فقدت الكنيسة الجامعة والكنيسة المحلية علماً من أعلامها ، فقد ملأ السمع والبصر طيلة ستين عاماً من الخدمة الرهبانية والكهنوتية والتي بعظاته ومحاضراته تجمّع حوله تلاميذ ومريدين كُثر وكنت من هؤلاء المتشوقون للإصغاء إليه ومما لاشك فيه أنه شكل فكر ووجدان كل أبناء جيلي والجيل الذي قبلي والجيل الذي بعدي .
دخلت في السكرستيا في إحدى الأديرة بالإسكندرية لأتفق معه على سير يوم الرياضة الروحية التي كنت أنظمها لشباب الروم الكاثوليك وذلك عام 1982 و هو لم يكن يعرفني ولكن من أول لحظة نزع عن وجهه نظارة القراءة وأشار إليّ بصوت مرتفع قائلاً ” انت لازم تعمل قسيس ” وهذه النبوءة تحققت بعد عشر سنوات فكانت إشارة السماء لزوجتي وانا لتؤكد ما كنا نصلي من أجله وكانت ” الدعوة ” ولا شك أن الأب هنرى سبب لدعوات كثيرة في الكنيسة المصرية إما كهنوتية أو رهبانية أو مكرسة بل علمانية ملتزمة بالإيمان والكرازة.
بعد ذلك عملنا مع بعضنا البعض فى خدم كثيرة ومتنوعة منها المساعدات للسودان مع الشباب الذي كان الأب هنري يرسلهم هناك حتى العمل في تأسيس احدى القنوات المسيحية الكاثوليكية في لقاء اسبوعي مدة سنتين ، فكان دائماً لىِ المرشد والمعلم والمثل الأعلى .
الأب بولاد كان أيقونة للمسيحية الحقة، يكرز بالإنجيل وتعاليم الكنيسة أينما ذهب ويعيشها يومياً في حياته وخدمته وتواضعه وإنكاره لذاته ، عُرف بنشاطه المفرط واحلامه وطموحاته للخدمة التي بلا حدود وكان يقول ما زحاً سأعيش ١٢٠ سنة حتى أحقق ما أحلم به .
فقدنا معلماً يُعلم كل من طلبوا منه العلم بدءً من طلبة المدارس اليسوعية مسلمين ومسيحيين ولم ينغلق عليهم بل كرز وعلم في أغلب كنائس مصر المختلفة وفي كنائس في الخارج خاصة كندا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. لقد فقدنا مفكراً روحانياً أي يفكر ويمنطق الأشياء ولا يفقد بوصلة الإنجيل بل دائماً مبشراً بالله والإنسان . فهو من أعظم من أنجبتهم الكنيسة فهو صاحب رؤية ثاقبة ولا يخشى أحد ولا يبالي بالكلاسيكيات بل يذهب ألى أبعد الحدود فاستشرف المستقبل .
الأب بولاد له عدة مؤلفات كانت صادمة للمجتمع المصري لأنها خارجة عن المألوف على سبيل المثال الولادة في الموت – لا أؤمن بهذا الجحيم – أمثال يسوع بين الأمس واليوم – كتاب أبعاد الحب – يسوع يرتدي الجينز – منطق الثالوث – الأفخارستيا اللى فينا – الإنسان وسر الزمن – أسطورة التضخم السكاني وغيرها فمنها ما ترجمت إلى عدة لغات .
كان الأب هنرى بولاد قارىء أميناً لجريدة حامل الرسالة ويكتب فيها مقالات كثيرة باللغتين الفرنسية والعربية وكذلك حوارات ثرية أثرت الجريدة بفكره ولاهوته وتعاليمه.
شكراً للرب الذي أعطانا هبة الحياة في الأب هنري بولاد وشكراً لان الرب تجلى من خلال اعماله واقواله الكثيرة خاصة الذين كانوا الأكثر احتياجاً والذي لم يبخل عليهم عطاءً .
شكراً ابونا بولاد على عظاتك التي تربينا عليها و محاضراتك التي صداها في قلوبنا وفكرنا وحضورك المستمر وتأهبك للخدمة في أي وقت وفي أي مكان ..فليكن ذكره مؤبداً …. المسيح قام