أهم الاخبار

الكاردينال بارولين: الكنيسة تؤمن بالسلام، والبابا هو “صوت صارخ في البرية”

في العدد الأخير للمجلة الشهرية الذي صدر بعنوان “الحرب الكبرى”، وشاء القيمون على “ليميس”، لاسيما مديرها لوتشو كاراتشولو، إجراء مقابلة مع الكاردينال بارولين، الذي استهل كلمته مؤكدا أن دبلوماسية الكرسي الرسولي لا ترتبط بدولة ما، بل بواقع القانون الدولي الذي لا تحركه مصالح سياسية، اقتصادية أو عسكرية. وهذا النشاط يضع نفسه في خدمة أسقف روما، الذي هو البابا، راعي الكنيسة الجامعة.

وتحدث نيافته عن الطابع الكوني لدبلوماسية الكرسي الرسولي، مشيرا إلى أن ممثلي البابا، أي السفراء البابويين، يأتون من الكنائس المحلية في مختلف أنحاء العالم، ولديهم وظيفة كنسية واضحة، وشدد على أن الجيوسياسية هي ضرورية بغية ممارسة المهنة الدبلوماسية بشكل ناجع. وذكّر بالدور “الدولي” الذي يلعبه الحبر الأعظم، وبات يرمز إلى كنيسة لا تشكل القارةُ الأوروبية محورَها، كما أن لدى البابا نظرة متعددة الأطراف للمشاكل والقضايا الدولية.

بعدها تطرق المسؤول الفاتيكاني إلى النشاط الدبلوماسي الذي قام به على مدى سنوات طويلة وقال إنه يشكر الله لأنه منحه نعمة مرافقة البعثات الدبلوماسية البابوية، على الرغم من ضعفه ومحدوديته. وحذر من المخاطر التي تواجه العالم اليوم، والذي يشهد حرباً عالمية ثالثة مجزّأة، كما قال البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة.

لم تخلُ كلمات الكاردينال بارولين من الحديث عن ضرورة أن يبقى الإنجيل البوصلة الواجب اتّباعها، ولفت إلى أن صفحات الإنجيل غنية بإعلان السلام، وبوعود السلام وعطية السلام. وهذا ما أعلنه الملائكة عند ولادة الرب يسوع في بيت لحم. وهذا ما تمناه هو نفسُه لتلاميذه بعد قيامته من بين الأموات. وأكد نيافته أن الكنيسة تتبع مثال ربّها: فهي تؤمن بالسلام وتعمل من أجل السلام وتناضل في سبيل السلام، إنها تشهد للسلام وتسعى إلى بنائه. وهي بهذا المعنى كنيسة “داعية للسلم”.

في سياق حديثه عن سباق التسلح، ذكّر أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان بالتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الذي يتطرق إلى الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وقال إن للشعوب الحقّ في الدفاع عن نفسها في حال هوجمت، لكن لا بد أن يحصل ذلك بشروط يعددها كتاب التعليم المسيحي، أي عندما تبوء بالفشل كل المحاولات الأخرى مثلا أو شرط ألا يسبب استخدامُ السلاح ضرراً أكبر من الضرر الذي نسعى إلى احتوائه.

تابع نيافته قائلا إن الحرب تولد في قلب الإنسان محذرا من الممارسات التي تُبعد السلام وتعرقل التفاوض. وذكّر بأن البابا تناول هذا الموضوع في نداءات عدة، إلا أن صوته النبوي والبعيد النظر يبقى صوتاً صارخاً في البرية. إن هذا الصوت، مضى يقول، هو بمثابة بذرة تُرمى في الأرض لكنها تحتاج إلى تربة خصبة كي تأتي بالثمار. وإن لم تُصغِ الأطراف المعنية إلى تلك الكلمات لا يتغيّر شيء، ولا يوضع حد للقتال. فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية قال بارولين إنه لغاية اليوم لم يَظهر أي استعداد لعقد مفاوضات سلام حقيقية ولقبول اقتراح الكرسي الرسولي بلعب دور الوسيط بين الطرفين المتنازعين، المدعوَين كليهما إلى إبداء استعدادهما لذلك. مع ذلك يبقى صوت البابا شهادة ذي قيمة عالية، تترك بصمتها في الضمائر وتساعد الناس على أن يُدركوا أن السلام والحرب يبدآن في قلوبنا، وأننا جميعا مدعوون للسعي إلى تعزيز السلام وتفادي الحرب.

ردا على سؤال بشأن إمكانية قيام البابا بزيارة إلى البلدين المتنازعين قال المسؤول الفاتيكاني إن هذه هي رغبة البابا الكبيرة، أي أن تترتب على زياراته فوائد ملموسة. ومن هذا المنطلق عبّر عن رغبته في زيارة كييف ليحمل العزاء والأمل للسكان، ضحايا الحرب. وقد أعلن في الوقت نفسه عن استعداده للذهاب إلى موسكو أيضا، إذا ما توفرت الظروف المواتية لتحقيق السلام. وكشف هنا نيافته أن الحوار بين روما وموسكو صعبٌ ويسير ببطء، ويشهد مراحل سلبية وأخرى إيجابية، لكنه ليس منقطعاً. وفيما يتعلق بلقاء البابا المرتقب بالبطريرك كيريل في القدس، فلفت بارولين إلى أنه أُلغي لأنه سيُساء فهمه وكان ليتأثر كثيراً بوقع الحرب الدائرة في أوكرانيا.

في ختام مقابلته مع مجلة “ليميس” الشهرية، عبر أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بارولين عن أمنيته بأن تتبنى دبلوماسيات العالم كافة نظرة كونية، وتلتزم في صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، وفي الدفاع عن الأشخاص الأشد ضعفاً، بالإضافة إلى العمل لصالح الحياة.

(المصدر راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى