أهم الاخبار

البابا فرنسيس: إذا لم نبذل ذواتنا.. و لم نخاطر نصبح مسيحيين سطحيين

بمناسبة عيد المسيح ملك الكون واليوم العالمي للشباب على صعيد أبرشي ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي في أبرشيّة أستي وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها من هذه الأراضي غادر والدي لكي يهاجر إلى الأرجنتين؛ وفي هذه الأراضي، التي أصبحت ثمينة بفضل المنتجات الجيدة للتربة ولاسيما بسبب الاجتهاد الحقيقي للناس، أتيتُ لكي أجد مجدّدًا نكهة الجذور، لكن اليوم، يعود بنا الإنجيل مرة أخرى إلى جذور الإيمان، الموجودة في أرض الجلجلة القاحلة، حيث بموتها، أنبتَت بذرة يسوع الرجاء الذي إذ زُرع في قلب الأرض، فتح لنا الطريق إلى السماء؛ وبموته أعطانا الحياة الأبدية، ومن خلال خشبة الصليب حمل لنا ثمار الخلاص، لننظر إليه إذًا، إلى المصلوب.

تابع البابا فرنسيس يقول على الصليب تظهر جملة واحدة فقط: “هذا مَلِكُ اليَهود”، هذا هو اللقب ملك، ولكن بالنظر إلى يسوع تنقلب فكرتنا عن الملك، لنحاول أن نتخيل ملكًا أمامنا سيبادر إلى ذهننا رجل قوي يجلس على عرش مع شارات ثمينة، وصولجان بين يديه وخواتم متلألئة بين أصابعه، بينما يتوجّه إلى رعاياه بكلمات مهيبة.

واكمل: بالنظر إلى يسوع، نرى أن الأمر معاكس تمامًا. فهو لا يجلس على عرش مريح، بل هو معلَّق على خشبة؛ والإله الذي “حطَّ الأقوياء عن العروش” يعمل كعبد صلبه الأقوياء، تزيِّنه المسامير والأشواك فقط، وقد جُرِّد من كل شيء ولكنّه غنيٌّ بالحب، ومن عرش الصليب لم يعد يعلِّم الجموع بكلمته، ولم يعد يرفع يده ليعلِّم. بل يفعل أكثر من ذلك لا يوجه أصابع الاتهام إلى أي شخص، بل يفتح ذراعيه للجميع، هكذا يُظهر ملكنا نفسه: بذراعين مفتوحتين.

أضاف الأب الأقدس يقول خلال الدخول في عناقه فقط سنفهم أن الله قد ذهب إلى هناك، إلى مفارقة الصليب، لكي يعانق كل شيء فينا، حتى ما كان بعيدًا عنه موتنا، آلامنا، فقرنا، هشاشتنا، صار خادما لكي يشعر كل فرد منا أنه ابن، سمح بأن يتعرض للإهانة والاستهزاء، لكي لا يبقى أحد منا بمفرده في كل إذلال؛ سمح بأن يُجرَّد من كلِّ شيء لكي لا يشعر أحد بأنّه قد جُرِّد من كرامته؛ لقد صُلِب على الصليب، لكي يكون حضور الله في كلِّ مصلوبٍ في التاريخ.

واستطرد: هذا هو ملكنا، ملك الكون لأنه عَبَر أبعد حدود البشرية، لقد دخل في الثقوب السوداء للكراهية والترك لكي ينير كل حياة ويعانق كل واقع، لذلك لنُثبِّت أعيننا على يسوع المصلوب ، هو لا يراقب حياتك للحظة فقط، ولا يعطيك نظرة عابرة كما نفعل معه غالبًا، ولكنه يبقى هناك، بذراعين مفتوحتين، ليقول لك في الصمت أنه لا يوجد شيء فيك غريب بالنسبة له، وأنّه يريد أن يعانقك ويرفعك ويخلِّصك هكذا كما أنت، بتاريخك، وبؤسك، وخطاياك. يعطيك الإمكانية لكي تملك في الحياة، إذا استسلمت لحبه الوديع الذي يقترح نفسه ولا يفرضها، لحبه الذي يغفر لك على الدوام وينهضك دائمًا ويعيد لك على الدوام كرامتك الملَكيَّة.

وقال: نعم، يأتي الخلاص من السماح له بأن يحبّنا، لأنه بهذه الطريقة فقط نتحرر من عبودية الـ “أنا”، ومن الخوف من أن نكون وحدنا، لأن هاتين الذراعين المفتوحتين تفتحان لنا الفردوس أيضًا، كما فعلتا “للص الصالح”، هذا ما يريد الله أن يقوله لنا في كل مرة نسمح له بأن ينظر إلينا، وعندها سنفهم أنه ليس لدينا إله مجهول موجود فوق في السماء، قوي وبعيد، وإنما إله قريب، حنون وشفوق ذراعاه مفتوحتان تعزيان وتعانقان، هذا هو ملكنا!

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات بعد أن نكون قد نظرنا إليه ماذا يمكننا أن نفعل؟ يضع إنجيل اليوم أمامنا طريقين، أمام يسوع هناك من يقف كمتفرِّج وهناك من يشارك ويلتزم، لافتًا: وجميع هؤلاء المتفرجين يتشاركون في لازمة، يكررها النص ثلاث مرات: “إِن كُنتَ مَلِكَ فخَلِّصْ نَفْسَكَ!” خلِّص نفسك، أي عكس ما يفعله يسوع، الذي لا يفكر في نفسه، بل في تخليصهم، ولكن إذا لم يكن هناك مشاركة والتزام، وإذا لم نبذل ذواتنا وإذا لم نخاطر فنصبح مسيحيين سطحيين، يقولون إنهم يؤمنون بالله ويريدون السلام، ولكنهم لا يصلون ولا يعتنون بالقريب.

ولكن تابع البابا يقول هناك أيضًا موجة الخير الصالحة، من بين العديد من المتفرجين، يتدخل أحد الأشخاص، “اللص الصالح”، وهكذا أصبح اللص أول قديس، يحدثنا الإنجيل الآن عن اللص الصالح لكي يدعونا للتغلب على الشر بالتوقف عن البقاء متفرجين، ومن أين نبدأ؟ من الثقة، من أن ندعو الله باسمه، تمامًا كما فعل اللص الصالح، الذي وجد في نهاية حياته الثقة الشُّجاعة للأطفال الذين يثقون ويطلبون ويصرون. وبكل ثقة يعترف بأخطائه، ويبكي ولكن ليس على نفسه، وإنما أمام الرب، هل لدينا هذه الثقة، هل نقدم ليسوع ما بداخلنا أم أننا نتنكر أمام الله، وربما بقليل من القداسة والبخور؟.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إن الذي يمارس الثقة يتعلم الشفاعة، ويتعلم أن يقدم لله ما يراه، وآلام العالم، والأشخاص الذين يلتقي بهم؛ وأن يقول له مثل اللص الصالح: “اذكر يا رب!”. نحن لسنا في هذا العالم لكي نخلِّص أنفسنا فقط، وإنما لكي نحمل الإخوة والأخوات إلى حضن الملك، إن التشفُّع، وتذكير الرب، يفتحان أبواب الفردوس .

( المصدر راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى