البابا فرنسيس يستقبل جماعة إكليريكية برشلونة
استقبل قداسة البابا فرنسيس في قاعة البابوات في القصر الرسولي بالفاتيكان جماعة إكليريكية برشلونة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وسلّمهم النص الذي كان قد أعدّه لهذه المناسبة وجاء فيه أعلم أنكم رغبتم كثيرًا في هذا اللقاء وطلبتم من رئيس أساقفتكم بإصرار أن تتمكنوا من أن تكونوا هنا. وكما ترون، إنَّ الصلاة المثابرة تؤتي ثمارها، لا تنسوا هذا الأمر أبدًا. ومن المهم أيضًا أن تطلبوا وساطة الكنيسة، لذلك لا تكفوا عن طلب صلوات رعاتكم ومؤمنيكم، لكي يمنحكم الله المثابرة على طريق الخير.
تابع البابا فرنسيس يقول بالحديث عن الأشخاص الذين هم في طور التنشئة، هناك نوعان من التجارب: تجربة التركيز على الأشياء السيئة، مع الأخذ في الاعتبار الخبرات السلبية فقط، وتجربة محاولة تقديم عالم شاعري وغير واقعي. لهذا السبب، إذ نبقى في موضوع الصلاة هذا الذي بدأنا به، يبدو لي مثيرًا للاهتمام كتيِّب لأسقف قديس من أرضكم، القديس مانويل غونزاليس، الذي يكشف في مسبحة كهنوتية عن الأشياء الجيدة والسيئة التي تسائلنا ويجعل منها صلاة نقدمها لله بشفاعة أمنا الطاهرة.
تابع الأب الأقدس يقول تذكروا أنكم عندما ستصبحون كهنة، سيكون التزامكم الأول حياة صلاة تولد من الشكر على هذه المحبة الخاصة التي أظهرها الله لكم في دعوتكم لخدمته. هذا هو أول سر فرح يولد منه كل شيء. في هذه المرحلة من التنشئة التي تجدون أنفسكم فيها، سيفيدكم أن تتأمّلوا في صلاتكم في مواقف العذراء مريم، وأن تسألوا أنفسكم: كيف كانت عندما دعاها الله؟ وأنا كيف كنت؟ بأي حماسة أخطط لحياتي الكهنوتية المستقبلية؟ هل سأرتفع – كما يقول القديس مانويل – مثل فقاعة في قدر حب يغلي، لكي أحمل الله إلى العالم؟ هل سأحمله وصولاً إلى الجبال، إلى الجبل الأصعب والأليم؟ إنَّ الكاهن “ليس سلطانًا على النفوس بالفضة والذهب … ولكن غناه وسلطته ليسا إلا فضيلة اسم يسوع”، أي أن يجعله حاضرًا في الإفخارستيا وفي الأسرار وفي الكلمة، لكي يولد في قلوب البشر، وأن يكون في كل شيء ودائمًا أداة له. لذلك نحن نقدم أنفسنا، على مثال يسوع في الهيكل، كضحايا من أجل فداء العالم. وفي السر الأخير من أسرار الفرح نجد فكرة مهمة جدًا لحياتكم كلها، لا تتركوا أبدًا يسوع الضائع في الهيكل، أي يسوع الذي يجب أن أعود دائمًا للبحث عنه في بيت القربان. ضيّعوا أنفسكم هناك معه، في انتظار مؤمنيكم.
أضاف الحبر الأعظم يقول “إنَّ الكاهن الصالح يعلم جيدًا أنه طالما بقيت له عينان لكي يبكي بهما، ويدان لكي يميت جسده بهما، لا يحق له أن يقول إنه فعل كل ما كان عليه أن يفعله من أجل النفوس التي أوكلت إليه”. يشير هذا التفاني إلى ما يمكنكم أن تتأملوا فيه في أسرار الحزن. إنَّ الله يطلب منا تضحية، تضحية القلب من خلال التخلّي عن إرادتنا، كما يقترح علينا في الجتسماني؛ تضحية الحواس، في التجرّد الذي نتأمله في الجَلد؛ تضحية الشرف، متأملين – كما تنشدون في اسبانيا في ترنيمة الصوم الكبير – أن السعي وراء غار النبلاء، واللقب الأكاديمي، والثناء الدنيوي يبعدنا عن الله، فيما علينا بالأحرى أن نتطلع إلى أكاليل الشوك التي تجعلنا نتشبّه بالرب. هذا ما تقوم عليه التضحية بأن يقبل كلٌّ منا صليبه ويبدأ مسيرة، غالبًا ما تكون مسيرة ترك، إنها تضحية الحياة. وإذ ننظر إلى الصليب، نرفع أعيننا إلى السماء ونرى مصيرنا. هل يبدو ذلك صعبا بالنسبة لكم؟ ليس الأمر كذلك، لأن الأشياء البسيطة تكفي: السرير القاسي، والغرفة الضيقة، والمائدة الفقيرة، والليالي إلى جانب سرير المشرفين على الموت، والاستيقاظ باكرًا في الصباح لفتح الكنيسة قبل الحانات، والانتظار، ومرافقة يسوع الوحيد، والخطأة والجرحى في مسيرة الحياة.
تابع الأب الأقدس يقول ونصل إلى أسرار المجد التي تمثل شكرنا على قداس يسوع على الصليب. بعد انتصار القيامة، دخل يسوع إلى الهيكل السماوي ومن هناك يواصل تحقيق فعل الشكر هذا. ورؤيته جالسًا عن يمين الآب تدعونا إلى الرجاء وتملأنا بالفرح، لأنه يؤكد لنا الفردوس. ولهذه الغاية، يرسل الله الروح القدس، الوحيد الذي يمكنه أن يعلمنا هذه الأسرار، وهو سيعطيكم يومًا موهبة أن تكونوا كهنة المسيح. لا تتوقفوا أبدًا عن تذوق وتذكر هذا الحب المميّز الذي يفيض وسيفيض بوفرة في قلوبكم وفي سيامتكم وفي بقية أيامكم. لا تطفئوا أبدًا تلك النار التي ستجعلكم مبشِّرين شجعانًا بالإنجيل وموزعين للكنوز الإلهية. وحِّدوا جسدكم بجسد المسيح على مثال مريم، لكي تضحّوا بأنفسكم معه في الذبيحة الإفخارستية، وكذلك في مجد انتصاره.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الإكليريكيون الأعزاء، امسكوا مسبحة الوردية واطلبوا من مريم، ملكة وأم الرحمة، أن تساعدكم لكي تكتشفوا أسرار الكهنوت الذي يدعوكم الله إليه، متأملين في أسرار ابنه، متقبلين أنَّ فرح اتباع يسوع والتشبّه التام به على الصليب هما الدرب الوحيد إلى المجد.
ثم ختم البابا فرنسيس حديثه إلى رجال الإطفاء الإيطاليين، الذين استقبلهم ظهر اليوم السبت مع عائلاتهم، مكررا شكره لهم على عملهم الثمين راجيا أن تكون مريم العذراء التي توجهت مسرعة إلى أليصابات كي تساعدها النموذج بالنسبة لهم. ثم أوكل قداسته ضيوفه إلى شفيعتهم القديسة بربارة وباركهم سائلا إياهم الصلاة من أجله.
(المصدر راديو الفاتيكان)