
البابا يحتفل بالعام الـ12 لانتخابه بطريركا على الكرسي البطرسي مع طاقم الرعاية بالمستشفى
أفادت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي بأنّه في فترة بعد ظهر الخميس 13 مارس، أحضر الطاقم الطبي كعكة مزينة بالشموع إلى غرفة البابا احتفالًا بالذكرى الـ12 لانتخابه حبرًا أعظم.
كذلك، تابع البابا الرياضة الروحية للكوريا الرومانية عبر اتصال مرئي مع قاعة بولس السادس. بعد ذلك، استأنف علاجه بالتنفس العلاجي. ويستمر التناوب بين التهوية الميكانيكية غير الباضعة خلال الليل والأوكسجين عالي التدفق عبر القنيات الأنفية خلال النهار.
أما حالته السريرية، فتبقى مستقرة ضمن إطار صحي معقد.
هذا وصادف يوم 13 مارس الذكرى الثانية عشرة لانتخاب البابا فرنسيس خليفةً للقديس بطرس الـ266، ومع دخوله عامه الـ13 في أسقفية روما، لا يتواجد فرنسيس في الفاتيكان؛ بل هو مريض في مستشفى جيميلي بروما، حيث يواصل علاجه من التهاب في كلتا الرئتين خلال منذ يوم 14 فبراير الماضي، وهو الآن في مرحلة نقاهة مما كان خطرًا محدقًا.
احتفال في المستشفى
أصبح مستشفى جيميلي بمثابة فاتيكان ثانٍ، أو ربما “فاتيكان 2″، لأنّ البابا فرنسيس يواصل إدارة الكنيسة الكاثوليكيّة من هناك، حيث يستقبل كبار مسؤولي الفاتيكان، ويطلع على التقارير، ويوافق على المراسيم لإعلان قديسين وطوباويين جدد، ويرشح أساقفة للأبرشيات في جميع أنحاء العالم، ويتفاعل مع فعاليات اليوبيل، ويُعرب عن قلقه إزاء الصراعات العالميّة، بما في ذلك الصراع في إسرائيل وفلسطين، وأوكرانيا، ولبنان، والسودان، وميانمار، وضحايا الفيضانات في وطنه الأرجنتين.
اللحظات الأولى بعد الانتخاب
كان الكاردينال جورجي ماريو بيرجوليو، البالغ من العمر آنذاك 76 عامًا، رئيسًا لأساقفة بوينس آيرس اليسوعي، عندما صوّت 115 كاردينالًا من 47 دولة، اجتمعوا في الكونكلاف، لانتخابه حبرًا أعظمًا بعد ظهر الأربعاء الموافق 13 مارس 2013، وقد أحدث انتخابه المفاجئ تحوّلًا جذريًّا في الكنيسة الكاثوليكيّة بأعضائها البالغ عددهم 1.3 مليار مؤمن، ونقل قيادة الكنيسة لأوّل مرّة في التاريخ من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، حيث يعيش ما يقرب من 40% من كاثوليك العالم.
كنيسة مرسلة وفقيرة
كانت تلك بداية ثورة فرنسيس وإصلاحه للبابويّة، التي غيّرت الكنيسة الكاثوليكية وصورتها في العالم بشكل كبير على مدار الـ12 سنة الماضية، بدأ الأمر بتغيير في البابويّة، حيث ألغى فرنسيس العديد من رموز المكانة الاجتماعية، وقرّر العيش في شقة صغيرة في بيت القديسة مرتا بالفاتيكان بدلاً من الشقة البابويّة في القصر الرسولي.
وسعى البابا اليسوعي الأوّل إلى تقريب الناس من يسوع، من خلال أفعاله وأقواله. وكان لخطاباته التي شرح فيها الإنجيل تأثير كبير، لا سيما خلال وباء كورونا، إذ تحدث بلغة يفهمها عامة الناس. كما كان لتصرفاته، مثل احتضانه الرجل ذي الوجه المشوه بشدة، تأثير كبير.
