أخبار مشرقية

مسيحيون سوريا: نتطلع للأمان ونخشى التطرف

في اليوم الذي سقط فيه حكم الرئيس السوري بشار الأسد، أصيب أهالي بلدة “معلولا” ذات الأغلبية المسيحية بحالة من الفزع، فر بعضهم باتجاه دمشق عقب انسحاب الجيش السوري النظامي من بلدتهم الواقعة في ريف العاصمة، إثر تقدم مقاتلي هيئة تحرير الشام الذين “أطاحوا” بحكم الأسد، لكن في الأيام القليلة الماضية، بدأ الأهالي يعودون إلى بلدتهم.

تحدث الأب فادي برغيل رئيس أحد الأديرة بمعلولا قائلًا:  “أطالب بأن تكون معلولا منزوعة السلاح”، كثرت التساؤلات في الآونة الأخيرة عن كيفية تعامل هيئة تحرير الشام، ذات المرجعية الإسلامية، مع الأقليات العرقية والدينية في سوريا، وهي كثيرة؛ فالتركيبة السكانية لهذا البلد قد يراها البعض معقدة في حين يراها البعض الآخر ثرية ومتنوعة، يخشى الأب فادي من “التطرف الإسلامي”، فهو يتخوف من أن تُفرض على المسيحيات تغطية الرأس، أو تقيد حرية الأقلية المسيحية في ممارسة طقوسها الدينية وإقامة الصلوات وقرع أجراس الكنائس.

عدد السكان الذين فروا من معلولا في 8 من ديسمبر الجاري، إثر سقوط حكم الأسد، كانوا يتخوفون من تكرار سيناريو عام 2013، حينذاك دخلت إلى البلدة جبهة النصرة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، لتسيطر على معلولا لسبعة أشهر تقريبا، باتت البلدة حينها أشبه بساحة الحرب، ويتذكر الأهالي كيف وقعوا ضحية للقتل والخطف وتعرضت بيوتهم وكنائسهم للحرق والتخريب.

يخبرنا الأب فادي أن جبهة النصرة خطفت أخاه في عام 2013، لأكثر من خمسين يوماً، ويقول “عذبوه وحبسوه داخل مرحاض صغير وظل محروماً من رؤية نور الشمس”، يوضح أنه لا يستطيع أن ينسى وجعه الشخصي لكنه يجب أن يمد يده بالتسامح، طلباً لغد أفضل، كما ذكر الأب فادي أنه يشعر بالأمان حالياً، ويضيف: “تواصلنا مع بعض المقربين من القيادة الحالية وأكدوا لنا أنه ما من قيود على ممارساتنا الدينية، حيث سنتمتع بكامل حريتنا”.

رحل الأسد عن السلطة في يوم الأحد، حينها لم تقم الصلوات في معلولا بسبب توتر الوضع الأمني وخوف الأهالي. في قداس الأحد التالي لسقوط نظام الرئيس السابق، صدحت أصوات الصلوات في أنحاء معلولة وبدا المصلون متفائلون بالمستقبل لكنه ظل تفاؤلاً حذراً، فالكنيسة التي أقيم بها القداس نالها قسطاً وافراً من الضرر في 2013، لكن أعيد بناء ما احترق منها بعهد بضع سنوات.. وتقول مريم قلومة التي ترتاد الكنيسة بانتظام: “هذه المرة جاءت هيئة تحرير الشام إلينا بالأمان، على عكس المرة الماضية، حين كسرت جبهة النصرة الصلبان ومحت الأيقونات الدينية”، فرت “حنينة تعلب” من معلولا بعد دخول جبهة النصرة، لتعود إلى بلدتها بعد ست سنوات تقريبا، تقول: إنها قررت الرحيل بعد أن قتل المسلحون ابنها سركيس إثر رفضه إشهار إسلامه.

لم تتمالك دموعها وهي تسترجع هذه الوقائع المؤلمة “حين أخبرهم أنه مسيحي وسيبقى مسيحي أطلقوا عليه النار.” كان سركيس طالباً جامعياً حينها.

وتقول حنينة: إن صورته لا تفارقها “احترق قلبي، فمن ذهب لن يعود”. وتخبرني أنه في اليوم التالي لمقتل ابنها أحرق المسلحون منزلها لتضطر إلى الفرار.

وتستطرد بوجه يكسوه الأسى: “لا يعنيني البيت لكن ما يوجعني هو ابني الذي كان في عمر الزهور”.

رغم حزنها الدفين، إلا أن حنينة تؤكد أنها لا تشعر “بحقد على أحد” وتتطلع لأن تعمل هيئة تحرير الشام “على تحرير البلاد من الظلم لتكون اسماً على مسمى”.

“تحرير الشام” مدرجة على قوائم الإرهاب

لا تزال هيئة تحرير الشام مدرجة على قوائم الإرهاب في العديد من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة، ولا يعرف حتى الآن متى يمكن أن تغير تلك الدول موقفها من الهيئة، لكن بالتأكيد ستلعب معاملة الهيئة للأقليات دوراً في هذا الأمر، ونحن نهم بالرحيل عن البلدة شاهدنا الأهالي وقد بدأوا في إقامة شجرة ضخمة لعيد الميلاد، في أحد الميادين العامة.

يأمل أهالي معلولا في طي صفحة الماضي وتضميد الجراح ليبدأوا حياة جديدة خالية من الخوف. قد يستغرق ذلك بعضاً من الوقت وسيحتاج بالتأكيد للمزيد من رسائل الطمئنة.

(BBC)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى