
كاتدرائية نوتردام تعيد فتح أبوابها بعد 5 سنوات من الحريق المدمر
افتتحت، السبت مساء الماضي، كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية باريس أبوابها مجددًا، السبت، بعد مرور خمس سنوات ونصف السنة على اندلاع حريق هائل دمّر برجها وسقفها وأوشك على التسبب في انهيار التحفة المعمارية المبنية على الطراز القوطي بالكامل.
وتم ترميم الكاتدرائيّة التي تعود إلى القرون الوسطى بعناية فائقة مع تشييد برج وأقبية مضلعة جديدة وعودة دعائمها وتماثيل الجارجول، وهو كائن خرافي، الحجرية المنحوتة إلى مجدها القديم، فيما أصبحت الأحجار البيضاء والزخارف الذهبية أكثر تألقًا من أي وقت مضى.
وشارك في الاحتفاليّة الرسميّة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى جانب نحو أربعين من قادة الدول والحكومات والملوك والأمراء، بينهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ووريث العرش البريطاني الأمير وليام.
وانطلقت المراسم عند الساعة 19,00 بالتوقيت المحلي (الساعة 18,00 ت غ) مع تشريع الأبواب من جانب رئيس أساقفة باريس لوران أولريش الذي طرق ثلاث مرات عليها بعصاه الأسقفيّة المصنوعة من الخشب المتفحم من سقف الكاتدرائيّة، إيذانًا بإعادة افتتاحها رسميًّا.
إنجاز المستحيل
وتواصل الاحتفال داخل الصرح، حيث تخلل البرنامج بث فيلم استعاد عملية ترميم الكاتدرائية التي شيّدت قبل أكثر من 860 عامًا، ودخول لفرق الإطفاء والحرفيين حيث صفّق الحضور بشكل حار لجميع من ساعد وعمل على إعادة بناء هذه التحفة التاريخيّة.
وألقى الرئيس ماكرون خطابًا احتفالاً بما وصفه بـ”فخر فرنسا”. وقال “لقد أعدنا اكتشاف ما يمكن أن تصنعه الأمم العظيمة: إنجاز المستحيل. لقد اخترنا الإرادة والأمل، ولجعل ذلك ممكنا، أخوة غير مسبوقة”. وأضاف “علينا ألا ننسى أن عظمة هذه الكاتدرائية لا يمكن فصلها عما قام به الجميع”، مؤكدًا “امتنان الأمة الفرنسية” لجميع من شاركوا في ترميم الكاتدرائية.
وقرأ السفير الفاتيكاني الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس إلى رئيس أساقفة باريس، حيث أعرب عن أمله في أن يشكّل ولادة هذه الكنيسة الكاتدرائيّة الرائعة من جديد “علامة نبوية لتجديد الكنيسة في فرنسا”، وحثّ كل مُعمّد على الشعور “بالفخر” و”استعادة تراثه الإيماني” باعتباره “حجرًا حيًّا” لنوتردام.
وبعد قراءة الرسالة، ترأس رئيس أساقفة باريس أولريش صلاة إعادة الافتتاح، والتي بدأت بعزف الأرغن وترنيم المزمور 112، وقراءة نص من رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس والذي ذكّر بأنّ السيّد المسيح هو حجر الزاوية لكلّ بناء.
وفي كلمته أمام الحضور، قال رئيس أساقفة باريس أنّ باب الكنيسة مفتوح للجميع، “حتى لو كانوا عابرين، حتى لو كانوا من الأجانب”، ولفت أولريش إلى أنّ الكاتدرائية “المتجهة بالكامل نحو سر المسيح، هي علامة فرح هائل للمؤمنين ولملايين الرجال والنساء والأطفال والمسنين والمرضى وذوي الإعاقة”، وهي “مثل الرسالة التي تعبر العصور والحدود”.. واختتمت الصلاة برفع نشيد “تعظم”.
(وكالات)
البابا فرنسيس يوجه رسالة إلى رئيس أساقفة باريس لمناسبة افتتاح كاتدرائية نوتردام
“تحية مَن عملوا بسخاء على إعادة افتتاح الكاتدرائية عقب حريق سنة ٢٠١٩، والرجاء أن يكون هذا الميلاد الجديدة لكاتدرائية نوتردام علامة نبوية لتجدُّد الكنيسة في فرنسا..” كان هذا من بين ما تضمنته رسالة وجهها قداسة البابا فرنسيس إلى رئيس أساقفة باريس المطران لوران أولريك بمناسبة افتتاح كاتدرائية نوتردام..