وبصفته بابا، سعى إلى تغيير عقلية العاملين في الفاتيكان قبل تغيير هيكله. تُشبه خطاباته قبل عيد الميلاد، والتي تهدف إلى هذا الهدف، خطابات مُرشد الرياضات الروحيّة. كما أصرّ على نقل الكوريا الرومانية إلى مركز خلوة روحيّة خارج روما للأسباب نفسها. كما غيّر هيكل الكوريا الرومانية وأولوياتها بإدخال إصلاحات في دستورها الجديد “أعلنوا البشارة”، حيث وضع هذه المهمّة على رأس أولوياته. ومنذ اليوم الأول، أراد فرنسيس كنيسة مرسلة، وكوريا رومانية ذات طابع إرسالي، تكون في خدمة البابا والأساقفة على حد سواء، وبهذه الطريقة “تقترب من حياة الناس اليوميّة، فتقصّر المسافات، وتتنازل إلى أدنى حدّ إن لزم الأمر، وتأخذ على كاهلها حياة الناس، وتلمس جسد المسيح المتألّم في الناس”.
نحو الأطراف
وفي أول لقاء له، في 16 مارس 2013، التقى البابا فرنسيس، مع نحو 6 آلاف إعلاميًّا وإعلاميّة، في قاعة بولس السادس جاؤوا لتغطية أحداث الانتخاب. وقال لهم: “كم أود أن تكون الكنيسة فقيرة، وللفقراء!”. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدار السنوات الـ12 الماضية، وضع الفقراء في قلب خدمته البابويّة، ومدّ يده إلى المشردين وضحايا الاتجار بالبشر والأشخاص المهمّشين في العالم، وذهب إلى الأطراف الجغرافية والوجودية للعالم.
وبشكل خاص، فعل ذلك في رحلاته الخارجيّة الـ47، عندما زار 67 دولة، العديد منها مزقتها الحرب، بما في ذلك العراق والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى وميانمار وجنوب السودان. وفي سبتمبر الماضي، واصل الذهاب إلى الأطراف عندما قام برحلة شاقة لمدة 12 يومًا، وهي الأطول في حبريته، إلى إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وسنغافورة.
وحتى من على سريره في المستشفى، لم يكفّ الإعراب عن قلقه إزاء محنة الأوكرانيين، وإزاء معاناة الفلسطينيين في غزة، ودائمًا ما يدعو إلى وقف العنف والقتل في سوريا، التي عانى شعبها كثيرًا جراء ما يقرب من 14 عامًا من الحرب. ومن المستشفى، قال: “تبدو الحرب أكثر عبثية من هنا”.
سلطة أخلاقيّة
مع دخوله عامه الـ13 كحبر أعظم، يقف البابا فرنسيس شامخًا كسلطة أخلاقيّة في عالم اليوم، صوتًا يدعو إلى الإنسانيّة والسلام واحترام كرامة جميع البشر، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية. بالنسبة له، نحن جميعًا أبناء الله، مدعوون إلى محبة واحترام بعضنا البعض كإخوة وأخوات، كما صرّح بوضوح في رسالته العامّة “كلّنا إخوة”. إنها رسالة يصعب نقلها في عالم يزداد استقطابًا، حيث يتغلب الأقوياء على حكم القانون الإنسانيّ الدوليّ، لكن قداسته يواصل مساعيه لإقناع الناس لبناء عالم أفضل. إنّ صوته اليوم أكثر أهميّة مما كان عليه عندما انتُخب، في ظل الأوضاع المأساويّة التي نواجهها.
وبينما يتطلع البابا فرنسيس إلى المستقبل، سيحرص على ضمان استمرار تقدّم العملية السينودسيّة، وهو أهم مشروع في حبريته، ورسم ملامح مستقبل الكنيسة الكاثوليكية، بما يترتب على ذلك من نتائج مهمة في تعزيز الوحدة المسيحية. وقد أقرّ الوثيقة الختامية للسينودس دون أي تعديلات، وشكّل مجموعات دراسية لمناقشة المواضيع المهمة التي برزت في السينودس.
