قدم الأب يوسف عبد النور اليسوعي، الأمين العام لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، تقرير المسيرة السينودسية بالكنيسة الكاثوليكية بمصر، برئاسة غبطة أبينا البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، ورئيس المجلس.
ويشارك حاليًا بطريرك الأقباط الكاثوليك في فعاليات المرحلة القارية لسينودس الأساقفة، بلبنان، يرافقه نيافة الأنبا عمانوئيل عياد، مطران إيبارشية طيبة للأقباط الكاثوليك، وممثلي الكنيسة الكاثوليكية بمصر.
وجاء تقرير المسيرة السينودسية بالكنيسة الكاثوليكية بمصر كالتالي: تقرير لجنة السينودس المركزية للكنائس الكاثوليكيّة في مصر حول الوثيقة القاريّة “وسّعي أرجاء خيمتك”
مقدّمة: أغلبية وأقلية. وقد فاجأتنا مشاركات الكنائس المتنوّعة، إذ إنّها تحمل خبرات مشتركة وتحديات متقاربة، غير أنّنا نودّ أن نشير إلى قصر الوقت المطلوب للتواصل مع ممثليّ جميع الكنائس.
أولاً: بعد قراءة الوثيقة القاريّة في جوٍّ من الصلاة، ما هي الأفكار التي تتلاقى بشكلٍ حثيثٍ مع خبرات الكنيسة وواقعها في قارتك؟ ما هي الخبرات التي تبدو لك جديدة ومُنيرة؟
أ- الانتباه للمهمّشين والفقراء: على الصعيد العمليّ نبتغي إدماج المستبعدين والمهمّشين كي تكون الكنيسة مساحة آمنة للجميع. ونخصّ بالذكر هنا الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة والمهاجرين واللاجئين والذين يعانون من حياة غير مستقرّة، والأطفال بلا مأوى. كما تناولنا ضرورة تكاتُف الجميع بغية تسهيل إعلان بشارة الإنجيل في الأماكن التي تعاني من العوز. إنّ العدد الأكبر من أبناء الكنيسة الكاثوليكيّة يتمركز في جنوب مصر، وهي مناطق إلى جانب احتياجها الماديّ، هي مهمّشة وتحتاج أن نوليها أولويّة رسوليّة أكثر وضوحًا. جدير بالذكر الإشارة إلى الهجرة الداخليّة التي تسبّبت من إفراغ الصعيد أو الجنوب من أبناء الكنيسة أصحاب الكفاءات الذين تكوّنوا في الكنيسة وهاجروا للعاصمة بحثًا عن فرصة عمل.
ب- التنشئة الشاملة على السينودسيّة: في خضم مشاركتنا حول الأسئلة التي طرحتها الوثيقة القارية كان هاجسنا المُشترَك هو التالي: من المفيد الحصول على هذه الوثائق وقراءة هذه المُستندات، ولكن ماذا بعد؟ من هنا تظهر الحاجة التأكيد على التنشئة الشاملة على السينودسيّة لكلّ إنسان ولكلّ الإنسان.
وفي حديثنا عن التنشئة الروحيّة، تناولنا ما تحمله كنائسنا الشرقيّة من تراث روحي غني ساهم في إثراء الحياة الروحيّة الكنسيّة. واليوم أمام ما نواجهه من تحديّات اقتصاديّة واجتماعيّة، يبقى الدور المحوريّ للإكليروس والمكرّسين هو مرافقة شعب الله في طريق النضج الروحي.
ج- الحوار مع الإسلام: لم تظهر هذه النقطة وقت تحضير التقرير ولكن بعد اجتماعنا في لبنان. هناك المبادرات المتعدّدة التي تقوم بها الرهبانيات المختلفة في مصر، سواء على مستوى الحوار الإسلاميّ المسيحيّ لاهوتيًا كما يقوم به الدومينيكان والفرنسيسكان أو على المستوى الثقافي والذي يقوم به اليسوعيّون.
د- الخبرات الجديدة والمنيرة: ظهور الحركات الكاريزماتية في الكنيسة الكاثوليكية خاصة تلك المبنية على التسبيح، والتي تقوم بدور كبير وهام في دعم التقارب بين الشباب وتعزيز انتمائهم الكاثوليكي. كما سعت الكنيسة في مصر إلى توضيح دور السينودس وآليّاته عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ التي تسعى أن تخاطب الشباب بلغتهم. وكان من نتاج ذلك، أن ترى القناة الكاثوليكيّة “معًا” النور، والتي جاء اسمها تجسيدًا لهدف السينودس في السير معًا.
ثانيًا: ما هي التوترات والاختلافات الأساسية التي تبدو مهمة بالنسبة إلى قارتك مستقبلاً؟ ما هي الأسئلة والتساؤلات التي يجب مواجهتها وأخذها بعين الاعتبار في المراحل اللاحقة للمسار
أ- ما بين الإكليروسيّة والسلبيّة: هناك التجاوزات التي صدرت من قِبل بعض رجال الإكليروس والمكرّسين والتي أثّرت في طريقة تعاطي المؤمنين معهم. تلك التجاوزات التي يعزيها البابا فرنسيس إلى الإكليروسيّة التي هي “إفقار روحي” ووضع السلطة في اتّجاه السيطرة عوضًا عن الخدمة. وهناك أيضًا روح السلبيّة التي يعيشها بعض المؤمنين، إذ لا يرون لأنفسهم دورًا مهمًا في حياة الكنيسة واكتفى وجودهم في الكنيسة على ممارسة الأسرار والحضور في المناسبات العامّة.
