
الكرسي الرسولي: نزع السلاح النووي ومنع انتشاره واجب قانوني ومسئولية خلقية تجاه البشرية كلها
شارك مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، رئيس الأساقفة إيتوريه بالستريرو، في اجتماع اللجنة التحضيرية الثانية لمؤتمر إعادة النظر في معاهدة منع الانتشار النووي المقرر عقده ٢٠٢٦، وألقى سيادته خلال اللقاء مداخلة عبر فيها عن قلق الكرسي الرسولي المتنامي حيال ارتفاع النفقات العسكرية في المجال النووي، وإزاء المخاطر التي تترتب على التكنولوجيات الحديثة، مؤكدا أن نزع السلاح هو مسؤولية خلقية تجاه البشرية.
وقال: إن الصراعات المسلحة الدائرة اليوم، لاسيما الحرب في أوكرانيا، تذكّرنا بضرورة الاستمرار دوماً في البحث عن الحوار، وبأن حيازة الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل تضاعف المخاطر وتعطي وهماً بتحقيق السلام، كما سبق أن كتب البابا فرنسيس في رسالته إلى أسقف هيروشيما في مايو ٢٠٢٣ بمناسبة انعقاد قمة مجموعة السبع.
وأضاف سيادته: أن الكرسي الرسولي قلق جداً من التهديد الوجودي الذي يمثله انتشار الأسلحة النووية، لافتا إلى أن هذا التهديد ينمو وسط التوترات الراهنة وإزاء التحديث المستمر للترسانات النووية، وتوسيع نطاقها، مُذكرًا بأن البابا فرنسيس شدد في أكثر من مناسبة على عدم خلقية إنتاج وحيازة السلاح النووي، لاسيما في الخطاب الذي وجهه إلى أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي مطلع هذا العام، ولم يخف قلقه الكبير حيال زيادة حجم النفقات العسكرية المرتبطة بالتسلح النووي بالإضافة إلى التهديد باللجوء إلى هذا النوع من السلاح، وأكد أن هذه التهديدات هي إساءة للبشرية كلها، لأن أي حرب نووية محتملة ستترتب عليها تأثيرات مدمرة لا يمكن إصلاحها، ناهيك عن خسائر في الأرواح لم نشهد لها مثيلا لغاية اليوم.
وقال مراقب الكرسي الرسولي: إنه إزاء الإنتاج المتواصل للسلاح لابد أن نفكر بأن نزع الأسلحة ومنع انتشارها هما واجب قانوني وفي الوقت نفسه مسؤولية خلقية تجاه أعضاء العائلة البشرية كلها، وتوقف سيادته عند الزيارة التي قام بها البابا إلى اليابان نوفمبر ٢٠١٩ لاسيما زيارته للحديقة التي تُحيي ذكرى إلقاء القنبلة الذرية على مدينة ناجازاكي، عندما أكد الحبر الأعظم أن السلام والاستقرار الدوليين ممكنان فقط انطلاقاً من خلقية عالمية للتضامن والتعاون، توضع في خدمة مستقبل يرتكز إلى اعتماد الدول على بعضها البعض والمسؤولية المشتركة.
وأوضح الدبلوماسي الفاتيكاني: نظراً للتوترات الراهنة في العالم وتبعاتها الكارثية على الصعيد الإنساني، التي تنتج عن استخدام محتمل للسلاح النووي، لا بد من عقد حوار صادق يهدف إلى وضع قيود ملزمة على كل الأسلحة النووية ومنظومات الإطلاق، على الصعيد العالمي، وأشار إلى أن التقدم في مجال منظومات الإطلاق والتكنولوجيات المعلوماتية زاد من تعقيد المخاطر المرتبطة بحيازة الأسلحة النووية، حتى في حال وجود تصعيد لا إرادي لأن هذا التصعيد يتطلب اتخاذ قرارات سريعة بالرد، ويزيد من احتمال استخدام الأسلحة النووية.
مشيرًا إلى التكلفة الباهظة لهذه الصناعة والتي تنعكس سلباً على الخير العالمي، لافتًا إلى أن الموارد البشرية والمالية المخصصة حالياً لجهود تحديث هذه الترسانات يمكن أن توجَّه نحو مشاريع تنموية تتجاوب مع الاحتياجات الطارئة للشعوب الأشد فقرا وهشاشة، مذكرًا بأن الكرسي الرسولي تقدم منذ فترة طويلة باقتراح يقضي بإنشاء صندوق عالمي، يموَّل جزئياً بفضل الأموال التي تُرصد للنفقات العسكرية ولشراء الأسلحة، من أجل استئصال الجوع في العالم وتحقيق التنمية في البلدان الفقيرة، والإسهام في بناء ثقافة الحياة والسلام.
ولفت إلى أن الكرسي الرسولي يؤكد مجدداً على قناعته الراسخة بأن عالماً خالياً من السلاح النووي هو أمر ممكن وضروري في الآن معا، واعتبر أنه يمكن أن تعمل الجماعة الدولية على تعزيز معاهدة منع الانتشار النووي ومعاهدة تحظير الأسلحة النووية، بالإضافة إلى عملية التحقق من نزع السلاح النووي، والاستصلاح البيئي وتقديم الدعم للضحايا، مع الأخذ في عين الاعتبار الدور الثمين للشراكة الدولية، التي ساهمت، خلال السنوات العشر الماضية، في تحديد التحديات الفنية والحلول الممكنة المرفقة بعملية التحقق، وذلك بروح من التعاون بين الدول التي تملك الأسلحة النووية وتلك التي لا تملكها.
(راديو الفاتيكان)