حجاج رجاء
في 24 ديسمبر 2024، افتتح البابا فرنسيس سنة اليوبيل، التي تتمحور حول موضوع الرجاء. ودعا المؤمنين إلى أن يكونوا “حجّاج رجاء” في عالم مستقطب وعالم في حالة حرب، ومن المتوقع أن يصل 30 مليون شخص إلى روما خلال سنة اليوبيل التي تنتهي في 6 يناير2026. وبسبب دخوله المستشفى، لم يتمكن فرنسيس من المشاركة إلا في أول فعاليتين يوبيليتين: الأولى لعالم الاتصالات، والثانية للقوات المسلحة والشرطة. كما اضطر إلى تفويت فعاليات اليوبيل الخاصة بالفنانين والشمامسة والمتطوعين.
ولكن كما يظهر السجل التاريخي، فإن وجود البابا ليس عنصرًا أساسيًّا في اليوبيل، لأنّه في المقام الأول والأخير هو الحج إلى قبور الرسولين القديسين بطرس وبولس، والمرور عبر الأبواب المقدّسة للحصول على غفرانات اليوبيل الكاملة التي منحها البابا.
يرغب الحجاج، بالطبع، في رؤية البابا والحصول على بركاته، ويريد فرنسيس بالتأكيد مقابلتهم. ولكن اليوم، كما في الماضي، لا يكون الباباوات حاضرين دائمًا طوال فترة عام اليوبيل. في الواقع، كان البابا كليمنضوس السادس في المنفى في أفينيون، فرنسا، طوال مدة عام اليوبيل عام 1350. وفي مناسبات أخرى، كان الباباوات خارج روما لعدة أشهر خلال هذه السنوات، وكان بعضهم مريضًا في لحظات معينة. ولكن مرة واحدة فقط في تاريخ اليوبيل الممتد 700 عام، افتتح بابا واحد عام اليوبيل وأغلقه آخر: افتتح البابا إنوسنت الثاني عشر عام 1700 وأغلقه البابا كليمنت الحادي عشر. يأمل البابا فرنسيس، الذي افتتح يوبيل 2025، أن يختتمه أيضًا في 2026. ويصلي الحجاج من أجل ذلك.
المستقبل؟
يبلغ البابا فرنسيس الآن 88 عامًا، ووفقًا للسجلات التاريخية (بالتأكيد للألفية الثانية)، يُقال إنه ثالث أكبر بابا سنًا يقود الكنيسة الكاثوليكيّة. كان البابا الأكبر سنًا هو ليون الثالث عشر (1810-1903)، الذي توفي عن عمر يناهز 93 عامًا و140 يومًا، أما البابا الثاني الأكبر سنًا فكان سلستين الثالث (1106-1198)، الذي توفي عن عمر يناهز 92 عامًا.
في الأسابيع التي تلت دخول فرنسيس المستشفى، كُتب ونُوقش الكثير في وسائل الإعلام حول ما إذا كان سيتبع مثال البابا بندكتس السادس عشر ويستقيل، نظرًا لأن ذلك منصوص عليه أيضًا في القانون الكنسي. في الماضي، أشاد فرنسيس ببندكتس لاستقالته وقال إنه “فتح الباب” للآخرين. من ناحية أخرى، وفي لقائه مع اليسوعيين في كينشاسا، صرّح البابا اليسوعي بوضوح أنه يعتبر انتخابه بابا بمثابة انتخاب مدى الحياة. كما قال في أكثر من مناسبة: “إنّ المرء يحكم الكنيسة بالعقل لا بالساقين”.
أخبرني الكرادلة الذين يعرفونه جيدًا أنهم مقتنعون بأنه، على غرار القديس يوحنا بولس الثاني، لن يستقيل. حاليًا، من المرجح أن يبقى البابا فرنسيس في المستشفى لمدة أسبوع آخر على الأقل حتى يتعافى تمامًا من الالتهاب الرئوي. وبمجرد وصوله إلى هذه المرحلة، سيعود إلى الفاتيكان لمواصلة الرسالة التي كلفه الله بها طالما شاء.
(راديو الفاتيكان)