوق الاجتماعية وحقوق العمل. التضامن يعني من جهة أخرى مواجهة النتائج المدمرة لإمبراطورية المال، قال قداسة البابا، أي النزوح القسري والهجرة المؤلمة، الاتجار بالبشر، المخدرات، الحرب والعنف.
وشدد قداسته على أن التضامن بأعمق معانيه هو طريقة لصنع التاريخ. وفي سياق الحديث عن المال أراد الأب الأقدس التذكير بحديث يسوع عن أنه لا يمكن لشخص أن يكون خادما لسيدَين حين قال: “ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهُما ويَزدَرِيَ الآخَر. لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال”. وأضاف البابا فرنسيس إنه كان ينتظر أن يقول يسوع: لا تستطيعون أن تعملوا لله وللشيطان، إلا أنه اختار المال، لأن مَن يخدم المال يفقد حريته.
وأراد الأب الأقدس في سياق الحديث عن عنوان المؤتمر الذي تنظمه مؤسسة السنة المائة التذكير بعبارة لأحد كبار رجال القانون في إيطاليا، حيث قال إن الجماعة هي دائما إنقاذ للضعفاء وهي ما يمنح صوتا لمن لا صوت له.
وواصل البابا أنه وكي تصبح الجماعة بالفعل مكانا يمكن فيه للضعيف ولمن لا صوت له أن يشعر بالقبول والإصغاء، فإن هناك حاجة إلى ما يمكن تسميته بفسح المجال، قال قداسته، وأوضح أنه يقصد هنا أن يقلِّص كل شخص من الـ “أنا” ما يُمَكن الآخر من أن يكون، ولكن وللقيام بهذا يجب أن يكون أساس الجماعة العطاء لا التبادل.
وذكر البابا هنا بحديث الشاعر الإيطالي جانبييرو نيري عن الاعتقاد بأن الأشخاص الذين يدخلون مكانا ويملؤونه بالكامل يتركون فراغا كبيرا حين يرحلون، لكنه يعتقد بالأحرى أن مَن يتركون فراغا كبيرا هم الأشخاص المتواضعون الذين يشغلون المساحة الضرورية فقط، الأشخاص الذين يجعلوننا نحبهم. ودعا الأب الأقدس بالتالي ضيوفه إلى التفكير والعمل من منطق الجماعة وإلى توفير فسحة للآخرين، وأيضا إلى أن يتخيلوا وأن يعملوا من أجل مستقبل يمكن لكل شخص أن يجد فيه مكانه وأن يعثر على فسحته في العالم، أي جماعة قادرة على أن تمنح صوتا لمن لا صوت له، وهذا ما نحتاج إليه جميعا، قال قداسته.
وفي ختام كلمته، قال البابا فرنسيس إن العمل الثمين للمؤسسة يمكنه أن يكون هذا أيضا، أي الإسهام في فكر وعمل يساعدان على إنماء جماعة يتم السير فيها معا على درب السلام. ثم بارك الأب الأقدس الجميع سائلا إياهم الصلاة من أجله.
(المصدر راديو الفاتيكان)