نشر Rádio Renascença مقدمة البابا لكتاب الصحفية البرتغالية أورا ميغيل بعنوان “مسيرة طويلة نحو لشبونة” Um Longo Caminho até Lisboa – Bertrand Editora الذي يروي منذ البداية مسيرة الأيام العالمية للشباب في ضوء الموعد المقبل في عاصمة البرتغال في أغسطس ٢٠٢٣.
كتب البابا فرنسيس لا يزال في عينيَّ وفي قلبي الحشد الهائل من الشباب الذين استقبلوني في ريو دي جانيرو في تموز يوليو لعشر سنوات خلت. تلك المسارات في السيارة، من القلعة العسكرية حيث هبطت المروحية إلى مكان اللقاءات والاحتفالات في كوباكابانا، ستبقى إلى الأبد محفورة في ذاكرتي: الحماس الغامر للفتيان الذين كانوا يرمون لي الأعلام والقبعات والقمصان، والذين كانوا يقدّمون لي رشفة من مشروب المتة، والذين كانوا يعانقون أسقف روما الجديد الذي جاء لكي يكرِّم التزامًا تعهد به سلفه. خبرة لا يمكن نسيانها.
تابع الأب الأقدس يقول بالنسبة لي، كما بالنسبة للبابا بندكتس السادس عشر كان الأمر نفسه: أول زيارة دولية لحبريَّتنا تمت بمناسبة اليوم العالمي للشباب – في ريو دي جانيرو بالنسبة لي، وفي عام ٢٠٠٥ في كولونيا، أي في وطنه، بالنسبة للبابا راتسينجر، الذي كان قد اعتلى السدة البطرسيّة منذ بضعة أشهر فقط. لقد “وُضعنا” كلانا، إذا جاز التعبير، في أعقاب ما افتتحه القديس يوحنا بولس الثاني، بعد حدس اقترحه عليه الروح القدس.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد كانت الأيام العالميّة للشباب ولا تزال لحظات قوية لخبرة العديد من الفتيان والعديد من الشباب، كذلك لم ينقص أبدًا الإلهام الأولي الذي حرَّك البابا فويتيوا الحبيب. في الواقع، يمثل تغيير العصر الذي نشهده بوعي إلى حد ما تحديًا أيضًا وبشكل خاص للأجيال الشابة. إن الذين يطلق عليهم اسم “المواطنون الرقميون”، شباب عصرنا، يخاطرون يوميًّا بعزل أنفسهم، وبعيش جزء كبير من حياتهم في البيئة الافتراضية، فينتهي بهم الأمر هكذا بالوقوع فريسة لسوق عدواني يؤدي إلى احتياجات زائفة. مع تفشي جائحة فيروس الكورونا وخبرة الإغلاق، زادت هذه المخاطر بشكل أكبر. وبالتالي فإن الخروج من البيت والانطلاق مع رفقاء السفر، وعيش خبرات قوية من الإصغاء والصلاة مقرونة بلحظات عيد، والقيام بذلك معًا، تجعل هذه اللحظات ثمينة لحياة كلِّ فرد.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد قمت عدة مرات بدعوة الشباب لكي لا يقفوا كمتفرِّجين على الحياة التي تمُرُّ بدون أن يتدخلوا فيها، واضعين هاتفًا ذكيًا أو شاشة كمبيوتر بينهم وبين بقية العالم. لقد قلت لهم مرارًا وتكرارًا ألا يكونوا “شباب أريكة”، وألا يسمحوا بأن يُخدِّرهم الذين لديهم مصلحة في إدخالهم في غيبوبة. إنَّ سنَّ الشباب هو حلم، إنه انفتاح على الواقع، واكتشاف لما يستحق الحياة حقًا، إنه نضال للحصول عليه، إنه انفتاح على علاقات قوية وحقيقية، إنه التزام مع الآخرين ومن أجل الآخرين. لقد كان الأب لورنزو ميلاني في خبرته كمربٍّ يردِّد تلك الكلمات الجميلة، “أنا أهتم”، “أنا مهتم، يهُمُّني …”. اليوم، بعد خبرة الوباء الرهيبة، التي وضعتنا جميعًا بشكل مأساوي أمام واقع أننا لسنا سادة حياتنا ومصيرنا، وأنّه لا يمكننا أن نخلص إلا معًا، انغمس العالم في دوامة الحرب وإعادة التسلح. سباق لإعادة التسلح يبدو أنه لا يمكن إيقافه ويخاطر بأن يقودنا إلى الدمار الذاتي. إن الحرب التي تُشنّ ضد أوكرانيا المعذبة، حرب دموية في قلب أوروبا المسيحية، ليست سوى أحد الأجزاء العديدة لتلك الحرب العالمية الثالثة التي بدأت للأسف منذ سنوات. هناك العديد من الحروب التي لا تزال منسية، فيما تستمر العديد من الصراعات، والعديد من أعمال العنف التي لا توصف.
