Uncategorized

البابا فرنسيس يحتفل بالذبيحة الإلهية في العشيّة الفصحيّة

ترأس قداسة البابا فرنسيس مساء السبت قداسًا احتفاليًا في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان لمناسبة العشية الفصحية وتخللت القداس عظة استلها البابا بالقول كان الليل يقترب من نهايته وكانت تُضيء أولى أنوار الفجر، عندما انطلقت النساء نحو قبر يسوع. كُنَّ يتقدمن مُتردِّدات، تائهات، وقلوبهنَّ يُمزِّقها ألم الموت الذي سلب الحبيب. ولكن عند وصولهنَّ إلى ذلك المكان ولدى رؤيتهنَّ للقبر الفارغ، غيَّرن مسارهنَّ وغيّرنَ دربهنَّ؛ تركنَ القبر وركضنَ لكي يُعلَنَّ للتلاميذ مسارًا جديدًا: قام يسوع وهو ينتظرهم في الجليل. في حياة هؤلاء النساء تمَّ الفصح، الذي يعني العبور: لقد عبرنَ في الواقع من المسيرة الحزينة نحو القبر إلى الركض الفرِح نحو التلاميذ، لكي يَقُلنَّ لهم ليس فقط أن الرب قد قام، وإنما هناك أيضًا هدف عليهم أن يبلغوه على الفور، الجليل. هناك هو الموعد مع القائم من بين الأموات، وإلى هناك تقود القيامة. إنَّ الولادة الجديدة للتلاميذ، وقيامة قلوبهم تمر عبر الجليل. لندخل نحن أيضًا في مسيرة التلاميذ هذه التي تنطلق من القبر إلى الجليل.

تابع البابا فرنسيس يقول الإنجيل إن المرأتين جاءتا “تَنظُرانِ القَبْر”. تعتقدان أن يسوع موجود في مكان الموت وأن كل شيء قد انتهى إلى الأبد. أحيانًا يحدث لنا نحن أيضًا أن نفكر أن فرح لقاء يسوع ينتمي إلى الماضي، بينما في الوقت الحاضر نعرف فقط القبور المختومة: قبور خيبات أملنا، ومرارتنا وانعدام ثقتنا، قبور الـ “لم يعد هناك شيئًا نفعله”، وإنَّ “الأشياء لن تتغير أبدًا”، و”من الأفضل أن نعيش كلَّ يوم بيومه” لأنَّ “الغد ليس أكيد”. نحن أيضًا، إذا كُنا في قبضة الألم، يضطهدنا الحزن، وتذلنا الخطيئة، وكنا نشعر بالمرارة بسبب بعض الفشل أو كانت تطاردنا بعض المخاوف، فقد اختبرنا طعم التعب المُرّ ورأينا الفرح ينطفئ في قلوبنا.

أضاف الأب الأقدس يقول في بعض الأحيان شعرنا ببساطة بالإرهاق من المُضيِّ قدمًا في الحياة اليومية، وتعبنا من المخاطرة أمام الجدار المطاطي لعالم يبدو أن قوانين الأمكَر والأقوى هي التي تسود على الدوام. في أوقات أخرى، شعرنا بالعجز والإحباط إزاء قوة الشر، والصراعات التي تمزق العلاقات، ومنطق الحسابات واللامبالاة التي يبدو أنها تحكم المجتمع، وسرطان الفساد، وانتشار الظلم، ورياح الحرب الباردة. وكذلك، ربما وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه مع الموت، لأنه سلبنا حضور أحبائنا اللطيف أو لأنه لمسنا في المرض أو الكوارث، ووقعنا بسهولة فريسة لخيبة الأمل وجفَّ ينبوع رجائنا. وهكذا، في هذه المواقف أو غيرها، تتوقف مساراتنا أمام القبور ونبقى بلا حراك نبكي ونتحسَّر، وحدنا وعاجزون فيما نكرّر أسئلتنا.

تابع الحبر الأعظم يقول أما المرأتان في عيد الفصح فلم تبقيا مشلولتين أمام القبر، وإنما، كما يقول الإنجيل، “تَركَتا القَبرَ مُسرِعَتينِ وهُما في خوفٍ وفَرحٍ عَظيم، وبادَرتا إِلى التَّلاميذِ تَحمِلانِ البُشْرى”. حملتا البشرى التي ستغير الحياة والتاريخ إلى الأبد: المسيح قام! وفي الوقت عينه، حفِظتا ونقلتا توصية الرب، ودعوته للتلاميذ: بأن يذهبوا إلى الجليل، لأنهم هناك سيرَونه. لكن ماذا يعني الذهاب إلى الجليل؟ أمران: من جهة، الخروج من انغلاق العليّة للذهاب إلى المنطقة التي يسكنها الوثنيون، الخروج من الاختباء للانفتاح على الرسالة، الهروب من الخوف للسير نحو المستقبل. من ناحية أخرى، يعني العودة إلى الأصول، لأن كل شيء قد بدأ في الجليل. هناك كان الرب قد التقى التلاميذ ودعاهم للمرّة الأولى. لذا فإن الذهاب إلى الجليل هو العودة إلى النعمة الأصلية، إنه استعادة الذاكرة التي تولِّد الرجاء مجدّدًا، “ذاكرة المستقبل” التي طبعنا بها القائم من بين الأموات.