ب- تحدّيات الشباب والعائلة: إنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعيّ الصعب يهدّد شبابنا وعائلاتنا على السواء. شبابنا يختار غالبًا الهجرة والعائلات تمرّ بتحدّيات لا حصر لها من أجل تسليم أبنائنا وديعة الإيمان. علينا أن نعترف بأنّ هذه التحدّيات تتخطّانا بصفتنا كنيسة. كما نعيش حالة من الفراغ الروحيّ أو ما يمكن أن نسميه “التفاهة” التي تأتي من عدم قدرتنا على التمييز بين الغاية والوسيلة وبين الشكل والمضمون.
ج- الاستقبال داخل الكنيسة: بصورة محدّدة لا تتوفّر في البُنية الكنسيّة التحتيّة الوسائل المناسبة لتسهيل مشاركة ذوي الإعاقات الحركية في حياة الكنيسة والليتورجيا. كما نعاني من عجز في إدماج ذوي الإعاقة السمعيّة والبصريّة في الخدمات الكنسيّة. وبصفة عامّة في إطار مجتمعيّ يغلب عليه الطابع الأبوي الذكوري الذي يخلِّف أنواع مختلفة من المهمّشين كالنساء والفقراء وغير المتعلّمين، ما هي الآليات الأنسب لكنيستنا كي تفعّل الاستقبال والإصغاء إلى المستبعدين كي يسيروا مع شعب الله المساواة بحسب كرامة المعموديّة؟
د- الشتاء المسكونيّ”: نعاني في مصر من اختلاف مواعيد الأعياد الكبرى بين الطوائف المختلفة، كما نواجه تحدّيات فيما يخصّ العائلات المختلطة، إذ تسبّب الاختلافات بين الكنائس في خلافات داخل العائلات نتيجة اختلاف الأعياد وإعادة المعموديّة وعدم الاستضافة الافخارستيّة ما بين الكنائس المختلفة.
ختامًا: ما هي الأولويات والمواضيع الواردة التي يمكن مشاركتها مع الكنائس المحلية الأخرى في العالم، والتي قد تصلح لمناقشتها في الجلسة الأولى للجمعية السينودسية في أكتوبر 2023؟
أ- منهج للتنشئة الشاملة على “السير معاً”: تتأسّس هذه التنشئة الشاملة على مركزية الكتاب المقدس. ويتأصّل الفكر السينودسي في مكاتب التعليم المسيحيّ والمعاهد الكاثوليكيّة والإكليريكيات. مع ضرورة الإشارة إلى التكوين المستمرّ والمتطوِّر على المستوى النفسي والروحي والتعليميّ لكلّ أبناء شعب الله من إكليروس وعلمانيين. تكوين في الكنيسة والعائلة وكي نسير معًا، يجب أن يتوفّر هذا التكوين للجميع على قدر المساواة. لا ينبغي أن يستفيد من التكوين الأكثر قدرة ماديًّا أو علميًّا، بل أن نتشارك الكلمة كلّ بحسب موهبته.
ب- كنيسة سينودسيّة للجميع: أظهرت المشاركات الدعوة الملحّة لإعطاء مساحة أكبر لدور المكرسين والمكرسات والعلمانيين في مجالات الرسالة والقيادة واتّخاذ القرار في الكنائس المحلية.
ج- التجديد الليتورجيّ: ضرورة الاستماع إلى الشباب وإشراكهم في هذا التجديد، مع الحفاظ على الأصالة. فالتجديد عليه أن يُؤسَّس على علاقة الليتورجيا بما نعيشه اليوم مع التركيز على مركزية الكتاب المقدّس والتجديد في نصوصه الليتورجيّة.
د- التنشئة الروحيّة: في مواجهة الروح الإكليروسيّة، علينا التركيز على روحانيّة متجسّدة في العالم أكثر علمانيّة، بمعنى أن نعمل على تنشئة روحيّة للإكليروس والعلمانيين تهدف إلى أن نسير معًا في قلب العالم، متمسّكين بتراثنا الشرقي الغني مع تكييفه وإدماجه في السياق المدني الذي يعيشه العلمانيون.
هـ- المعايشة المسكونيّة: ننادي بالعمل على تعزيز العلاقات المسكونيّة من خلال المعايشة. أن تصبح الحركة المسكونيّة حركة شعبيّة تلتزم بالحوارَ الذي هو أسلوب حياة وممارسة المحبّة والشركة على مستوى القاعدة. بهذا يمكن للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة أن تمدّ جسورًا ما بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة والكنيسة الكاثوليكيّة.
(المصدر المكتب الإعلامي للكنيسة الكاثوليكية)