أضاف الحبر الأعظم يقول كيف يُسائل هذا كلّه الشباب؟ ما الذي قد دُعوا إليه مع طاقاتهم ورؤاهم للمستقبل وحماسهم؟ هم مدعوون لكي يقولوا “نحن نهتم”، نحن مهتمون، نحن نهتم بما يحدث في العالم، وبآلام الذين يخرجون من بيوتهم ويخاطرون بعدم العودة إليها أبدًا، ومصير العديد من أقرانهم الذين وُلدوا ونشأوا في مخيمات اللاجئين، حياة العديد من الشباب الذين، ولكي يهربوا من الحروب والاضطهاد أو حتى لكي يحاولوا فقط كسب عيشهم، يواجهون عبور البحر الأبيض المتوسط ويموتون تبتلعهم الهاوية. نحن مهتمون، ونهتم بمصير ملايين الأشخاص، والعديد من الأطفال، الذين ليس لديهم ماء أو طعام أو رعاية طبية، بينما يبدو أن الحكام يتنافسون لكي يعرفوا من ينفق أكثر على الأسلحة المتطورة. نحن مهتمون وقريبون من الذين يتألّمون في صمت مدننا ويحتاجون لمن يقبلهم ويصغي إليهم. نحن مهتمون بمصير الكوكب الذي نعيش فيه والذي نحن مدعوون لكي نحافظ عليه لكي نُسلِّمه للذين سيأتون من بعدنا. نحن مهتمون بكل شيء، حتى بالبيئة الرقمية التي نعيش فيها، ولدينا تحدّي أن نُغيِّرها ونجعلها أكثر إنسانية.
تابع الأب الأقدس يقول لقد كانت الأيام العالمية للشباب بمثابة ترياق للتخدير الذي يجعلكم تفضلون الأريكة، وللامبالاة. لقد أشركت وحرّكت وهزّت وتحدّت أجيالاً من النساء والرجال. بالطبع، لا يكفي أن تكون لديكم خبرة “قوية” إذا لم تنمّوها وإذا لم تجد أرضًا خصبة تعضدها وترافقها. إنَّ اليوم العالمي للشباب هو حدث نعمة يوقظ، ويوسع الأفق، ويقوي تطلعات القلب، ويساعد على الحلم، والنظر إلى ما بعد. إنه بذرة مزروعة يمكنها أن تؤتي ثمارًا جيدة. نحتاج اليوم إلى شباب متيقظين، حريصين على الإجابة على حلم الله، ويهتمّون بالآخرين. شباب يكتشفون فرح وجمال الحياة التي نبذلها في سبيل المسيح في خدمة الآخرين، والأشخاص الأشدَّ فقرًا والمتألِّمين.
أضاف الحبر الأعظم يقول جميع هذه الأمور قد خطرت ببالي فيما كنت أتصفح صفحات هذا الكتاب الجميل الذي كتبته أورا ميغيل، صحفيّة من Rádio Renascença، عاشت كمراسلة جميع الأيام العالميّة للشباب. في الواقع، لا، لم تعشها كلّها كما أخبرتني بنفسها على متن الطائرة التي كانت تنقلنا إلى ريو دي جانيرو في تموز يوليو ٢٠١٣، لقد عاشتها كلُّها باستثناء اليوم العالمي الأول للشباب، الذي تم الاحتفال به في الأرجنتين، في بوينس آيرس، في عام ١٩٨٧. فأجبتها أنّه كان اليوم العالمي الوحيد للشباب الذي شاركتُ فيه. من كتاب أورا، يعجبني خيار تقديم الأيام العالميّة للشباب مُدرجة في زمنها، مع التسلسل الزمني للأحداث الرئيسية التي حدثت في العالم وفي الكنيسة. كما يعجبني كثيرًا أن جوهر القصة هو ما حافظت عليه، كصحفية ومؤمنة، من تلك الخبرات: لأنَّ المشاركة الشخصية لا يمكن مقارنتها أبدًا مع المتابعة عن بعد، على الرغم من قراءة ورؤية كلِّ شيء من خلال التلفزيون.
تابع الأب الأقدس يقول في رسالة اليوم العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي لعام ٢٠٢١، دعوت الصحفيين لكي يستهلكوا نعل أحذيتهم لأن كل معلومة جيّدة وحقيقية تقوم على اللقاء الشخصي مع الواقع، والمواقف، والأشخاص. وأورا قد قامت بذلك، والطريقة التي تُعيد بها إلينا هذه الخبرات لا تقدر بثمن. إن مهنة الصحفي ليست وظيفة شخص يراقب ما يحدث من الخارج ويحلله فقط بطريقة مُجرَّدة. إنَّ الشخص الذي يعمل في مجال الاتصالات يسمح للواقع الذي يلتقي به بأن يؤثِّر عليه ولهذا السبب هو قادر على أن يرويه ويجذب بشغف مُستمعيه وقُرَّائه. ووحدهم الذين يسمحون للأمور والأحداث أن تجذبهم بشغف وتؤثِّر بهم يمكنهم أن يجذبوا بشغف مُستمعيهم وقُرّائهم ويؤثِّروا بهم.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أتمنى لجميع قراء الكتاب أن يكتشفوا أو يعيدوا اكتشاف من خلال هذه الصفحات جمال وغنى خبرة الأيام العالمية للشباب، وأن يعيشوا بفرح وامتنان للرب اليوم العالمي للشباب لعام ٢٠٢٣ الذي سيقام في لشبونة. الأول الذي سيمكن لأورا ميغيل أن تتابعه بدون أن يتوجّب عليها أن تسافر حول العالم، لأنه وبعد عقود عديدة، سيُعقد في بلدها وفي مدينتها.
(المصدر راديو الفاتيكان)