أعرب قداسة البابا في بداية رسالته عن سعادته الكبيرة للاتحاد بالفكر والصلاة مع رئيس الأساقفة وجميع المؤمنين المجتمعين والأشخاص الحاضرين خلال هذا اليوم الاحتفالي الذي يتم خلاله إعادة افتتاح الكاتدرائية لممارسة الطقوس. ثم تحدث البابا فرنسيس عن تذكرنا جميعا الحريق الرهيب الذي اندلع في الكاتدرائية خمس سنوات مضت والذي ألحق بها أضرارا جسيمة.
وتابع: أننا شعرنا بالقلق أمام خطر زوال عمل كبير للإيمان والعمارة المسيحيَّين وشهادة عريقة على تاريخكم الوطني، كتب البابا لرئيس أساقفة باريس. واليوم يفسح الحزن والحداد المجال للفرح والاحتفال والتسبيح، كما وجه قداسته التحية إلى جميع مَن عملوا بشجاعة، وخص هنا بالذكر عناصر الإطفاء، من أجل إنقاذ هذا الصرح التاريخي من الدمار. وتابع قداسته محيَّيا التزام وعزم السلطات العامة في فرنسا كما وأشار من جهة أخرى إلى لفتات السخاء الدولية الكبيرة التي ساهمت في ترميم الكاتدرائية. وأضاف البابا أن هذا السخاء هو علامة لا فقط على الاهتمام بالفن والتاريخ بل هو بشكل أكبر ومشجع علامة على أن القيمة الرمزية والمقدسة لهذا الصرح لا تزال ملموسة بشكل كبير.
وتابع الأب الأقدس موجها التحية أيضًا إلى جميع الفئات المهنية التي عملت على ترميم الكاتدرائية مقدِّمةً أفضل ما يمكنها من أجل أن تستعيد كاتدرائية نوتر دام رونقها. وأضاف البابا في هذا السياق أنه من الجميل والمطَمئن أن يتم بحكمة الحفاظ على كفاءات الماضي وتحسينها. ومن الأكثر جمالًا أن كثيرين من العمال والحرفيين قد قدموا شهادة على عيشهم ترميم الكاتدرائية كمسيرة روحية حقيقية سائرين على خطى أسلافهم والذين تَمَكن إيمانهم المعاش في عملهم من تشييد رائعة كهذه.
وأعرب قداسة البابا بعد ذلك عن الرجاء في أن يكون هذا الميلاد الجديد للكاتدرائية الجميلة علامة نبوية لتَجدد الكنيسة في فرنسا. ودعا الأب الأقدس بالتالي جميع المعمَّدين الذين سيدخلون بفرح هذه الكاتدرائية أن يشعروا باعتزاز مشروع وأن يستعيدوا إرث الإيمان. ثم وجه البابا الحديث مباشرة إلى مؤمني باريس وفرنسا قائلا إن هذا المكان الذي يسكنه أبونا السماوي هو مكانكم وأنتم حجارته الحية، ولكم قد شيده مَن سبقوكم في الإيمان.
وأكد الأب الأقدس مواصلا حديثه إلى المؤمنين أن الصور والرموز الكثيرة التي توجد في هذه الكاتدرائية هي موجَّهة لهم لتقودهم إلى لقاء الله الذي صار بشرا، وإلى إعادة اكتشاف محبته الكبيرة. كما سلط البابا الضوء على أن كاتدرائية نوتر دام ستتلقى مجدَّدا الزيارات والإعجاب من أعداد كبيرة من أشخاص من أماكن وأوضاع وديانات ولغات وثقافات مختلفة يبحثون عن المطلق وعن معنى لحياتهم.
وأعرب الأب الأقدس عن ثقته بأن أبوب الكاتدرائية ستكون مفتوحة على مصراعيها لهؤلاء الأشخاص وبأن الأبرشية ستستقبلهم بسخاء ومجانية كأخوة وأخوات. كما أعرب عن الرجاء أن يتمكن هؤلاء الزوار بفضل شهادة الجماعة المسيحية من لمس السلام الذي يسكن هذا المكان وفرح أن يعرفوا وأن يحبوا الرب الذي هو قرب وشفقة وحنان. وتضرع الأب الأقدس كي يتمكن مَن سيزورون كاتدرائية نوتردام في باريس، من خلال النظر إلى تلك القبب التي استعادت النور مجددا، من أن يتقاسموا رجاء الرب الذي لا يُهزم.
وفي ختام رسالته استمطر البابا فرنسيس على الكنيسة في فرنسا والشعب الفرنسي بكامله حماية العذراء سيدة باريس ثم بارك الجميع.
(راديو الفاتيكان)