هذا إذن ما يفعله فصح الرب: يدفعنا لكي نمضي قدمًا، ونخرج من الإحساس بالهزيمة، وندحرج الحجر عن القبور التي غالبًا ما نحصر فيها الرجاء، ونتطلع إلى المستقبل بثقة، لأن المسيح قد قام من الموت وغير اتجاه التاريخ. ولكن، لكي يفعل ذلك، يعيدنا فصح الرب إلى ماضينا، ماضي النعمة، ويجعلنا نعود إلى الجليل، حيث بدأت قصة حبنا مع يسوع. أي يطلب منا أن نعيش مجدّدًا تلك اللحظة، وتلك الحالة وتلك الخبرة التي التقينا فيها بالرب، واختبرنا حبه ونلنا نظرة جديدة ومنيرة على أنفسنا، وعلى الواقع وعلى سر الحياة. لكي ننهض مرة أخرى، ولكي نبدأ من جديد ونستأنِف المسيرة، نحن بحاجة على الدوام إلى أن نعود إلى الجليل، أي أن نعود لا إلى يسوع مجرد ومثالي، وإنما إلى الذاكرة الحية والملموسة والنابضة بالحياة لأوّل لقاء معه. نعم أيها الإخوة والأخوات، لكي نسير علينا أن نتذكر؛ ولكي يكون لدينا رجاء علينا أن نُغذِّي الذاكرة. هذه هي الدعوة: تذكر وسِر! إذا استعدت حبَّك الأول، ودهشة وفرح اللقاء مع الله، فسوف تمضي قدمًا. تذكر وسِر.

أضاف الأب الأقدس يقول تذكَّر جليلك وسِر نحو جليلك. إنه “المكان” الذي تعرّفتَ فيه على يسوع شخصيًا، وحيث لم يبقَ بالنسبة لك شخصية تاريخية مثل الآخرين، بل أصبح شخص الحياة: لا إلهًا بعيدًا، بل الله القريب، الذي يعرفك أكثر من أي شخص آخر ويحبك أكثر من أي شخص آخر. أيها الأخ، أيتها الأخت، تذكر الجليل، جليلك: دعوتك، كلمة الله التي حدَّثتك في لحظة محددة؛ تلك الخبرة القوية في الروح، والفرح العظيم للمغفرة التي شعرت بها بعد ذلك الاعتراف، ولحظة الصلاة القوية والتي لا تُنسى، وذلك النور الذي اتّقَدَ في داخلك وغير حياتك، ذلك اللقاء وذلك الحج… كل فردٍ منا يعرف مكان قيامته الداخليّة، ذلك المكان الأول والأساسي، ذلك الذي غيّر الأمور. ولا يمكننا أن نتركه للماضي، والقائم من بين الأموات يدعونا لكي نذهب إلى هناك لكي نقيم الفصح. تذكَّر جليلك، تذكّره وأعد إحياءه اليوم. عد إلى ذلك اللقاء الأول. اسأل نفسك كيف كان ومتى كان، وأعد بناء سياقه وزمانه ومكانه، واختبر مجدّدًا مشاعره وأحاسيسه، وعش مجدّدًا ألوانه ونكهاتها. لأنه عندما نسيت ذلك الحب الأول، وعندما نسيت ذلك اللقاء الأول، بدأ الغبار يستقرُّ على قلبكَ. واختبرتَ الحزن، ومثل التلاميذ، بدا كل شيء بلا منظور، مع صخرة تختم الرجاء. لكن قوة الفصح تدعوك اليوم لكي تُدحرجِ صخور خيبة الأمل وانعدام الثقة؛ والرب، الخبير في قلب صخور قبور الخطيئة والخوف، يريد أن ينير ذاكرتك المقدسة، وأجمل ذكرياتك، وأن يجعل آنيًّا أول لقاء لك معه. تذكَّر وسِر: عُد إليه، واكتشف مُجدّدًا نعمة قيامة الله فيك!

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الإخوة والأخوات، لنتبع يسوع إلى الجليل، ولنلتقِ به ونعبده هناك حيث ينتظر كل واحد منا. ولنُنعِش بعد أن اكتشفنا أنه حي، جمال عندما أعلنناه ربَّ حياتنا. لنعُد إلى الجليل، ليعُد كلٌّ منا إلى جليله، جليل اللقاء الأوّل، ولننهض إلى حياة جديدة!.

(المصدر راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى